رفيق علي أحمد: «نكدب لو قلنا ما منحبش» أكسبني أصدقاء في مصر

نشر في 02-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 02-08-2013 | 00:02
ممثل لبناني كبير ارتبط اسمه بالمسرح المونودرامي في لبنان حيث وقف وحيداً على خشبته يحاكي هاجس وطن ومواطن بعدما لفّ المسارح العربية والأجنبية. صحيح أنه غاب عن الدراما التلفزيونية المحلية لكنه اكتسب، بشخصيته الفذّة وتمرّده الفني، جمهورًا واسعًا حتى اصبح اسمه ملازمًا للفن العريق وأسلوبه المسرحي المونودرامي يدّرس في المعاهد الفنية.
الممثل رفيق علي أحمد يطل بطلاً في مسلسل «جذور» ومشاركًا في المسلسل الرمضاني «نكدب لو قلنا ما منحبش»، فماذا يقول عن الواقع الدرامي وكيف يقيّم تجربته المصرية؟ عن أعماله تحدث إلى «الجريدة».
هل تسنَّت لك متابعة الدراما الرمضانية هذا العام؟

انشغلت بتصوير مسلسلي «جذور» و{نكدب لو قلنا ما منحبش» في مصر لذلك لم أكوّن فكرة واضحة عن المسلسلات الرمضانية هذا العام.

ما رأيك بمحاكاة بعض هذه الاعمال للواقع العربي الراهن؟

في ظلّ ما يحصل في العالم العربي، إمّا تصوّر الدراما الواقع بطريقة مباشرة كأنها تنقل الأحداث فتكون شبيهة بنشرة أخبار، وإمّا تنقل حالات معينة من الواقع بمشاعر وأحاسيس ومعاناة، علمًا أنه لا يمكن للأدب أو للفن نقل الواقع كما هو كونه يبقى، بطبيعة الحال، أقسى مما نراه في الدراما. برأيي يجب الابتعاد عن الحدث مدة من الزمن قبل الكتابة عنه، لمعالجته بموضوعية وعقلانية ودرامية بعيدًا من الانفعالية.

كيف تقيّم مسلسلي «سنعود بعد قليل» و{ولادة من الخاصرة» اللذين نقلا الواقع السوري اليومي؟

الواقع السوري مؤلم ومستفزّ للمشاعر الإنسانية وهو قاسٍ على المستويين البشري والإنساني، ويشكّل جزءًا من معاناة العالم العربي عموماً. أما بالنسبة إلى هذين العملين، فلم أتابعهما بشكل مكثف، ولكن مما رأيته في مقتطفات من هنا وهناك، لا يمكن التحدث عن الواقع السوري أو أي واقع عربي آخر بطريقة موضوعية إلا اذا ابتعدنا عنه مدة من الزمن.

تنقلت بين المسرح المونودرامي والاستعراضي والدراما العربية، فما سبب الغياب عن الأعمال الدرامية اللبنانية؟

التمثيل متعتي وموهبتي التي تحوّلت تدريجًا إلى مهنة أعتاش منها، لذلك لست مستعدًا لخيانتها بتقديم أي عمل لا يقنعني على المستوى الفني. عندما كنت لا أشارك في الدراما المحلية اللبنانية، قدمت أعمالاً مسرحية واستأنست في صومعتي هذه لأنني لم أجد دورًا يستفزني فنيًا. أما مشاركتي في الدراما العربية، فتعود إلى توافر حدّ أدنى من الإنتاج فيها.

كيف تقارن بين الإنتاج اللبناني وغيره من الإنتاجات العربية؟

 يزخر لبنان بطاقات بشرية كبيرة في المستويات الفنية كافة، من الكتابة والإخراج مرورًا بالتقنيين والمصورين وصولاً إلى الممثلين إنما ينقصنا الإنتاج، لا يمكننا تنفيذ حلقة تلفزيونية درامية بمبلغ 15 ألف دولار، فيما يشكل هذا الرقم أجر ممثل عربي، كيف يمكن تطوير الدراما اللبنانية لتنافس العربية؟ برأيي الدراما فن وصناعة أو بالأحرى صناعة الفنّ، وما ينقصها هو التمويل واستفزاز الجيل الجديد ليكتب بدلا من أن تقتصر النصوص على بضعة كتاب يتعاونون مع الشركات الإنتاجية اللبنانية الثلاث ومع الفضائيتين، فتبقى الدراما اللبنانية، في هذه الحالة، بين جدران القنوات المحلية.

هل يجب كتابة دراما محلية ذات خصوصية مجتمعية أم التوجه نحو الشمولية؟

أرفض مبدأ الدراما المحلية الضيقة أي أن تكون لكل بلد عربي أعماله الخاصة، لأن الدراما إنسانية تصلح في أي زمان ومكان. لكنني أرى، من جهة أخرى، أن الغرق في مواضيع محلية وخصوصية مجتمعية يؤدي إلى العالمية والشمولية.

كيف يمكن للمواضيع المحلية أن تصبح شمولية وعالمية؟

هنا يكمن دور الابداع. تحدث الأدب الروسي مثلا وكتابات ماركيز وروايات نجيب محفوظ عن خصوصية مجتمع معين، لكن تحوّلت هذه الخصوصية إلى عالمية، لأن الأحاسيس الإنسانية من غضب وحب وجوع وفقر هي واحدة في أرجاء العالم، لذلك يتمحور دور المبدع في وضعها في بيئة معينة وأرض معينة وتصوير الواقع والحياة من خلال ربط الجغرافيا بالتاريخ وبالحالات الإنسانية البشرية فيبتكر ما يسمى بالدراما. إنما أحيانًا تُكتب قصة معينة من دون تصوير البيئة اللبنانية مثلا أو المعاناة أو اللهجة أو الشارع أو أي قضايا معينة ذات خصوصية محلية، فتأتي شبيهة بالمسلسلات المكسيكية التي تبنى على قصص الحب والغرام...

