«غرافيتي الانتفاضات» لهاني نعيم... رحلة في أحلام الشارع ومعاناته

نشر في 20-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 20-01-2013 | 00:01
صدر حديثاً عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» كتاب «غرافيتي الانتفاضات، رحلة إلى كواليس لغة الشارع»، للصحافي اللبناني هاني نعيم (هنيبعل). يتناول الكتاب الانتفاضات في البلاد العربية التي تراوحت بين العنف واللاعنف، من خلال الغرافيتي الذي برز كإحدى الأدوات الأساسية في مواجهة الطغاة والأنظمة.
كتاب «غرافيتي الانتفاضات» لهاني نعيم قراءة في التحولات التي عشناها ونعيشها، رحلة توثيقية- تحليلية إلى أعماق وجذور الغرافيتي الذي حمل معاناة، آلام، وأحلام الشارع، أثناء الانتفاضات والثورات.

وللخوض في تجارب الغرافيتي التي رافقت الانتفاضات، يبدأ الكتاب في مقدمته بفهم العلاقة بين الدكتاتور والفضاء العام، وتفكيكها، من خلال قراءة رمزية وضع صور الدكتاتور في الشوارع الكبرى والساحات العامة للمدن التي تعني أن البلاد خاضعة لحكمه، وكيف أن إزالة هذه الصور والتماثيل أثناء الانتفاضات تعني سقوط الدكتاتور وحكمه. بعد تفكيك هذه العلاقة الجدلية بين الطاغية وبين الفضاء العام، يأخذك الكاتب في رحلة إلى كواليس الغرافيتي السياسي، والعملية الطويلة التي يمر بها قبل وصوله إلى الجدران. وفي فصوله التالية، ينطلق برحلته التحليلية لتجارب الغرافيتي من شوارع تونس إلى أزقة اليمن، مروراً بليبيا، مصر، سورية، لبنان والبحرين. كذلك لا يغفل الكتاب تحليل استخدام الرموز البصرية القديمة، وابتكار الرموز الجديدة في معركة مقاومة السلطات البطريركية.

يرى الكاتب أن الدكتاتور، لإحكام السيطرة على الفضاء العام، يبدأ أولاً بإلغاء ملامح المكان ورسم ملامح أخرى له تشبه ملامحه إلى حد بعيد. فيحرص أن توضع صورته، التي يبدو فيها كأيقونة لا تقهر في جميع ساحات المدينة العامة والشوارع الكبرى، لتتاح لجميع قاطني المدينة مشاهدة «الأخ الأكبر»، الذي يراقبهم في النهار ويسهر عليهم في الليل، ليغدو المشهد مألوفاً للجميع مع مرور الزمن. كذلك لا يغيب عن بال الطاغية استخدام الجدران لأقواله وصوره، إذ تزدحم جدران المدينة بأعمال وجداريات تؤرخ أقواله الخالدة، أفكاره، رؤيته الحكيمة، وعبارات مؤيدة له. فيزيل ملامح الفضاء العام الذي عادة ما يتألف من أفكار، انفعالات سكان المدينة وخواطرهم. لتصبح المدينة فضاءً خاصاً به، ولكنه فضاء يخضع له الجميع. هو إعادة تشكيل المدينة، على قياس ملامح وجهه وتطلعاته السلطوية، بمعنى آخر هو تأبيد قبضته على السلطة. وغالباً لا ينسى الدكتاتور أن يعبد الطريق المؤدية من المطار وإليه بصور عملاقة، ليزرع ملامحه أيضاً في أذهان القادمين من الخارج، إن كانوا سياحاً أو دبلوماسيين وقادة دول، ليؤكد أنه الآمر الناهي في البلاد.

أنظمة مركزية

عندما يختفي الفضاء العام خلف «هيبة» الدكتاتور، يختفي صوت المدينة وصورتها، بحسب هاني نعيم. تصبح البلاد مختزلة بصورة الحاكم، لذلك يبدو طبيعياً أن يعتمد الطغاة الأنظمة المركزية في حكمهم، حيث تتركز السلطات في مدينة واحدة. كل شيء يختصر بمدينة واحدة، خاضعة للسيطرة التامة، أما باقي البلاد فتصبح مجرد أراض وبشر يعيشون على هامش الحياة العامة. من هنا، يمكننا أن نفهم لماذا كانت تسمى بلاد بطولها وعرضها، بـ{سورية الأسد»، ولماذا لائحة الدول المسماة على أسماء الطغاة طويلة، مثل «عراق صدام حسين»، «كوريا كيم جونغ إيل»، «إيران خميني»، أو «ألمانيا الهتلرية».

