أنت ما تأكله... سلوكياتنا تتأثر بطعامنا!
قد نفقد الصبر في بعض الأيام وقد نتصرف بسخاء أو نصدر أحكاماً قاسية في أيام أخرى. لماذا؟ ربما تتعلق هذه السلوكيات بما نأكله على الفطور أو حتى المطاعم التي نمر إلى جانبها في طريقنا إلى العمل. تشير أبحاث جديدة إلى أن المأكولات التي نأكلها، أو حتى تلك التي نفكر بها بكل بساطة، تبدّل أفعالنا وأفكارنا بطريقة غير متوقعة.
نستعمل جميعاً عبارات تحمل تلميحات ضمنية عن مذاق الطعام لوصف العالم من حولنا: إنها فتاة «لذيذة»، إنها مزحة «مقرفة»! بحسب رأي عالم النفس مايكل روبنسون من جامعة داكوتا الشمالية، تساهم العواطف والكلمات المرتبطة بالطعام في «تعزيز إدراكنا للمفاهيم المبهمة».تصبح الاستعارات المستوحاة من الطعام «أدوات تسمح لنا بتصوّر أمور يصعب فهمها في العادة». لكنّ الطريقة التي نستعمل فيها الأفكار الغذائية لوصف الناس ليست مجرد مسألة بسيطة بل إنها أمور مترسخة في الواقع.
في دراسة حديثة نُشرت في «مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي»، ذكر روبنسون وزملاؤه أن الأفراد الذين يحبون الحلويات أكثر لطفاً ممن يفضلون المأكولات المالحة والحارة والحامضة والمُرّة، فضلاً عن أنهم أكثر استقامة: كل من يحب تناول الحلوى والسكاكر يكون أكثر استعداداً لمساعدة الآخرين مقارنةً بمن يفضل نكهات أخرى.كذلك، حين منح روبنسون بعض الأفراد قطعة من الحلوى وطلب منهم التطوع لمساعدة شخص غريب، كانوا أكثر استعداداً للموافقة ومتابعة المهمة مقارنةً بالأفراد الذين مُنحوا قطعة حلوى مُرّة أو مقرمشات مالحة.على صعيد آخر، يقول كندال إسكين، طبيب نفسي في جامعة لويولا في نيو أورلينز: «يمكن أن يؤدي الطعم السيء في الفم إلى إطلاق أحكام قاسية على الغرباء». في دراسة نُشرت في مجلة «العلوم النفسية» في عام 2011، طلب مع زملائه من المشاركين أن يشربوا كوباً صغيراً من عصير الفاكهة أو جعة سويدية مُرّة المذاق (مكمّل عشبي) أو الماء.بعد شرب تلك السوائل مباشرةً، طلب منهم إسكين إصدار الأحكام بعد قراءة مجموعة من النصوص القصيرة التي تصف تجاوزات أخلاقية خطيرة بدرجات متفاوتة، مثل إقدام طالب على سرقة كتب من المكتبة أو قبول أحد أعضاء الكونغرس الرشوة. أطلق الأفراد الذين تناولوا المكمّل المرّ المذاق أحكاماً أكثر قساوة ممن شربوا العصير أو الماء.قوائم في عقلنالماذا يترافق الطعام مع هذه الآثار النفسية الواسعة النطاق؟ يبدو أن الأمر لا يرتكز على الغذاء بحد ذاته: تشير الدراسات إلى أن مجرد تذوق الطعام، من دون ابتلاعه، قد يؤثر على السلوك لأن الطعام مهم جداً بالنسبة إلينا على المستويين الجسدي والثقافي. لسنا مضطرين للأكل كي نعيش فحسب، بل تتمحور مختلف الاحتفالات مثل الأعراس والأعياد الدينية حول وجبات الطعام. كذلك، حين ترتبط المأكولات بخيارات أسلوب الحياة، قد يؤدي التفكير بها (من دون تذوقها بالضرورة) إلى جعلنا نتصرف بطريقة مفاجئة. بعد مشاهدة صور لمأكولات عضوية، أطلق الأفراد في إحدى دراسات إسكين أحكاماً أخلاقية صارمة وكانوا أقل استعداداً لمساعدة الآخرين مقارنةً بالأفراد الذين شاهدوا مأكولات لذيذة مثل المثلجات أو مأكولات حيادية مثل الخردل.بحسب رأي إسكين، بما أن المأكولات العضوية مرتبطة بالصحة والمسؤولية البيئية، يكفي التفكير بها كي نشعر بأننا فاضلون بشكل مبالغ فيه، ما يدفعنا إلى التصرف بطريقة أنانية وإصدار الأحكام على الغير.في دراسة أخرى نُشرت في عام 2010، تبين أن الأشخاص الذين يشاهدون لفترة وجيزة شعارات مطاعم المأكولات السريعة يتمّمون مهمات القراءة في المرحلة اللاحقة بسرعة أكبر من غيرهم، حتى عندما لا يكونون مضغوطين بالوقت. يكون الفرد الذي شاهد الشعارات قصير البصيرة في تفكيره، فيعتبر مثلاً أنه يفضل تلقي جوائز نقدية صغيرة وفورية بدل انتظار الجوائز الكبرى.تشير النتائج إلى أن «المرور أمام رموز المأكولات السريعة يكفي لنفاذ الصبر»، بحسب قول تشن بو تشونغ، طبيب نفسي في جامعة تورنتو شارك في إعداد الدراسة: «يسلط هذا الأمر الضوء على الروابط المتبادلة والوثيقة بين آلياتنا النفسية الأساسية وبيئتنا الاجتماعية».بالتالي، هل نُعتبر جميعاً عبيداً للحلويات ومأكولات «ماكدونالدز»؟يقول روبنسون: «عند العمل في هذا المجال، نندهش من مدى تطابق هذه الآثار». مع ذلك، لا أحد يعلم نسبة تأثر سلوكنا بالطعام. تشير دراسات إسكين إلى أن إدراك هذه الآثار يجعلنا نخفف من تأثيرها علينا. بالتالي، من المفيد جلب كعك الدونات إلى العمل حين نريد المطالبة بزيادة الراتب، فقد يشعر رب العمل بأنه أكثر سخاءً من العادة.السكر والتوابلقد يكون الأشخاص الذين يحبون الحلويات ظريفين، لكن لا تتطابق النكهات المفضلة لدينا دوماً مع طباع الشخصية. غالباً ما نفترض أن الناس الذين يحبون مذاق التوابل في طعامهم يبحثون عن التشويق في حياتهم، لكن تشير الأبحاث إلى أننا مخطئون. تستنتج دراسة حديثة نُشرت في مجلة «الشهية» أن كثرة استهلاك المأكولات الحارة لا ترتبط بخصائص معينة في الشخصية.توقع الباحثون ارتفاع معدلات البحث عن الإثارة والتشويق لدى محبي الفلفل الحار، لكن لم تؤكد دراستهم الصغيرة على هذه الفرضية. في ما يخص تطوير الذوق وتعلم حب صلصة سريراتشا الحارة (لا سيما عند الأطفال)، يبدو أن التجربة هي العامل الأهم.