داء التليف الكيسي... علاجات متقدمة تحاربه
التليف الكيسي (cystic fibrosis) مرض وراثي يؤدي إلى خلل في الغدد التي تنتج العرق والمخاط. ويُعتبر هذا المرض مزمنًا، تقدّميًّا، ومميتًا عادةً. ولكن مع تحسن العلاجات، بات مرضى التليف الكيسي يعيشون إلى منتصف عقدهم الرابع أو أواخره.
يؤثر التليف الكيسي في أنظمة عدة في جسم الأولاد والبالغين، بما فيها:
I- الجهاز التنفسي.II- الجهاز الهضمي.III- الجهاز التناسلي.يصيب المرض نحو 30 ألف شخص في الولايات المتحدة، ويُشخّص نحو ألف طفل بالإصابة به كل سنة. يصيب عادةً الذي يتحدّرون من أصول أوروبية شمالية، مع أنه يصيب أيضًا مَن يتحدرون من أصول أفريقية أو آسيوية أو ينتمون إلى سكان أميركا الأصليين.يُقدّر العلماء أن واحدًا تقريبًا من كل 31 شخصًا في الولايات المتحدة يحمل جينة التليف الكيسي. لكن هؤلاء لا يصابون بهذا المرض، ولا يعرفون حتى أنهم يحملونه.كيف يؤثر في الجهاز التنفسي؟يكمن أساس مشاكل التليف الكيسي في جينة غير طبيعية. يؤدي الخلل في هذه الجينة إلى نظام نقل إلكتروليتي غير طبيعي داخل خلايا الجسم. يجعل نظام النقل المختل هذا الخلايا في الجهاز التنفسي، وخصوصًا في الرئتين، تمتص الكثير من الصوديوم والماء. نتيجة لذلك، تصبح الإفرازات الطبيعية القليلة الكثافة في الرئتين تزداد كثافة ويصعب التخلص منها.لذلك تعرّض هذه الإفرازات الكثيفة الولد الذي يعاني التليف الكيسي لخطر الإصابة دومًا بأخماج.يؤدي خطر الإصابة بأخماج في الجهاز التنفسي إلى ضرر في الرئتين، خلل في وظائفهما، وموت الخلايا فيهما.نظرًا إلى ارتفاع معدل الأخماج في الجهاز التنفسي السفلي، قد يصاب مرضى التليف الكيسي بسعال مستمر أو دم في البلغم. كذلك قد يعانون أحيانًا انخماص الرئة (انهيار الحويصلات الهوائية في الرئة ما يؤدي إلى نقص أو غياب عملية تبادل الغازات) ، ويشتد السعال عادةً في الصباح أو بعد القيام بنشاط ما.يعاني مرضى التليف الكيسي أيضًا lk اضطرابات في الجهاز التنفسي العلوي، فيُصاب بعضهم بلحمية في الأنف تتطلب جراحة لاستئصالها. واللحمية نتوء صغير في أنسجة بطانة الأنف يدخل التجويف الأنفي. كذلك يواجه الأولاد ارتفاع احتمال الإصابة بأخماج في الجيوب الأنفية.كيف يؤثر في الجهاز الهضمي؟البنكرياس أحد الأعضاء الأكثر تأثرًا بالتليف الكيسي، فهو يفرز مواد تسهّل عملية الهضم، ويساهم في ضبط معدلات السكّر في الدم.نتيجة الخلل في نظام النقل الإلكتروليتي في الخلايا، تزداد إفرازات البنكرياس كثافة، وتؤدي إلى انسداد قنوات البنكرياس، فيؤدي هذا الانسداد إلى تراجع إنتاج إنزيمات البنكرياس التي تساهم عادةً في هضم الطعام. لذلك يعاني مريض التليف الكيسي صعوبة في امتصاص البروتينات، الدهون، والفيتامينات A، D، E، وK.قد تتفاقم مشكلة البنكرياس كثيرًا، حتى إن بعض الخلايا فيه تتلف، فيؤدي ذلك إلى عدم تحمل الغلوكوز وإلى الداء السكري الذي يحتاج إلى علاج بالأنسولين.يطوّر نحو 35% من مرضى التليف الكيسي هذا النوع من السكري في عشرينياتهم، في حين يُصاب به 43% منهم بعد عمر الثلاثين.تشمل العوارض التي قد يُصاب بها المريض نتيجة المشاكل في الجهاز الهضمي: براز متكتل لزج، تدلي المستقيم (حالة يخرج فيها طرف الأمعاء من الشرج)، تأخر سن البلوغ، دهن في البراز، آلام في المعدة، وإسهال فيه دم.قد يتأثر الكبد أيضًا، لكن عدد المرضى الذين يُصابون بمشاكل في الكبد محدود. وقد تشمل عوارض مرض الكبد: تضخم الكبد، انتفاخ البطن، لون بشرة ضارب إلى الصفرة، وقيء فيه دم.كيف يؤثر في الجهاز التناسلي؟يعاني معظم الرجال المصابين بهذا المرض انسدادًا في قناة السائل المنوي يُعرف بغياب الأسهر ثنائي الجانب الخلقي (congenital bilateral absence of the vas deferens). ويعود ذلك إلى خلل نظام النقل الإلكتروليتي في الخلايا، ما يسبب ازدياد كثافة الإفرازات وانسداد القناة والعقم. على نحو مماثل، تعاني المرأة زيادة في كثافة مخاط عنق الرحم، ما يؤدي إلى تدني الخصوبة، مع أن نساء كثيرات يعانين هذا المرض ينجبن أولادًا.عوارضهتشمل العوارض:• خللاً في الغدد التي تفرز العرق والمخاط. يؤدي ذلك إلى خسارة الملح التي تسبب بدورها خللاً في توازن الأملاح المعدنية في الدم، اضطراب في نظم القلب، واحتمال الإصابة بسكتة دماغية.