علامات استفهام على تعيينات النفط

نشر في 30-05-2013
آخر تحديث 30-05-2013 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي كثيراً ما يُتخذ قرار يُعتقد أنه إصلاحي لكن يثبت الواقع عكس ذلك، وكثيراً ما يقوم الإعلام بـ"مكيجة" بعض القرارات باستخدام مصطلحات غير دقيقة ومضللة لإيهام الناس بأنها إصلاحية، ويثبت الواقع أيضاً عكس ذلك، ومن هذه المصطلحات "التغيير الشامل" و"ضخ دماء جديدة"، اللذان استخدما لوصف قرار تغيير قيادات القطاع النفطي.

فللوهلة الأولى يعتقد الكثيرون أن ذلك القرار إصلاحي لأنه اتسم بالتغيير الشامل، أو لأنه ضخ دماء جديدة بشكل واسع على رأس شركات هذا القطاع، لكن الواقع يشير إلى أن هذه النظرة غير دقيقة ولا يمكن تعميمها بهذه الطريقة السطحية. فليس كل تغيير شامل إصلاحاً، وليس كل دم جديد أفضل من القديم، فالتقييم يجب أن يكون موضوعياً وعادلاً لكل منصب حتى نستطيع أن نقنع أنفسنا بأن ذلك التغيير كان إصلاحياً، وهذا ما لم يحدث.

 فهناك قياديون استبعدوا مع أنهم اتسموا بالكفاءة العلمية والإدارية بينما بعض القياديين الجدد معروفون لدى العارفين ببواطن الأمور بأنهم ليسوا أكفأ من أسلافهم أو أنهم يرضخون لـ"الواسطات" والمحسوبيات.

فهل من المعقول ألا يكون من بين الأحد عشر قيادياً السابقين في المناصب الفنية أكفاء إلا واحدا فقط ليتم تجديد الثقة به؟ فإذا كان الجواب (نعم) فهذا يعني أن "الواسطة" كانت هي أساس اختيارهم آنذاك. وإذا كانت "الواسطة" هي معيار الاختيار في ذلك الوقت فكيف لنا أن نصدق أنها لم تتدخل في التعيينات الجديدة؟!

أما بالنسبة إلى مبرر السن والاستغناء عمّن بلغت خدمته 35 سنة، فهذا معيار خاطئ ومعيب (مع ملاحظة أن بعض القياديين الجدد أيضاً لديهم خدمة طويلة قاربت الـ35 عاماً) فليس كل من بلغ سناً معينة غير قادر على العطاء، بل نجد أحياناً أن كباراً في السن ما زالوا يتمتعون بكفاءة عالية، ويكونون أفضل من بعض الدماء الجديدة.

فالملياردير الأميركي وارن بافيت تجاوز عمره الـ(80) عاما ولا يزال الرئيس التنفيذي لشركة "بيركشاير هاثوي" المساهمة، واللواء عبدالفتاح العلي أثبت كفاءته خلال فترة قصيرة من استلامه لمنصبه بالرغم من تجاوز خدمته الـ30 سنة، وهذان مثالان من أمثلة كثيرة. إذن فمعايير الاختيار يجب أن تكون الكفاءة العلمية والإدارية ونظافة اليد ولا يجوز أن يطغى عامل السن على كل هذه المعايير. وهذا لا يسري فقط على القطاع النفطي بل على كل أجهزة الدولة، خصوصاً بعد قرار الحكومة بالتخلص ممن قضى أكثر من 30 سنة بالأجهزة الحكومية، والذي ينم عن عجز الدولة عن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ومكافأة المجد المجتهد ومعاقبة أصحاب الأداء الضعيف.

الخلاصة أن تبرير التغييرات الشاملة في القطاع النفطي بمصطلحات براقة مثل (التغيير الشامل) و(ضخ دماء جديدة) ما هو إلا محاولة لتغطية السبب الحقيقي للتغيير، وهو السياسة... فالسياسة هي الطاغية في التعيينات في أجهزة الدولة السياسية، وما لم يتم تغيير جذري في نموذج عمل القطاع النفطي الحساس فإنه سيظل مسرحاً للصراع السياسي كما هي حال بقية أجهزة الدولة، ولن تزيد كفاءة هذا القطاع تحت قواعد اللعبة الحالية، ولعل خضوع الإدارة الجديدة لكل مطالب نقابة شركة خدمات القطاع النفطي إلا مؤشر على ذلك. ولن يكون هناك تغيير جذري (إصلاحي) إلا بطريقتين: أولاهما، خصخصة جزئية أو كلية لجميع الشركات النفطية (باستثناء شركة نفط الكويت). والثانية خصخصة إدارة هذه الشركات حتى تزيد المهنية في الإدارة وتزيد العدالة في التعيينات والترقيات في قطاع يعاني "الواسطة" والمحسوبيات وتضخم الرواتب وبعض البطالة المقنعة.

back to top