الخليجيون و«النكبة» المصرية

نشر في 17-07-2013
آخر تحديث 17-07-2013 | 00:01
ها هي القروض والمنح الخليجية، تتدفق على الخزانة المصرية، دون محادثات مُضنية، وشروط مُجحفة، كالتي واجهتها مصر- بمرارة شديدة- مع صندوق النقد الدولي، فهل تحثُّ الدول الخليجية المانحة لمصر على ضرورة تنظيم النسل، ومحاربة الفساد، وإقرار نظام تعليم جديد؟
 د. شاكر النابلسي -1-

كانت- وما زالت- مصر في أزمة مالية كبيرة، ولعل فشلها السياسي في الفترة الأخيرة، يعود إلى أزمتها الاقتصادية التي حاولت حلها عن طريق قروض صندوق النقد الدولي التي لم تحصل عليها حتى الآن، فجاءت الدول الخليجية (قطر، والكويت، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة) وفتحت خزائنها لمصر، وأنقذتها من مجاعة محققة.

-2-

ستتكرر في المستقبل القريب الأزمة المالية المصرية، وبالتالي الأزمة السياسية اللاحقة لها، ما لم تقم مصر بالخطوات التالية:

1-إيجاد حل علمي سريع لمشكلة زيادة السكان زيادة سريعة غير عادية. فتُعد مصر أكثر الدول تعداداً في الشرق الأوسط، وتتباين كثافة السكان في مصر من مكان لآخر تبعاً للمناخ، ومدى مناسبة الظروف لممارسة الأنشطة الاقتصادية وبالذات الزراعة، من تربة، وتوافر مياه الري. لذا، ترتفع كثافة السكان في الأجزاء الوسطى والجنوبية من دلتا النيل بشكل كبير؛ بحكم طبيعة الموقع، وخصوبة التربة، وتوافر عوامل الزراعة الجيدة، وتعدد المراكز الحضرية. وينطبق ذلك على محافظات القليوبية، والمنوفية، والغربية، على وجه الخصوص. وتقل كثافة السكان بشكل ملحوظ، بالاتجاه صوب أطراف دلتا النيل شرقاً أو غرباً؛ لتغير خصائص التربة كما في محافظتي الشرقية والبحيرة، أو ناحية الشمال (محافظة كفر الشيخ)، نظراً لارتفاع نسبة الأملاح الذائبة في التربة. وفي هذا الشأن قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في هذا العام، إن الأرقام تشير إلى ارتفاع عدد المواليد بصورة كبيرة في مصر بعد عامين على الثورة في البلاد، في الوقت الذي اختفت فيه سياسة تنظيم الأسرة. وبيّنت الصحيفة أنه في الوقت الذي تحاول فيه البلاد النهوض من ضائقتها الاقتصادية وإيجاد حلول لمؤشرات مثل السياحة وغيرها، أهملت السلطات في البلاد أحد أهم هذه المؤشرات الذي يتمثل بالتعداد السكاني وعدد المواليد الذي يعتبر الأعلى منذ 20 عاماً، بحسب الصحيفة.

2- محاولة التخفيف من حدة الفساد المالي والاعتداء على المال العام. فالقضاء على الفساد كلية ونهائياً يكاد أن يكون مستحيلاً. فالفساد ملازم لمعظم الدول منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا. ولكن التخفيف منه هو الممكن، وهو الواقعي.

فتشير تقارير محلية ودولية وحكومية عدة إلى انتشار الفساد في عدة هيئات ومصالح حكومية في مصر، كما يظهر ترتيب مصر متأخراً على مؤشر محاربة الفساد، والذي تصدره "منظمة الشفافية الدولية" ومقرها ألمانيا... ففي 2009 جاء ترتيب مصر 115 على مستوى 180 دولة في العالم متراجعاً عن عام 2007 والذي كان 105 وعام 2006 والذي كان 70، كما تورط وزراء عدة في عمليات فساد كبيرة. وهناك منظمات دولية ودول تحذر من انتشار الفساد في مؤسسات الدولة المصرية، مثل تقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي يحذر الشركات ورجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في مصر من انتشار الفساد في الدولة المصرية.

