من قتل السندريلا... وأعادها مُجدَّداً إلى الحياة؟ (3-3)

نشر في 15-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 15-07-2013 | 00:01
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على رغم ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
لقيت الفنانة الكبيرة سعاد حسني مصرعها في الأسبوع الأخير من يونيو عام 2001. سقطت من الطابق السادس في برج «ستيوارت» في قلب العاصمة البريطانية... فيما اتجه فريق من المراقبين إلى أنها انتحرت، وهو اتجاه الشرطة الإنكليزية نفسه، ذهب فريق آخر إلى ما هو أبعد وراهن على أن السندريلا ماتت مقتولة لأسباب عدة أهمها أن سعادة كانت قد أرسلت حقائبها إلى مصر تمهيداً لعودتها إلى أرض الوطن بعد أيام...

ودارت شبهات حول صديقتها نادية يسري التي كانت سعاد تقيم في شقتها تلبية لدعوة نادية لها قبل الحادث بأيام قليلة. وفعلاً أمرت النيابة العامة بالقبض على نادية فور وصولها إلى مطار القاهرة على الطائرة نفسها التي حملت جثمان سعاد... لكن النيابة أفرجت عن نادية بعد ساعات عدة من التحقيقات... وقال البعض إن المستفيد من قتل سعاد حسني كان وراء قرار الإفراج عن نادية كي لا تفشي سره ومساعدتها له في استدراج السندريلا إلى شقتها. وأخيراً قررت السيدة جنجاه، شقيقة سعاد، توجيه الاتهام رسمياً إلى السيد صفوت الشريف في أعقاب ثورة يناير!

وافق النائب العام المصري على انتداب قاضي تحقيق في البلاغ المقدم من المحامي الكبير عاصم قنديل وكيلاً عن السيدة جيهان عبد المنعم وشهرتها «جنجاه»، شقيقة الفنانة سعاد حسني والتي اتهمت صفوت الشريف واللواء حبيب العادلي بالتدبير لقتل أختها... وتولى التحقيق فعلاً المستشار محمود علاء الدين.

قال البلاغ إن سعاد سافرت إلى لندن عام 1997 للعلاج على نفقة الدولة بقرار من الدكتور الجنزوري رئيس الوزراء، لكنها فوجئت برئيس الوزراء الجديد عاطف عبيد يصدر قراراً بوقف علاجها على نفقة الدولة فبدأت في كتابة مذكراتها لبيعها والإنفاق على علاجها... وأن خبر كتابة مذكراتها أصاب بعض السياسيين بالارتباك، خصوصاً صفوت الشريف الذي كان ضابطاً في جهاز المخابرات في الستينيات، وحاول تجنيدها في أعمال ماسة بالشرف للحصول على معلومات من بعض الشخصيات بزعم أهمية المعلومات للأمن القومي المصري. ولهذا، كما ذهب البلاغ، طلب صفوت الشريف عقب سماعه خبر كتابة المذكرات، من اللواء حبيب العادلي سرعة التخلص من حسني والاستيلاء على أي أشرطة مسجلة بصوتها أو أوراق مكتوبة بخط يدها!

أضاف البلاغ أن المؤامرة تمت من خلال ضابط في وزارة الداخلية برتبة نقيب ونادية يسري صديقة سعاد حسني، على أن تستدرجها نادية إلى شقتها ويقتلها النقيب رأفت بدران، خصوصاً أنه من التنظيم السياسي السري وأنه سافر بجواز سفر مزور في تاريخ 12 يونيو عام 2001 إلى لندن وعاد يوم 22 يونيو في اليوم التالي لمصرع حسني. وقال البلاغ إن الضابط حصل فعلاً على الأشرطة المسجلة بصوت سعاد قبل عودته إلى القاهرة.

مفاجأة اعتماد خورشيد

كانت الفنانة السابقة اعتماد خورشيد مفاجأة هذه التحقيقات، خصوصاً أنها حظيت بشهرة كبيرة في أعقاب الكتاب الذي نشرته في نهاية الثمانينيات عن انحراف مدير المخابرات الأسبق صلاح نصر وتجنيد بعض الفنانات في أعمال منافية للآداب خلال فترة الستينيات.

