دروس غذائية من الماضي

نشر في 02-09-2013 | 00:02
آخر تحديث 02-09-2013 | 00:02
قد تساعدك حمية تستند إلى مجموعة متنوعة من النباتات، وثمار البحر، واللحم الخالي من الدهن من ماشية تتغذى بالعشب الطبيعي في الاقتراب من الحمية الفضلى التي اعتاد أسلافنا تناولها.
يُعتبر استكشاف عادات الإنسان الغذائية خلال عملية التطور موضوعًا رائجًا اليوم. ومن الأدلة على ذلك النجاح الذي تلقاه حميات: «رجل الكهف» أو «العصر الحجري القديم» أو «المحارب» أو الحمية «الأصلية»، التي تنصحنا باتباع نمط غذاء شبيه بما اعتاده أسلافنا لنحافظ على صحتنا.

يعتقد أنصار نمط الغذاء هذا أن استهلاك أطعمة كتلك التي كانت متوافرة في العصر الحجري (يمتد من 2.5 مليون سنة مضت إلى 20 ألف سنة)، مثل اللحم، السمك، القشريات، البيض، الجوزيات، الخضر، الجذور، والفاكهة، يعني اتباع نمط غذاء ملائم وراثيًّا وبيولوجيًّا يساعدنا في تفادي خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المزمنة.

حميات قديمة

تناولت دراسات مدى فاعلية حمية «رجل الكهف» وقدرتها على منح الإنسان اليوم صحة جيدة. تشير إحدى المراجعات (مجلة American Journal of Clinical Nutrition، 2005) إلى أن الأطعمة الجديدة التي بدأ الإنسان يتناولها مع الحقبة الصناعية (بدأت في أواخر القرن التاسع عشر)، بما فيها الحبوب المعالجة والسكّريات، اللحوم الكثيرة الدهون، والمنتجات التي تحتوي كميات كبيرة من الصوديوم، أدت إلى تبدلات كثيرة بالغة الأهمية في النوعية الغذائية لأنماط أكلنا.

حلّت هذه الأطعمة «المعالجة» محل النباتات البرية والأغذية الحيوانية التي تبقى معالجتها محدودة، في غذائنا الأصلي، ما أدى إلى تراجع جودة نمط غذائنا. ومع اكتساب مصادر طعامنا طابعًا صناعيًّا، لم تعد محاصيلنا وأغذيتنا على القدر ذاته من الجودة والتنوع.

يعتقد بعض الخبراء أن إدخال هذه الأطعمة المعالجة خلال تلك الحقبة أثر سلبًا في صحة العالم الغربي وخيره العام وفاقمت أزمة السمنة.

مصممة بشكل سيئ

يذكر الدكتور جورج أرميلاغوس، بروفسور في جامعة إيموري متخصص في علم الإنسان: «صُممت أجسامنا خلال عملية التطور لتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة. فقد التهم أسلافنا في مجتمعات الصيد وجمع الثمار أطعمة كاملة كي لا يسأموا من الأطعمة ذاتها عادةً. أما اليوم، فيبدو نمط غذائنا أكثر تنوعًا. إلا أنه يتألف في الواقع من أطعمة غنية بمنتجات الذرة والسكر المعالج».

يعتقد أرميلاغوس أن أجسامنا لم تُصمَّم خلال عملية التطور لتهضم أطعمة سيئة النوعية التي نستهلكها اليوم بكميات كبيرة، مثل الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على كمية كبيرة من السكّر، الدقيق المعالج، والوجبات السريعة. نتيجة لذلك، نشهد اليوم أزمة عالمية بسبب تفشّي السمنة والداء السكري».

يحتوي غذاؤنا اليوم على كثير من السعرات الحرارية التي لا تتطلب طاقة كبيرة «لاصطيادها أو جمعها». فترى متجرًا أو مطعمًا صغيرًا في كل مكان تقصده: المكتبة أو محطة الوقود أو مكان العمل... وتقدّم هذه مأكولات غنية بالسعرات الحرارية، إنما تفتقر إلى مواد مغذية يحتاج إليها الإنسان.

كذلك تتوافر أدلّة على أن انتقال أسلافنا من تناول غذائهم الذي يعتمد على الصيد والجمع إلى استهلاك محاصيل مزروعة، مثل الحبوب، سبب لهم مشاكل، وفق مقال لأرميلاغوس نُشر في «المجلة الدولية للأبحاث البيئية والصحة العامة».

على سبيل المثال، تُرى الحالات الأولى من فقر الدم (بسبب نقص الحديد) في هياكل عظمية في مطلع العصر الحجري الحديث (بدأ نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد) مع تحول أنماط الغذاء نحو المأكولات المزروعة. علاوة على ذلك، يتبين خلال هذه الحقبة أن الهياكل العظمية أقصر ببضعة سنتمترات. وقد يكون ذلك ناجمًا عن تراجع نسبة المواد الغذائية في حمية أسلافنا.

دروس للإنسان المعاصر

إذًا، هل علينا أن نبدأ جميعنا بتناول حمية «مجتمعات الصيد وجمع الثمار»؟ صحيح أن الخبراء في مجال الصحة يشددون على تناول مأكولات طبيعية، ولكن ثمة تفاصيل كثيرة من الضروري أخذها في الاعتبار قبل اعتماد حمية «العصر الحجري».

