متلازمة داون... خطوة نحو علاج صبغي

نشر في 02-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 02-08-2013 | 00:01
No Image Caption
أوقف باحثون عمل الصبغي (الكروموسوم) المسؤول عن متلازمة داون، ما يمهد الطريق أمام علاجات مبتكرة في المستقبل، بحسب ما نشرت صحيفة The Guardian. صحّح العلماء الخلل الوراثي الذي يسبب متلازمة داون (وإن في خلايا معزولة)، ما يزيد احتمال التوصل إلى علاج جذري لهذا الاضطراب.
في سلسلة متقنة من التجارب، أخذ باحثون أميركيون خلايا من أناس يعانون متلازمة داون وأوقفوا عمل الصبغي الإضافي الذي يسبب هذه الحالة. صحيح أن التوصل إلى علاج يستند إلى هذا العمل ما زال أملاً بعيدًا، إلا أن العلماء في هذا المجال يعتبرون هذا الإنجاز الخطوة الكبرى الأولى نحو «علاج صبغي» لمتلازمة داون.

تذكر إليزابيث فيشر، بروفسورة متخصصة في علم الوراثة العصبي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس لم تشارك في هذه الدراسة: «لا شك في أن ذلك يشكّل تقدّماً تقنياً مذهلاً، لأنه يفتح أمامنا أبواب بحث كثيرة، ويُعتبر أول إنجاز نحققه في علاج متلازمة داون الوراثي».

يولد في بريطانيا كل سنة نحو 750 طفلاً يعانون متلازمة داون. أما على الصعيد العالمي، فيتراوح عدد الأطفال المصابين بهذه المتلازمة بين واحد في كل ألف وواحد في كل 1100 طفل، ويواجه معظمهم صعوبة في التعلّم. وعلى رغم التقدّم الذي شهدته الرعاية الطبية التي تتيح لكثيرين ممن يعانون هذه المتلازمة أن يعيشوا عمرًا أطول، يواجه هؤلاء مشاكل في القلب، الأمعاء، الدم، والغدة الدرقية.

صحيح أن العلاج الشافي ما زال بعيد المنال، لكن هذا العمل سيحفّز البحث عن علاجات تحسّن العوارض العامة لمتلازمة داون، مثل المشاكل المناعية والمعوية، سرطان الدم في الطفولة، والخرف المبكر.

تشير جان لورانس، التي ترأست فريق الأبحاث في جامعة ماساتشوستس: «سيسرّع هذا الاكتشاف فهمنا لمواضع الخلل الخلوي في متلازمة داون وما إذا كان من الممكن معالجتها ببعض أنواع الأدوية».

وتضيف لورانس: «يطرح هذا الاكتشاف احتمال (غير أكيد) التوصل على الأمد الطويل إلى علاج صبغي لمتلازمة داون. لكننا لن نحقق ذلك قبل عشر سنوات أو ربما أكثر. ولا أريد أن يعلّق الناس آمالاً كبيرة على ما حققناه».

في حالة الإنسان السليم المعافى، تحتوي كل خلية في الجسم على 23 زوجًا من الصبغيات تقريبًا التي تحمل الجينات الضرورية لحياة الإنسان. لكن خللاً ما خلال حياة الجنين الباكرة يؤدي إلى حصول الطفل على عدد أكبر من الصبغيات. فتنشأ متلازمة داون عندما تحمل الخلايا نسخة إضافية من الصبغي 21.

تغليف الصبغي

استخدم فريق لورانس «تحرير الجينوم» (genome editing)، تقنية تتيح قطع الحمض النووي ولصقه، بغية وضع جينة تدعى XIST في الصبغي الزائد في الخلايا المأخوذة من مرضى يعانون متلازمة داون.

عندما وُضعت هذه الجينة في مكانها، أدت إلى نشوء نسخة من جزيء يُدعى RNA، ما غلّف الصبغي الإضافي وأبطل عمله في النهاية.

تُظهر دراسات سابقة أن جينة XIST أساسية في نمو الإنسان الطبيعي. يُحدَّد جنس الإنسان من خلال تركيبة من الصبغَين X وY يرثها الإنسان: يحصل الرجل على XY والمرأة على XX. ترتبط جينة XIST بالصبغي X، إلا أنها لا تنشط إلا في حالة المرأة. وعندما تنشط، توقف عمل الصبغي X الثاني.

يكشف عمل لورانس أن هذه الجينة تستطيع وقف عمل صبغيات أخرى أيضًا، ما يمهد الطريق أمام معالجة عدد من اضطرابات تثلث الصبغيات، مثل متلازمة إدوارد (تعود إلى نسخة إضافية من الصبغي 18) ومتلازمة باتو (تعود إلى نسخة إضافية من الصبغي 13).

يصف الفريق في تقرير كتبه لمجلة Nature تحسّن نمو الخلايا التي صُحح فيها الصبغي 21 وتطورها السريع إلى خلايا دماغية في مراحلها الأولى. ويوضح الباحثون أن هذا العمل «تخطى العقبة الكبرى الأولى نحو احتمال ابتكار علاج صبغي».

يساعد هذا العمل العلماء في تحليل الطريقة التي يسبب بها الصبغي 21 الزائد مجموعة من المشاكل التي تصيب مرضى متلازمة داون في أعمار مختلفة. توضح فيشر: «عندما يبلغ مرضى متلازمة داون عقدهم السابع، يُصاب نحو 60% منهم بالخرف. وهنا يبرز السؤال: إذا تمكنا من تعطيل عمل الصبغي الزائد لدى البالغين، هل يؤخر ذلك إصابتهم بالخرف أو يحدّ منها؟». كذلك تهدف مقاربة أخرى إلى الحدّ من احتمال إصابتهم بسرطان الدم بتعطيل عمل الصبغي الإضافي في خلايا نقي العظم.

بدأ الفريق الأميركي العمل على وقف متلازمة داون في الفئران،  بتعطيل الصبغي 21 الإضافي لدى الجنين في مراحله الأولى. تذكر لورانس: «سيصحح ذلك الفأرة، لكنه لا يبدو عمليًّا في حالة البشر».

 العلاج الصبغي في حالة البشر مخفوف غالبًا بالمشاكل العملية والأخلاقية. فللحؤول دون الإصابة بمتلازمة داون، يجب تطبيق عملية تحرير الجينوم على جنين في الرحم. ومن الضروري تصحيح معظم خلايا الطفل المستقبلية، هذا إن لم نقل كلها. ويُعتبر ذلك مستحيلاً أو مرفوضًا اليوم.

back to top