هموم الديمقراطية

نشر في 28-12-2012 | 00:02
آخر تحديث 28-12-2012 | 00:02
No Image Caption
مرة جديدة سيخذل رجال السياسة الناخبين

تواجه الأنظمة الديمقراطية التي تقود العالم أزمة ثقة. في عام 2013، ستتعاظم هذه الأزمة وتزيد، بحسب The Economist، لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والهند تغرق في مشاكل حكمٍ عميقة.
في الحقيقة، يمكن إرجاع هذا الأمر إلى الأزمة المالية التي عصفت بالعالم بين عامي 2007 و2008. بعد هذه الأزمة، لا تزال الأنظمة الديمقراطية الغربية غارقةً في الديون المتضخمة والعجز والنمو المتباطئ. ضف إلى ذلك أن الاعتقاد القائل بفاعلية الحرية الذي ساد في خلال السنوات العشرين التي تلت سقوط جدار برلين قد زال وتلاشى ليحل محله جدال مقلق حول الأنظمة السياسية التي تبدو عاجزةً عن مواجهة المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي يعيشها العالم.

في الواقع، ستبقى الأنظمة السياسية الأميركية تعاني الأزمات. ورغم ميل السياسيين الأميركيين إلى الإقرار إقرارًا سطحيًا بمبدأ تأييد الحزبين، فإن الواقع يشير إلى ارتفاع القساوة والإيديولوجيا في سياسات مجلس الشيوخ مما يزيد من حجم الصعوبات التي قد يواجهها السياسيون للتوصل إلى تسويات تتخطى حدود الحزب. في عام 2013، ستواجه أميركا المزيد من الصعوبات أكثر من أي وقتٍ مضى لوضع سياسات متماسكة تساعد على إنعاش النمو ومعالجة الدين الوطني المرتفع، ما سيؤدي بدوره إلى تكرار الأحداث المفزعة التي شهدتها البلاد ومن بينها إغلاق بعض الدوائر الحكومية وتخفيض الائتمان الناتج من حقبات المجازفة السياسية السابقة في واشنطن. علاوة على ذلك، قد تشهد الثقة العامة بقدرة السياسيين انخفاضًا شديدًا جديدًا في عام 2013.

من جهةٍ أخرى، لن تكون الأجواء في أوروبا أقل كآبةً، فالإجراءات التي يتخذها المصرف الأوروبي المركزي قد تساعد على تجنب انهيار العملة الموحدة، إلا أنها لن تمنع المشاكل التي لا تزال تهدد الأنظمة الاقتصادية الأكبر في أوروبا. فعلى سبيل المثال، ستعاني كلٌّ من فرنسا وبريطانيا وألمانيا تراجعٍاً في عام 2013، في حين ستكافح إيطاليا وإسبانيا عن طريق اعتماد برامج التقشف.

كذلك ستمتد الأزمة في أوروبا من الأنظمة الاقتصادية إلى الأنظمة السياسية. فالجهود المبذولة لدعم الاتحاد النقدي من خلال اتحاد سياسي أكبر عبر تخصيص ميزانية أوسع للاتحاد الأوروبي واعتماد نظام أدق للتحكم بالسياسات المالية الوطنية ستظهر مع تقييد رجال السياسة بالرأي العام الذي يبدو في عددٍ من الدول غير راضٍ عن عملية الدمج الأوروبي. إلا أن حدودًا كثيرة ستُفرض على فرص الناخبين في التعبير عن عدم رضاهم في صناديق الاقتراع في عام 2013.

درس عددٌ من السياسيين الغربيين الوضع في اليابان حيث تلى انفجار الفقاعة المالية عقدان من النمو البطيء ودين عام ضخم. خلال تلك الفترة، شهدت اليابان صعود مجموعةٍ من المرشحين الإصلاحيين، الذين فشلوا جميعًا في حلّ المشاكل التي تُثقل كاهل البلاد. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا النمط المحزن سيستمر في عام 2013. ويرى الإصلاحيون في تورو هاشيموتو، عمدة أوساكا، أملا جديدًا إلا أن حزب تجديد اليابان الذي أسسه هاشيموتو يبدو غير مقبلٍ على اعتماد خطواتٍ حاسمة لتحقيق التقدم الجذري.

في الهند التي تتفاخر أنها أكبر ديمقراطية، تسود أيضًا حالة من اليأس نتيجة فشل السياسات الوطنية. في عام 2012، تأخر نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% في بلدٍ يطمح إلى مضاعفة نموه. علاوة على ذلك، يزداد الغضب في الشارع الهندي جراء الفساد. إلا أن الهند ترمي في عام 2013 إلى تحقيق النجاح أكثر من غيرها من الأنظمة الديمقراطية التي تشهد أزماتٍ في تحسين وضعها من خلال دعم الإصلاحات الاقتصادية. في حال نجحت حكومة مانموهان سينجح في النهاية في تحسين الوضع من خلال تطبيق إصلاحات لطالما وُعِد الشعب ومُنيّ بها في قطاع مبيعات التجزئة وتخفيضات الإعانات المالية ، سيبتهج المستثمرون ويفرحون.

أما الشرق الأوسط الذي ترى فيه الديمقراطية العالمية الأمل الأكبر عقب ثورات الربيع العربي فسيقدّم في عام 2013 رسالةً مريبة، لا سيما وأن المشاكل الاقتصادية التي ترزح تحتها الدول العربية والعنف وصعود الحركات الإسلامية في مصر وليبيا وتونس كلّها عوامل ستجدد الفكرة القائلة بأن المنطقة ما زالت غير مستعدة بعد للديمقراطية.

في حقباتٍ سابقة، حين فقدت أنظمة العالم الديمقراطية الثقة كما حصل في الثلاثينيات أو في السبعينيات على نحوٍ أقل ضخامة، نجحت البدائل التسلطية في تحقيق سمعةٍ مرموقة. إلا أن الأمر لا يبدو سيان في عام 2013 لأن القوتين الأكثر تسلطًا في العالم تعانيان أيضًا من مشاكل متزايدة.

الأنظمة التسلطية

في روسيا، التي تُعتبر دولةً شبه ديمقراطية، يواجه الرئيس فلاديمير بوتين حركة احتجاجٍ شعبي في المدن الكبيرة التي ترفض أن تتلاشى. في غضون ذلك، تستلم قيادة جديدة دفة الحكم في الصين بعد سلسلةٍ من الصراعات على رئاسة الحزب الشيوعي عززت ضعف النظام السياسي الصيني وانعدام شفافيته وقلّة شرعيته.

باختصار، رغم أن الأنظمة الديمقراطية الأبرز في العالم ستعاني عاماً صعباً آخر مع حلول عام 2013، إلا أنها ستتفاخر باستقرارٍ داخلي وشرعيةٍ خارجية لا شكّ في أن النظامين التسلطيين في بكين وموسكو ستحسدها عليها.

back to top