قالت خورشيد أمام قاضي التحقيق إن حسني كانت قلقة وخائفة وأبلغتها أن صفوت الشريف اتصل بها هاتفياً وهددها بالقتل.

استمرت التحقيقات عاماً كاملاً حتى صدر قرار قاضي التحقيق في 24 مارس 2013 بحفظ التحقيق استناداً إلى أن أقوال الشهود لم ترق إلى مستوى الشهادة المعتبرة قانوناً... وأن هذه الأقوال لم تنته إلى دليل يسندها. واعتمدت على استنتاجات لم تنته إلى دليل يسندها، واعتمدت على استنتاجات شخصية لأصحابها. ولم تثبت التحقيقات وجود ضابط باسم رأفت بدران في وزارة الداخلية، ولا وجود ما يسمى بالتنظيم السياسي السري! بالتالي، تم إعلان براءة صفوت الشريف والعادلي من تهمة قتل السندريلا.

وعلق عاصم قنديل محامي السيدة جنجاه على قرار الحفظ بأنه سيتقدم بطعن على القرار تأسيساً على أنه لم يفحص غير جانب من الأدلة. وأضاف أن إجراءات أخرى ستتخذ في لندن وأنها ستحمل مفاجأة لن يعلن عنها الآن.

لم تنتحر

على رغم مرور 12 عاماً على الحادث، لم يحسم الأمر حوله حتى الآن، لأن حفظ التحقيقات ليس حكماً نهائياً وقاطعاً بعدم وجود شبهة جنائية في الحادث، بل يمكن وبمنتهى البساطة إعادة فتح التحقيقات بمجرد ظهور أدلة قوية على أن سعاد ماتت مقتولة، وهو ما يسعى إليه عاصم قنديل وشقيقة حسني مهما طال الزمن... ومهما ظن الجاني أنه أفلت من العقاب... فهذا هو الوعد الذي قطعته جنجاه على نفسها أمامنا!

لكن من أين تأتي جنجاه بكل هذه الثقة التي تؤكد أن ثمة من قتل السندريلا؟! الحقيقة أن كل الذين يعرفون سعاد حسني يؤكدون أنها لم تنتحر، وأن شخصيتها أبعد ما تكون عن الانتحار. حتى لو فكرت في الانتحار، فلن تنفذه بهذا الشكل الذي تنهي به تاريخها جثة هامدة في الشارع يعبث فيها وبها المارة ورجال الشرطة والطب الشرعي. كان يمكن أن تتناول مثلاً سماً قاتلاً ينهي حياتها في لحظات بدلاً من تلك النهاية التي تشبه الفضيحة. وشخصية سعاد العاشقة للحياة تجعلها تتردد مليون مرة قبل أن تمزق ستارة الشرفة وتلقي بنفسها من الطابق السادس وهي التي كانت تخاف من رؤية هذه المشاهد على شاشة السينما. وبعيداً عن علاقة شخصية سعاد بالانتحار، فإن الشواهد كافة تقول إنها لم تنتحر:

* ناطور عمارتها عم مهدي، قال إنه تلقى مكالمة هاتفية من السندريلا قبل أيام قليلة من الحادث، أخبرته فيها أنها عائدة إلى مصر في نهاية يونيو لأنها اشتاقت إلى مصر جداً، وطلبت منه أن ينظف شقتها في الزمالك ويفتح نوافذها ويعدها للإقامة.

 

* آخر مكالمة تلقتها جنجاه من أختها أبلغتها فيها حسني أنها أرسلت ثلاث حقائب فيها معظم أمتعتها إلى القاهرة لأنها ستعود إلى مصر نهاية الشهر، ولا تريد أن تعود بحقائب كثيرة... وأنها ستعود بحقيبة واحدة.

* خبراء أمنيون أكدوا أن السقوط من الأدوار العليا أسلوب شائع في الاغتيالات السياسية التي تقوم بها أجهزة مخابرات محترفة، وقد حدث ذلك مرات كثيرة في عمارة «ستيوارت تاور» المشؤومة قبل حادث مصرع سعاد حسني وبعده.