باختصار، نحن أمام "عالم سفلي" جديد وضخم، تشكَّل بصورة أكثر عمقاً وشمولاً منذ بداية تطبيق سياسة "الانفتاح الاقتصادي" في مصر عام 1974، وإن أخذ طابعه المؤسسي Institutional منذ أن تولَّى الرئيس حسني مبارك مقاليد الحكم في البلاد نهاية عام 1981، حينما تحلَّقت جماعات رجال المال والأعمال حول مائدته الأسرية؛ لتخلق بذلك أسوأ شبكة سرية للفساد والإفساد؛ حيث اختلط المال الحرام بالسلطة وقراراتها، كما ظهر ذلك واضحاً من خلال المحاكم القضائية المدنية الأخيرة لرؤوس الفساد المالي في مصر.

3- إصلاح أنظمة التعليم، وإعادة النظر في المناهج الدراسية، لتخريج كفاءات يحتاجها فعلاً سوق العمل المصري والعربي، وتخفف من نسبة البطالة المرتفعة التي تهدد مصر، والعالم العربي، اقتصادياً، وسياسياً.

فهناك ثلاثة عوامل ضرورية، للتأكد من وجود نظام تعليم ممتاز ومستدام في مصر، هي:

- اجتذاب الأشخاص المناسبين إلى مجال التدريس.

- تمكين المدرسين من أن يصبحوا معلمين مؤثرين.

- التأكد من قدرة منظومة التعليم على توصيل أفضل مستوى ممكن من التدريس إلى كل طفل.

-3-

وتشير الأدلة إلى أن كفاءة المدرس- بالطبع- هي الدافع الأساسي وراء اختلاف مستويات الاستفادة بين طلاب المدارس. وعندما يستمر طالب المرحلة الابتدائية في الجلوس بين يدي ذات المدرس، صاحب الكفاءة المتدنية لعدة أعوام متتالية، تكون النتيجة، حدوث خسارة تعليمية لا يمكن تعويضها، كما قال تقرير ماكنزي التربوي لعام ٢٠٠٦/٢٠٠٧.

وحتى تجتذب مهنة التدريس الأشخاص المناسبين، يجب على الحكومة والجامعات أن تجعل دخول المهنة أمراً غير هين كما في اليابان. فيجب تصفية المتقدمين قبل قبولهم في مجال التدريس حتى يتم تحديد أصحاب المهارات المناسبة لهذه المهنة؛ لأن المدرس الفعّال والمؤثر لا بد أن يتمتع بمجموعة من الصفات التي يمكن التأكد منها قبل دخوله مجال التدريس، ومن هذه الصفات أن يتمتع بمستوى عال من الثقافة العامة، والقدرة على الفهم، والتعامل مع الحساب والأرقام. وأن يتمتع بمهارات في التواصل والتعامل مع الناس، ويكون مستعداً للتعلّم، ومتحفزاً للتدريس، فيجب على إجراءات الاختيار بين المتقدمين أن تفحص هذه المهارات والصفات، وأن تنتقي من يمتلكونها.

وفي حين أن البعض سيقول، إن هذا القدر من الحرص، يعتبر رفاهية لا يمكن لبلد مثل مصر أن تتحمل أعباءها، إلا أن استثمار الموارد في هذه المسألة، له أهمية قصوى في جهود تحسين النظام التعليمي تحسيناً مستداماً. ويجب على وزارة التربية والتعليم، أن تعطي اهتماماً بالغاً للمستوى الأكاديمي، عند المتقدمين لمهنة التدريس.

أما العامل الآخر المهم للحصول على أشخاص مناسبين في مجال التدريس فهو توفير راتب ابتدائي جذاب.

حيث تقول دراسة ماكنزي:

"الأنظمة التي تنهض بالحمل الأكبر من تكلفة الرواتب، في بداية التعيين، تنجح لسببين:

الأول، أن الراتب الأول، أكثر أهمية، في قرار دخول مجال التدريس من زيادة الراتب فيما بعد.

والثاني، أنه لا توجد علاقة إحصائية قوية، بين بقاء المدرسين في التدريس وزيادة رواتبهم".

-4-

وبعد، ها هي القروض والمنح الخليجية، تتدفق على الخزانة المصرية، دون محادثات مُضنية، وشروط مُجحفة، كالتي واجهتها مصر- بمرارة شديدة- مع صندوق النقد الدولي.

فهل تحثُّ الدول الخليجية المانحة لمصر على ضرورة تنظيم النسل، ومحاربة الفساد، وإقرار نظام تعليم جديد؟

وذلك، أضعف الإيمان، مقابل هذه المليارات الخليجية الكثيرة!

* كاتب أردني

 

back to top