يذكر ديفيد كاتز، طبيب وخبير في مجال الصحة والغذاء ومدير مؤسس لمركز يال-غريفن للأبحاث الوقائية: «يتناول كثيرون، ممن يستخدمون هذا النوع من أنماط الغذاء التطورية كمبرر لتفضيلاتهم الخاصة، أنواع اللحم التي تتوافر في بيئتنا، مثل الهوت دوغ والهامبرغر وغيرهما. ولكن علينا أن نتذكر أن لحم الحيوانات الذي تناوله أسلافنا قبل آلاف السنين كان خالياً من الدهون عمومًا، وأن الدهون المتوافرة لم تكن مشبعة مثل ما تحتويه اللحوم اليوم، حتى إنها كانت تزودهم ببعض أحماض أوميغا3 الدهنية. فما كانوا يأكلون ماشية تقتات بالحبوب وحيوانات مدجّنة تقبع كل يوم في مزرعة لا تقوم بأي عمل».

علوم تطيل العمر

صحيح أن من السهل النظر إلى ماضينا البعيد من منظار وردي، ولكن من الضروري ألا ننسى أن أسلافنا لم يكونوا يملكون المعارف التي توصلنا إليها في مجال الصحة اليوم. فقد أطالت العناية الطبية والأبحاث الغذائية الحديثة متوسط العمر المتوقع وحسنت نوعية الحياة.

يشير كاتز إلى أن متوسط العمر المتوقع خلال العصر الحجري كان نحو 20 سنة، وبالكاد امتد عمر البعض إلى 40 سنة. أما اليوم، فصار متوسط العمر المتوقع 78 سنة.

يوضح كاتز: «قد يبدو منطقيًّا التفكير في أن حمية أسلافنا يجب أن تكون ملائمة لنا. لكن بالنظر إلى متوسط العمر المتوقع اليوم، لا يمكننا اعتبار أن الحمية الملائمة لحياة مدتها عقدان إلى أربعة عقود تناسب حياة ستدوم على الأرجح ثمانية عقود».

أفضل الحميات

لنكن واقعيين. لا يمكننا في عالم اليوم تبني نمط حياة «الصيد وجمع الثمار» في كل ما نأكله. كذلك لا تدعم الأدلة العلمية تبني اليوم حمية «العصر الحجري». لكننا ندرك أننا نستطيع بطرق مختلفة أن نحدّ من تناولنا الأطعمة المعالجة.

على سبيل المثال، تدعم أبحاث كثيرة الفوائد الصحية لأنماط الغذاء المتبعة منذ قرون والتي تعتمد على عدد من النباتات، مثل الحميات المتوسطية والآسيوية. كذلك تُظهر الأبحاث الفوائد الصحية لاتباع نمط غذاء نباتي.

علاوة على ذلك، علينا أن نتعلم من أسلافنا ضرورة التحرك. فقد حرق أسلافنا الكثير من السعرات الحرارية خلال سعيهم إلى تأمين وجباتهم. ولا شك في أن هذه السعرات تفوق ما نستهلكه خلال تصفحنا الإنترنت، تنقلنا بالسيارة إلى المتجر، وتسخين الوجبة المجلدة في الميكروويف. وهذه نقطة أساسية علينا التفكير فيها مليًّا.

أفكار عن الغذاء التطوري

صحيح أن ما من أدلة كثيرة تدعم فوائد الانتقال إلى حمية «رجل الكهف»، ولكن ثمة دروس غذائية قيّمة يمكننا تعلمها من أسلافنا القدماء عن أنماط الغذاء الصحي:

• انقل الأطعمة المعدّة من النباتات (حبوب كاملة، خضر، فواكه، جوزيات، بذور، أعشاب، وتوابل) إلى وسط الطبق. صحيح أن أسلافنا لم يكونوا يستخدمون الأطباق على الأرجح، إلا أن أجسامهم استفادت من تناول كميات كبيرة من النباتات المختلفة.

• أضف أحماض أوميغا3 الدهنية إلى غذائك، من الأسماك وثمار البحر إلى المصادر النباتية. كان أسلافنا يكثرون من تناول ثمار البحر. لكن نظرًا إلى مخاوفنا البيئية اليوم من احتواء ثمار البحر على الزئبق، علينا ألا نتناول السمك وهذه الثمار أكثر من مرتين في الأسبوع. كذلك يُعتبر الجوز، بذور الكتان، وبذور الشيا من المصادر النباتية الغنية بالأوميغا3.

• عند اختيار اللحوم، انتقِ أصنافًا خالية من الدهن ومن مواشٍ تتغذى بالعشب إن أمكنك ذلك. فلحوم الحيوانات التي تقتات بالذرة وتُربى في المزارع تحتوي عادةً كمية أكبر من الدهون المشبعة ولا تتضمن كمية كافية من الدهون المتعددة غير المشبعة، بقدر تلك التي تتناول العشب (بما فيها أحماض الأوميغا3 الدهنية المفيدة للقلب).

• فضل المأكولات والحبوب الكاملة على المعالجة. إذا كانت الأطعمة التي تريد تناولها معالجة ومصنّعة، فاستبدلها بأصناف طبيعية.

• اختر دهونًا مغذية مستخرجة من النباتات. تُعتبر الزيوت النباتية، البذور، الجوزيات، والأفوكا خيارات ممتازة.

• قلّل من استهلاكك الدهون المشبعة. كان استهلاك الدهون المشبعة من المنتجات الحيوانية ومشتقات الحليب أدنى بكثير في الماضي مما هو عليه اليوم. لذلك اختر كميات معتدلة من اللحوم الخالية من الدهن، الدجاج المنزوع الجلد، ومشتقات الحليب القليلة الدسم أو الخالية منه.

• تحرّك أكثر. لم يكن أسلافنا يمضون يومهم في الجلوس أمام الكمبيوتر وقيادة السيارة إلى العمل ومنه والاسترخاء مساء أمام التلفزيون. ما رأيك بالسير إلى المتجر أو ركوب الدراجة إلى العمل؟ وبدل مشاهدة التلفزيون، إنهِ نهارك بنزهة.

back to top