«الطائرات بلا طيار» تجلب منافع مزيفة وتطيل حروباً لا أمل فيها!

نشر في 16-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-01-2013 | 00:01
No Image Caption
تبني الصين 11 قاعدة لنشر طائرات «أنجيان» بلا طيار على طول ساحلها، ويدرب البنتاغون الآن مشغلي الطائرات بلا طيار أكثر من الطيارين، ما الذي سيحدث حين تتبع كل دولة تملك قوة جوية هذا المسار وحين تعج الحدود المشتعلة بهذا النوع من المعدات؟
 Simon Jenkins لا يتعلق أكبر تهديد على السلام العالمي بالأسلحة النووية وانتشارها المحتمل، بل يكمن الخطر الأكبر في الطائرات بلا طيار وانتشارها المؤكد. القنابل النووية هي أسلحة غير نافعة وهي مجرد أدوات ضغط في يد الأقوياء أو كل من يطمح إلى السلطة، لكن بدأت الطائرات بلا طيار تجتاح سوق الأسلحة العالمية الآن، فثمة 10 آلاف طائرة ناشطة تقريباً، علماً أن ألف واحدة منها مسلحة وأميركية في معظمها. تشير بعض التقارير إلى أنها قتلت حتى الآن مدنيين عزلاً أكثر من الذين سقطوا في اعتداءات 11 سبتمبر.

لم أقرأ حتى اليوم ولو دراسة مستقلة واحدة تعتبر أن الطائرات بلا طيار المستعملة راهناً في حروب أفغانستان وباكستان والقرن الإفريقي تحقق أي هدف استراتيجي. يكمن "نجاحها" حصراً في رفع حصيلة القتلى واغتيال "القادة المرتبطين بالقاعدة". لو كان ارتفاع حصيلة القتلى انتصاراً، لفاز الألمان في ستالينغراد والأميركيون في فيتنام.

كذلك، لم يسلط الكثيرون الضوء على البعد القانوني أو الأخلاقي للاعتداءات بالطائرات بلا طيار. استنتج تقرير شامل أصدره محامون من جامعتَي ستانفورد ونيويورك في السنة الماضية أن تلك الاعتداءات تكون في أغلب الحالات غير شرعية وتقتل المدنيين وتترافق مع نتائج عكسية على المستوى العسكري. من بين مجموع الضحايا، تشير التقديرات إلى سقوط 176 طفلاً. تترافق أعمال القتل هذه مع وحدة مشاة لديها إذن من المحكمة العسكرية. تحصل القوات الجوية على امتيازات مماثلة، ما يعني تبرير قتل المدنيين باعتبارهم ثمناً لا بد من دفعه لتجنب تهديد حياة الطيارين.

هذا الأسبوع، عيّن الرئيس أوباما مسؤولَين معروفين بتأييدهما لاستعمال الطائرات بلا طيار وهما وزير الدفاع الجديد، تشاك هيغل، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الجديد، جون برينان. أصبحت الحرب بالطائرات بلا طيار النزعة الرائجة اليوم ويعبّر القطاع العسكري والصناعي عن رغبته في استمرار هذه النزعة. إذا أبدى أوباما (هو محام في الأصل) أي تحفظات حول شرعية هذه الأسلحة سابقاً، فيبدو أنه تجاوزها بكل وضوح اليوم.  

بعيداً عن الجانب الأخلاقي والقانوني، يستحيل أن نحدد المساهمات التي تقدمها هذه الأسلحة لضمان الفوز بالحروب. يؤدي مقتل الضباط إلى ظهور آخرين متعطشين للانتقام. كانت طائرة "بريداتور" الأصلية تهدف إلى إجراء جولات استطلاعية، لكن سرعان ما تم تكييفها لشن عمليات قصف من أجل قتل أسامة بن لادن تحديداً، لكن حين تم رصد مكانه أخيراً، اعتُبرت الطائرة بلا طيار جهازاً غير دقيق؛ لذا كان لا بد من إرسال فريق عسكري تقليدي لتنفيذ المهمة.

في ما يخص قتل المدنيين الحتمي (بغض النظر عن عددهم)، لا تدخل هذه النتيجة في إطار "الأضرار الجانبية" بل إنها عامل حاسم لتحقيق النصر أو مواجهة الهزيمة، فلا تتطلب هذه الطريقة احتلال الأراضي بل إنها تكتفي بتدمير العقول والقلوب. لطالما كان القصف الجوي سلاحاً مثيراً للجدل خلال الحروب. هو لا يُلحق الهزيمة بالخصوم بل يضمن رداً انتقامياً منهم.

يوم الاثنين، عُرض فيلم وثائقي على قناة "بي بي سي" حول حصار مالطا وذُكر فيه القصف الألماني المدمر، وهو أعنف اعتداء خلال الحرب العالمية الثانية. صحيح أن تلك الطريقة دمرت البنى التحتية في الجزيرة ولكنها لم تردع المقاومة هناك. إن الاقتناع بفاعلية القصف والفشل في غزو مالطا كلّفا ألمانيا الحملة الإفريقية.

 لا يمكن أن يُعتبر سلاح الرعب الجوي الذي يفشل في ردع العدو وبصعوبة يفرض التحديات على الخصوم سلاحاً فاعلاً. تم الإعلان الآن أن ثلاثة أرباع الباكستانيين أصبحوا أعداء للولايات المتحدة.

لكن يبدو أن أوباما يجلس كل أسبوع ويراجع "لائحة قتل" المسلمين الذين ينوي التخلص منهم من دون التطرق إلى أي اعتبارات قضائية ومع الاكتفاء بالتحدث عن نشر جواسيس مشبوهين ميدانياً. لكن قيل على الأقل إن الطائرات البريطانية بلا طيار في هلمند تُستعمل حصراً لتقديم الدعم الجوي إلى القوات الميدانية.