* اللغز الغامض وراء إهمال الشرطة الإنكليزية لبلاغ من سكان العمارة أكدو فيه إنهم سمعوا أصواتاً مقلقة للراحة ومزعجة داخل الشقة رقم «A 6». وبعد ربع ساعة وقع حادث سقوط سعاد حسني من الشقة نفسها! فماذا كان سر ما يحدث قبل دقائق داخل هذه الشقة التي غابت عنها صاحبتها وسقطت من شرفتها الضيفة التي كانت تستعد لتناول طعام العشاء؟

 

شقة الزمالك

كنت مع السيدة جنجاه في الأيام العصيبة التي تلت الحادث... وبعد حوالى أسبوعين فقط وحينما دخلت جنجاه شقة السندريلا في الزمالك وتجولت فيها بدموعها وذكرياتها وأحزانها. استأذنتها في الحصول على بعض الأوراق المكتوبة بخط يد حسني، ومن بينها دعاء كانت تضعه أمام عينها باستمرار في حجرتها، وبطاقة معايدة كتبتها لوالدتها في عيد الأم عام 1984 ثم احتفظت بها بعد وفاتها مؤكدة أنها من رائحة ست الحبايب التي كانت تخبرها بأن كل كلمة كتبتها حسني فيه أجمل هدايا عيد الأم على الإطلاق... بالإضافة إلى صورة خاصة لوالدة حسني احتفظت في حقيبتها بنسخة منها ونسخة ثانية في حجرتها في شقة الزمالك. أما أكثر ما كانت تعتز به سعاد من الآخرين فكان خطاب بخط يد العندليب الراحل عبد الحليم حافظ والذي كان يوقع خطاباته لها باسم الدلع الذي كانت سعاد تناديه به وهو «ليمو»!

يقول الدعاء الذي كتبته سعاد حسني بالقلم بالحبر:

يا رب

يا رب ارضى عني... يا رب اعفو عني

يا رب باركلي في خطواتي... يا رب شاركني أفكاري

يا رب وحد أمنيتي... يارب بارك خطوتي

يا رب سامحني إن كنت أخطأت... وإن كنت أذنبت

وإن كنت أغفلت.. وإن كنت نسيت.. وإن كنت توهمت

وإن كنت غفوت.. وإن كنت طحتَ.. أو أحببت نفسي أكثر من غيري

أو محيت الآخرين من ذاكرتي.. أو أخذتني لذة الحياة...

وجمال الدنيا، وعزة النفس، ونشوة الفؤاد...

سامحني يارب... وكن معي دائماً

 

عيد الأم!

وفي عيد الأم عام 1984، تقول السندريلا لوالدتها على بطاقة المعايدة وبخط يدها أيضاً:

حبيبتي يا ماما...

وحشاني...

كل سنة وأنت معانا وحلوة زي ما أنت وطيبتك بتدينا كلنا الأمان والاطمئنان والحنان والحب اللي ما حدش يقدر يديه إلا الأم. كل سنة وأنت طيبة... قبلاتي.

سعاد في 21 مارس 1984

 

وأضافت سعاد حسني إلى توقيعها اليدوي الخاتم الخاص بها!

أما الخطاب الذي تعتز به واحتفظت به بين العين والحاجب كما يقولون، فكان خطاب بخط يد عبد الحليم حافظ الذي كان يحتفظ أيضاً بنسخ من خطاباته إليها، ومع الأستاذ الكبير مفيد فوزي كثير من الخطابات. كتب العندليب لسعاد في هذا الخطاب يقول:

«... أبصم بالعشرة يا سعاد أنك من أفضل، بل من أحسن الفنانات في مصر فأنت تتمتعين بإحساس كبير ينقص عدداً كبيراً من الفنانات.. أنا أضعك في المرتبة الأولى على يمين فاتن حمامة.. بإذن الله سيكون لنا فيلم في الموسم القادم نحن الثلاثة أنا وأنت وفاتن.. وموضوعه لذيذ جداً، والمفهوم أنه حيرة رجل بين إنسانه تفهمه.. وأخرى تحبه.. والفيلم يؤكد أن الرجل يفضل إنسانة تفهمه على التي تحبه فقط، لأن الفهم يضم الحب والحنان.

