مُكابدات العِلم والعمل معاً

نشر في 14-04-2013
آخر تحديث 14-04-2013 | 00:01
 آدم يوسف الباحث الفلسطيني الراحل عبدالعزيز محمد جمعة قد لا يكون معروفا للجمهور من متابعي الصحافة في الكويت، فهو ليس وجها إعلاميا، أو ضيفا مألوفا على منابر الثقافة المحلية، إلا أن شخصيته المهنية والعلمية، تستدعي احتراما وتقديرا عاليين، لاسيما لجهة عمله في مؤسسات محلية عدة، إلى أن انتهى به المطاف في مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، وهنا وجد جمعة ضالته، في البحث العلمي الجاد، والعمل المتفاني وراء الكواليس، حتى أسهم مع باحثين آخرين، وبإشراف أمين عام المؤسسة عبدالعزيز السريع، في إظهار العديد من الكتب البحثية المتعلقة بشعراء، وكتاب عرب من أزمنة مختلفة، تماشيا مع دور المؤسسة في تكريس البحث العلمي، المتعلّق بالشعر العربي عبر عصوره المختلفة.

أقول إن الفقيد عبدالعزيز جمعة (بو محمد) وجد ضالته في أروقة هذه المؤسسة، لأنه لم يكتف بالعمل الوظيفي المضني، وإن كان هذا العمل متعلقاً بمجالٍ أحبّه وتخصص فيه، وهو مجال اللغة العربية، بل بادر إلى استثمار كل دقيقة من وقته، من أجل إتمام دراساته العليا، إذ إنه وبعصامية متناهية حصل على درجة الماجستير، من جامعة الجزائر، وكانت رسالته تحت عنوان «المشهد المائي في الشعر العربي»، وكنت التقيته مراراً، وهو في طور الإعداد لهذه الأطروحة، ورأيت الورق المكدس أمامه من كتب ومراجع، ولم يستغرق الكثير من الوقت حتى حصل على درجة الماجستير، ليواصل طريقه فورا، للتسجيل للدكتوراه، وبذلك يكون قاب قوسين أو أدنى من لقب كان بالنسبة إليه طموحا شخصيا، وغاية علمية، قبل أي شيء آخر.

يأتي حديثي عن هذا الرجل، الباحث، العصامي، بعد أن وقع بيدي كتاب أصدرته مؤسسة البابطين أخيرا، بعنوان «المشهد الإنساني في الشعر العربي قبل الإسلام- تمثّل وتمثيل». والمفاجأة أن هذا الكتاب في أصله رسالة الدكتوراه التي أعدّها الراحل، لجامعة الجزائر، وكان على وشك مناقشة البحث، والحصول على الدرجة العلمية، لولا أن القدر عاجله قبل بضعة أيام من المناقشة، فارتأت الجامعة مناقشة الرسالة علنا، وبالفعل تم ذلك صباح يوم الثلاثاء 9/12/2012، بعد وفاة المؤلف، استنادا إلى لوائح الجامعة وقوانينها، وقد تشكلت لجنة المناقشة من: الطاهر الحجار، وعثمان بدري، وجميلة بو تمجد، والسيد محمد عبدلي، ومحمد مصطفى أبوشوارب. وقررت لجنة المناقشة أن تمنح الرسالة درجة دكتوراه، بتقدير مشرّف جدا، مع التوصية بطبع الرسالة، وهو أعلى تقدير تمنحه الجامعة.

أن تتضمن لوائح الجامعة –المعروفة بصرامتها- شقا إنسانيا عاليا، يسمح بمناقشة الرسالة، ومنح الدرجة العلمية، إذا كانت في ظروف مشابهة لما أشرنا إليه، فإن ذلك يدل على رقيّ في التعامل مع البحث العلمي، والباحثين، لاسيما أن الباحث قد استكمل جميع شروط نيل الدرجة العلمية، ولم يتبق سوى المناقشة العلنية، التي حال الموت بينه وبينها، فتحية تقدير هنا لجامعة الجزائر، وطاقمها العلمي.

قد لا يسمح المجال هنا لمناقشة الكتاب، ومحتوى المادة العلمية فيه، إلا أن قصة حياة الباحث الراحل، ومكابداته من أجل لقمة العيش، والسير في طريق العلم جنبا إلى جنب، تنطوي على مفارقات إنسانية، لا تقل أبدا عن خبر الرحيل، وفُجاءة القدر ذاته، ومن ثم حصوله على الدرجة العلمية بعد غيابه. وهو في رحلة الطموح هذه ربّما يتقاطع مع كثير ممن وفدوا إلى الكويت، في فترة الستينيات، والسبعينيات، ومن ثم ارتأوا شق طريق البحث العلمي والعمل في الوقت ذاته، من دون غطاء، أو معاونة من مؤسسة رسمية، أو حكومية، بل اعتمدوا على الاجتهاد الذاتي، وبعضهم قدم مؤلفات مهمة تتعلّق بتاريخ الأدب والثقافة في الكويت، كما أن بعضهم أسهم في إصدارات أدبية، والانخراط في الوضع الثقافي المحلي.

back to top