منذ أن بدأت الحرب بالطائرات بلا طيار في أوائل عام 2008، لم يُسجَّل أي تراجع في قوة "طالبان" أو أداء "القاعدة"، بل يبدو أن المجندين في تلك الجماعات ينتظرون رحيل قوات حلف الأطلسي بكل بساطة. اعتبر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أن تلك الاعتداءات "غير مبررة بأي شكل". لقد سحبت الحكومة الباكستانية دعمها لتلك العمليات التي باتت تستهدف في معظمها الأراضي الباكستانية.

احتجّ الكاتب اليمني الشاب إبراهيم المثنى في صحيفة "نيويورك تايمز" على المجازر التي تسببها الطائرات بلا طيار لأنها تدمر السياسة في بلده، ما يؤدي إلى محو "سنوات من التقدم وجهود بناء الثقة مع القبائل". يواجه اليمنيون الآن مشكلة انتشار المجندين في "القاعدة" وهم يلوحون بصور النساء والأطفال المقتولين بسبب العمليات بالطائرات بلا طيار. يُقال إن وجود "القاعدة في اليمن" تنامى بثلاثة أضعاف منذ عام 2009. أعلن جيمي كارتر يوماً أن "انتهاك الولايات المتحدة لحقوق الإنسان الدولية يحرّض الخصوم ويُبعد الأصدقاء".

يبدو أن حرب الطائرات بلا طيار غير مجدية لكن لا يمكن وقفها. بالنسبة إلى القادة الغربيين، تتعلق منافعها جزئياً بحداثتها وإمكانية التخفيف من وقع الهزيمة الوشيكة. يشبه الأمر عملية سفينة نيو جيرسي الأميركية التي قصفت جبال الشوف اللبنانية في عام 1984، وقد كان ذلك الاستعراض الدموي يهدف إلى التغطية على الانسحاب والتخاذل. الطائرة بلا طيار لا تساعد على تحقيق النصر ولكنها تسهّل الهزيمة التي تصبح متوقعة عند استعمال هذا النوع من الطائرات.

لا تطرح "طالبان" في وزيرستان أي تهديد على لندن أو واشنطن، ولا تستطيع "القاعدة" إضعاف الدولة إلا من خلال تفجير القنابل من وقت لآخر وتجيد الاستخبارات المحلية إحباط تلك العمليات. تعكس "خيارات الحرب" المطروحة اليوم جانباً سلبياً من الديمقراطية. يبدو أن القادة المنتخبين يحبذون تلك الخيارات ويتحدون بذلك جميع التحذيرات حول صعوبة إنهاء الحروب، ويبدو أنهم متأثرون بالمكاسب التي حصدتها مارغريت تاتشر من جزر الفوكلاند وكل ما يريدونه هو خوض حرب ناجحة.

لهذا السبب، تُعتبر منافع الطائرة بلا طيار مزيفة، ونظراً إلى ارتفاع الضغوط من قطاع تجارة الأسلحة، يُقال إن أوباما (وديفيد كاميرون) يعكسان رغبة في تجنب الحرب الميدانية مستقبلاً مع الاكتفاء بتنفيذ عمليات آمنة وسهلة ونظيفة و"مستهدَفة". لا أحد من جانبنا يجب أن يتأذى، ويمكن أن يقوم طرف آخر بالأعمال القذرة ميدانياً.

ما يضمن شرعية هذا النوع من القتال هو أن يعلن المعتدي الحرب على دولة أخرى، لكن "القاعدة" ليست دولة، ونتيجةً لذلك، لا تُعتبر هذه الاعتداءات على الأراضي الخارجية مجرد حروب اختيارية، بل إنها حروب ذاتية الصنع. كم سيمر من الوقت قبل أن تجد الولايات المتحدة نفسها "وسط حرب" مع إيران وسورية وقبل أن تبدأ بإرسال الطائرات بلا طيار؟ حين تفعل ذلك وتبدأ أعمال القتل، لا يحق لها أن تتذمر عندما يرد عليها الضحايا عبر الاستعانة بالانتحاريين.

ولن يقتصر الأمر على الانتحاريين، فالطائرات بلا طيار رخيصة ويمكن أن تنتشر بسهولة، إذ تستعملها 11 دولة منذ الآن وتبيعها الولايات المتحدة إلى اليابان لمساعدتها على مواجهة الصين. تبني الصين من جهتها 11 قاعدة لنشر طائرات "أنجيان" بلا طيار على طول ساحلها. ويدرب البنتاغون الآن مشغلي الطائرات بلا طيار أكثر من الطيارين، فما الذي سيحدث حين تتبع كل دولة تملك قوة جوية هذا المسار وحين تعج الحدود المشتعلة بهذا النوع من المعدات؟

أنا لا أخشى الانتشار النووي لأن هذه القنابل هي مجرد مقتنيات استعراضية وهي مروّعة لدرجة أن أكثر الأشخاص جنوناً لن يجرؤوا على استعمالها، لكن الطائرات بلا طيار مختلفة. حين حملت هذه الأجهزة اسم "الصواريخ الموجّهة"، كانت تخضع بنسبة معينة للقانون والبروتوكول الدولي مثل عمليات الاغتيال العالمية.

لكن يرفض أوباما تلك الأفكار كلها، فهو والولايات المتحدة يعلّمان العالم أن الطائرة بلا طيار هي سلاح حربي مبرر وقانوني وفاعل. وبغض النظر عن النتائج العكسية التي تولدها الطائرة بلا طيار على المستوى الاستراتيجي، هي تضفي نفحة أنيقة على الجبهة المحلية، لكن يصعب أن نتخيل وجود تهديد أكبر منها على السلام العالمي.

back to top