يا سعاد خدي بالك من نفسك وفنك. والفنان إذا أخلص للفن أعطاه الكثير، وقد لاحظت أنك متعبة في الفترة الأخيرة... ولا أعرف سبب هذا التعب، فإن كان تعب عائلي فكله يهون فكلنا نتعب هذا التعب. وإذا كان تعباً مادياً فتذكري أن التحويش كما سبق وأبلغتك يضع الإنسان في أمان. وإذا كان تعباً نفسياً فخذي بعضك وسافري يومين فتجددي ياسوسو نشاطك. وبالمناسبة رأيت في لندن فيلمك «الاختيار»، وأبصم بالعشرة أنك ممثلة كبيرة في يد مخرج كبير لن يفهموه إلا أخيراً.

يا سعاد الصحة هي أغلى شيء يملكه البني آدم... وعندما يفاجئني النزيف أتمنى أن يأخذ مني الله كل شيء ويهبني العافية. وعلى فكرة وصولك من السودان لم أعلم به إلا من صلاح درويش فأرجو المعذرة... أنت طول عمرك بتغفري لحليم حاجات كتير، يا ستي جت على دي... وعايز أسألك هو أنت قررتي تغيير ديكور البيت، اتصلي بمحمد أخويا لأنه يعرف عنوان سيد الملط النجار وعن طريق سيد واحد نقاش وإن شاء الله يبقى البيت جنة، بس استحملي العمال يا سوسو وإلى اللقاء».

تحضير أرواح

عموماً، يبدو أن اليأس يدفع الإنسان أحياناً إلى القيام بعمل لا يؤمن به، خصوصاً عندما يتولد اليأس من حالة الإحباط واختفاء الحقيقة بفعل فاعل... فقد رافقت صديقتي الفاضلة جنجاه بطلب منها لتحضر جلسة ما يسمى بتحضير الأرواح. ولهذه قصة... ففي لندن وبعد عام ونصف العام من حادث مصرع سعاد حسني نشرت إحدى الصحف الإنكليزية أن بعض أبناء الجالية العربية أقاموا جلسة لتحضير روح سعاد حسني! وأن الجلسة انتهت إلى أن سعاد لم تقل أكثر من كلمتين: أنا مقتولة!

أمام هذا الخبر، سألت عدداً كبيراً من كبار العلماء في الفقه الإسلامي عن هذه الظاهرة التي كانت منتشرة في الستينيات فأجمعوا على أن الروح لا تعود من البرزخ أبداً... فهي إن كانت في نعيم كيف تتركه وتعود إلى الأرض... وإن كانت في جحيم فلن تفلت من يد ملائكة العذاب.. والله سبحانه وتعالى وعد في كتابه الكريم بأننا إلى الدنيا لا نعود أبداً... وهنا سألت العلماء عن تفسيرهم للعمليات المبهرة التي تتم في هذه الجلسات كأن تحضر روح أحمد شوقي، كما يزعمون، ويكتب القلم داخل السلة قصيدة بإحساس أمير الشعراء نفسه... وأجابني العلماء بأن الذي يحضر هو جني وليس روحاً، فالقرين لا يموت مع الإنسان، والسحرة يستطيعون استحضار القرين الذي يعلم كل صغيرة وكبيرة عن الميت ليبهر الحاضرين الذين يظنون أن الروح هي التي حضرت!

طلبت جنجاه من باب الفضول أن نحضر إحدى هذه الجلسات. فعلاً تحضّر الشيخ عزت الذي طور ظاهرة تحضير الأرواح إلى ادعاء لاستدعاء مخلوقات من خلق الله وجنوده ليردوا على الأسئلة التي يطرحها عليهم من خلال وسيط... ويتم الرد بتحريك الوسيط يده إلى أعلى في حالة الإجابة بنعم. وإذا كانت الإجابة تتطلب أرقاماً تحركت أصابع الوسيط بشكل لاإرادي بينما يكون الوسيط مسلوب الإرادة وكالمنوم مغناطيسياً تماماً.

طلبنا من الشيخ عزت أن يكون الوسيط من طرفنا ووافق، وقامت إحدى الصحافيات واسمها نجوم إبراهيم بهذا الدور.. وعلى رغم ارتفاع يدها اليمنى دلالة على أن المخلوقات التي يستدعيها الشيخ قد حضرت، لم تأت أية إجابة بمجرد السؤال عن سعاد حسني!

رحم الله السندريلا...

... وكل حق خلفه مطالب لا يموت أبداً... والسيدة جنجاه ستبحث عن الجاني قاتل أختها حتى آخر نفس في حياتها.

back to top