يتابع هاني نعيم أن معمر القذافي استطاع أن يقنع الجميع، من دون استثناء، وعلى مدى أربعة عقود أن ليبيا مجرد صحراء بلا شعب. ولوهلة، اعتقدنا أن القذافي وعائلته هم الليبيون الوحيدون على الكوكب، وأن الشعب الليبي غير موجود، وإن وجد فهو شعب صامت. ولكن الثورة أثبتت العكس. في ليبيا شعب، وربما شعوب، خرجت في ليلة مقمرة، وأعلنت للشعوب الأخرى أنها هنا، مقهورة ومقموعة تحت ضجيج سريالية دكتاتورهم الغريب الأطوار. ويشبه النموذج الليبي إلى حد كبير النموذج الكوري الشمالي، حيث يعتقد أغلبنا أن ملامح الإنسان الكوري الشمالي تشبه إلى حد بعيد ملامح كيم جونغ ايل، ولدينا اعتقاد أنه لا يضحك، لا يحب المزاح، والجدية لا تفارق مزاجه، وهو مجرد إنسان بارد يريد أن يرمي كوريا الجنوبية في البحر. قد لا تنطبق هذه الصفات على مواطن كوري شمالي، هي الصفات التي نعرفها عن دكتاتور كوريا الشمالية الذي استطاع أن يجعل ملامحه ملامح شعب بأكمله.

ويشير نعيم، أنه ولئن كان وضع تمثال للدكتاتور في الساحة العامة لأي مدينة يعني دخولها والبلاد عهداً جديداً من الاستبداد، فإن إزالة تمثال الدكتاتور تعني دخول المدينة (البلاد) في عهد جديد من التمرد ورفض هيمنة الدكتاتور. هذا ما جرى في البلاد التي تمردت على طغاتها، وقد يكون ربيع براغ أبرز نموذج، حيث أصبحت تماثيل طغاتها في المتاحف، وباحات الأبنية العامة الخلفية. وهذا ما جرى في عالم ما بين الأزرقين، ففي اللحظة التي أُزيلت فيها صورة ضخمة للدكتاتور المصري عن أحد الأبنية، أصبح وجوده في السلطة مسألة أيام معدودة. وفي اللحظة التي حطم فيها السوريون تمثال حافظ الأسد في درعا، دخلت سورية حقبة جديدة، والجميع كان يعرف ذلك.

«ملك الغابة راكب دبابة»: حملة غرافيتي عابرة للمدن

«ملك الغابة راكب دبابة»، عبارة كتبت بخط طفولي، إلى جانبها صورة بشار الأسد يبدو فيها شبيه هتلر، بشعره الذي يهبط على جبينه وشاربيه الشهيرين. صمم هذا العمل البصري ناشطان، أحدهما من بيروت والآخر من القاهرة، وانتشر بالتزامن في العاصمتين بيروت والقاهرة، جاء كرسالة إلى الانتفاضة السورية. وككرة الثلج توسع هذا الرسم، وما بدأ في بيروت والقاهرة، امتد ليشمل قطاع غزة في فلسطين، لتنضم غزة رمزياً إلى انتفاضة الشعب السوري في مواجهة الاستبداد.

«ملك الغابة» لم يتوقف هناك، فبعد أيام معدودة وصل إلى مكان غير متوقع، هو مدينة جدة في السعودية. ولم ينحصر «ملك الغابة» في العالم العربي، فقد وصل إلى مدينة برلين الألمانية، وعدد آخر من المدن. وهكذا عملت هذه الحملة على ترسيخ صورة بشار الأسد في مقابل هتلر، الفرق بينهما نصف قرن، وهي الفترة التي كانت فيها سورية تدمر بشكل منهجي.

هذه الحملة هي أوسع حملة غرافيتي خلال الانتفاضات، خصوصاً أنها انتشرت في خمس عواصم، وعادة من النادر لحملات الغرافيتي أن تكون عابرة للدول، مثلما عبرت هذه الحملة. وإن استطاعت أن تعبر بسهولة، فلأن درجات عنف النظام البعثي ضد المدنيين وصلت إلى مستويات خيالية، وأيضاً ما ساعد هذا العمل على الانتشار الواسع، هو التنسيق بين المجموعات الناشطة في بيروت، القاهرة، دمشق، وبين الناشطين في المدن الأخرى.

back to top