• مخاطًا كثيفًا يتراكم في الرئتين والأمعاء. قد يؤدي ذلك إلى سوء تغذية، نمو بطيء، أخماج متكررة في الجهاز التنفسي، صعوبة في التنفس، و/أو مرض رئوي. • مشاكل طبية أخرى، مثل: التهاب الجيوب الأنفية، لحمية الأنف، تعجر (clubbing) أصابع اليدين والساقين، استرواح الصدر (وجود هواء أو غازات في التجويف الصدري، ما يؤدي إلى انخماص الرئة)، بصق الدم أثناء السعال، مرض القلب الرئوي (تضخم الجانب الأيمن من القلب)، ألم في البطن، غازات في الأمعاء، تدلي المستقيم، مرض الكبد، الداء السكري، التهاب البنكرياس، حصى المرارة...تختلف عوارض التليف الكيسي باختلاف المرضى. وتظهر العوارض غالبًا على الأطفال المصابين بالتليف الكيسي في سن الثانية. ولكن في بعض الحالات تبقى العوارض خفية حتى مرحلة لاحقة من الحياة.قد تشبه عوارض التليف الكيسي ما تسببه حالات ومشاكل صحية أخرى، لذلك قد يكون من الأفضل استشارة طبيب متخصص للتأكد من صحة التشخيص.كيف يُشخَّص التليف الكيسي؟يُشخص معظم حالات التليف الكيسي عادةً عند فحص المولود الجديد. وبالإضافة إلى التاريخ الطبي الكامل والفحوصات الطبية، تشمل إجراءات تشخيص التليف الكيسي اختبار تعرّق لقياس كمية كلوريد الصوديوم (الملح) المتوافر في العرق. وتشير كميات الصوديوم والكلوريد الأعلى من المعتاد إلى الإصابة بالتليف الكيسي.ومن إجراءات التشخيص الأخرى اختبارات مواد كيماوية، تصوير الصدر بالأشعة السينية، اختبارات وظائف الرئتين، زراعة البلغم، وفحص البراز.ما من دواء شافٍيحتاج الشفاء إلى علاج جيني في سن باكرة، إلا أن هذا لم يُطوّر بعد، مع أن الأبحاث في هذا المجال كثيرة. فقد حدّد العلماء الجينة التي تسبب التليف الكيسي، ويأملون أن يؤدي ذلك إلى توسيع فهمهم لهذا المرض. كذلك تكثر الأبحاث حول خطط علاج مختلفة قد تساهم في وقف تقدّم التليف الكيسي. ويهدف العلاج في هذه المرحلة إلى التخفيف من حدة العوارض وتأخير تقدّم المرض.يشمل العلاج:-1 إدارة المشاكل التي تسبب انسداد الرئتين، وتشمل هي بدورها:- العلاج الفيزيائي.- تمارين للحد من كثافة المخاط، تحفيز السعال، وتحسين الحالة الصحية عمومًا.- أدوية لتقليل المخاط والمساعدة على التنفس.- مضادات حيوية لمعالجة الأخماج.- مضادات للالتهاب.-2 إدارة مشاكل الجهاز الهضمي، وتشمل هي بدورها:- نمط غذاء مناسبًا.- إنزيمات البنكرياس لتسهيل عملية الهضم.- مكملات غذائية.- علاج انسداد الأمعاء.ومن العلاجات الجديدة زراعة الرئة في حالة المرضى الذين باتوا في المراحل الأخيرة من مرض رئة مميت. يخضع هؤلاء المرضى عادة لزراعة قلب ورئة أو زراعة رئتين. ولكن لا يُعتبر كل المرضى مرشحين لجراحة مماثلة، لذلك قد يكون من الأفضل مناقشة هذه المسألة مع الطبيب.علم الوراثةالتليف الكيسي مرض وراثي، أي أن المريض يرثه من والديه. ولا يُصاب الشخص بالتليف الكيسي إلا إذا ورث جينتين خاصتين بتليف كيسي، واحدة من أمه وأخرى من أبيه. أما مَن يملك جينة واحدة، فيبقى معافى، إلا أنه يُعتبر حاملًا للمرض.يُدعى هذا النوع من الوراثة «الوراثة المتنحية» (autosomal recessive)، ما يعني أن الجينة هي أحد الأزواج الاثنين والعشرين الأولى من الصبغيات (الكروموزومات) التي تحدد الجنس. نتيجة لذلك يصيب هذا المرض الرجال والنساء على حد سواء.تكون ولادة طفل يعاني التليف الكيسي مفاجأة عادةً للعائلة، بما أن ثماني من كل عشر عائلات لا تملك أي تاريخ مع هذا المرض، فالكثير من حالات الوراثة المتنحية تظهر بهذه الطريقة، وبما أن كلا الوالدين سليمان، لا يعرفان مسبقًا أنهما يحملان هذه الجينة، ولا أنهما مرراها إلى المولود الجديد في الوقت عينه.يمكن إجراء فحص لجينة التليف الكيسي من خلال عينة دم صغيرة أو مسحة من داخل الخد (تُستخدم فرشاة تُفرك على الجانب الداخلي من الخد للحصول على خلايا بهدف فحصها). تجري المختبرات عادةً فحوصًا على أكثر الطفرات شيوعًا، ولكن كثيرون يعانون التليف الكيسي ولم تُحدّد طفرتهم بعد.ينصح الأطباء كل شخص يعاني أحد أفراد عائلته هذا المرض أو يعرف أن شريك حياته يحمل هذه الجينة أو مصاب بالتليف الكيسي بإجراء فحوص لهذه الجينة.