يؤخذ عليك انتقادك الدائم للدراما اللبنانية.

لا انتقد بل أعلن رفضي لهذا الواقع الدرامي اللبناني، فأتحدث عنه بهدف تحسين هذه الصناعة في وطني الذي أعيش فيه، لأن تحسنها يؤمن فرص عمل لكثيرين في المجالات الفنية كافة.

تحظى مسلسلات عربية بنسبة مرتفعة من المشاهدين اللبنانيين، فهل ثمة نسبة مشاهدين عرب للأعمال اللبنانية في المقابل؟

إذا طالبت شخصيًا بتحسين الدراما اللبنانية فلعدم جرأة الممثلين اللبنانيين الشباب على المطالبة، لأنهم بذلك يخسرون فرص العمل التي يوفرها لهم المنتجون الثلاثة في لبنان، فيما أنا مستغنٍ، على رغم أنني معنيّ أكثر بموضوع الدراما. لذلك أدعو إلى تحسينها وتفعيلها عبر إدخال مخرجين وكتّاب جدد إلى هذا القطاع فيتحول إلى صناعة. إنما يحتاج ذلك إلى رفع مستوى الإنتاج، والدليل أن المشاهد العربي لم يتابع من المسلسلات اللبنانية سوى «روبي» و{جذور» اللذين يتوافر فيهما منتج يدرك كيفية تنفيذ أعماله وتسويقها، ما يثبت أن البضاعة اللبنانية جيدة إنما تنقصها طريقة تقديمها إلى المجتمع العربي لتنافس البضائع الأخرى. لذلك أدعو المنتجين إلى الإفساح في المجال أمام الكتّاب الشباب والمخرجين الجدد ليعملوا، وأمام دخول منتجين جدد إلى القطاع فيؤمنوا مزيدًا من التمويل، عندها يستفزون بعضهم البعض فنيًا وتحصل منافسة إيجابية تمهّد لتصدير أعمال جيدة وإعطاء صورة حقيقية عن لبنان.

هل أنت راض عن ردود الفعل على مسلسل «جذور»؟

نعم. عندما عرض عليّ هذا المسلسل وُضعت في مستوى النص والإنتاج، ووجدت فيهما عناصر مكتملة إلى حد ما، فضلاً عن إعجابي بظروف العمل وانجذابي إلى الموضوع، فقبلت المشاركة فيه. أرى أنه يحظى بردة فعل إيجابية محليًا وعربيًا.

برأيك ما العناصر التي أدت إلى انتشاره عربيًا؟

ألبسنا المسلسل اللبناني حلّة جديدة، أي صرف على إنتاجه بسخاء على صعد أماكن التصوير وأجهزة التصوير والتقنيات، فانعكس ذلك إيجابًا على نتيجة العمل، وعلى نفسية الممثلين اللبنانيين الذين عملوا بطريقة مختلفة وعفوية، لأن الإنتاج اللازم تأمن لتقديمهم بطريقة فنية متقنة فضلا عن جمال الموضوع.

دورك في «نكدب لو قلنا ما منحبش» متواضع مقارنة بـ{جذور»، فما سبب مشاركتك فيه؟

عندما يقرأ الممثل النص يكتشف من خلاله كيف يمكن تركيب الشخصية ليحبها وتتفاعل مع الشخصيات الأخرى وتعيش الصراعات معها. وقد اكتشفت في هذا الدور أن العناصر المتوافرة فيه تستفزني فنيًا، خصوصًا لجهة التمثيل إلى جانب يسرا ومصطفى فهمي اللذين يتميزان بخبرة كبيرة ومسيرة فنية طويلة. فضلاً عن النص الجميل وتوافر شخصيات متمايزة ومختلفة عمّا هو سائد في الأعمال العربية، لأنه لا يحاكي الواقع العربي الراهن بل يتناول العلاقات الإنسانية وحياة امرأة تضحي وتهتم بعائلتها ومجتمعها لكنها تهمل نفسها.

صّرحت يسرا بأن مشاركتك وورد الخال إضافة إلى العمل، فما رأيك بهذا الخليط اللبناني المصري؟

لطالما رفضت منطق التقوقع ووجود حدود جغرافية سياسية مصطنعة، في حين أن الوجدان الإنساني واحد، فإذا كانت الأحاسيس الإنسانية عامة على مساحة الكرة الأرضية كلها، فكيف بالحري في المجتمع الواحد وبين الجيران الذين يحكون اللغة نفسها ويواجهون المصير نفسه؟ لذا طالب جيلنا والجيل السابق بأن تسقط هذه الحواجز ليتواصل الناس ثقافيًا وفنيًا، باعتبار أن الأدب والثقافة والفنون كلها عوامل جامعة لوجدان الناس وأحاسيسهم وتحكي واقعهم، لكن السياسات المتبعة في الدول العربية حالت دون ذلك سابقًا، إلى أن جاءت الفضائيات لتؤدي دورين متناقضين: دور يغيّب الناس عن ثقافتهم وحضارتهم ودينهم من خلال دعاة يحكون لهجة الماضي بدلا من مواكبة العصر، ويجيّشون النفوس بطريقة بعيدة عن منطق الدين الداعي إلى الانفتاح والمحبة والتسامح والابتسامة الدائمة الحقيقية، ودور آخر يدعو الى التكاتف والتضامن فلا تعود للهجات قيمة في العالم العربي، وهذا أمر إيجابي يحفّز التقارب بين وجدان الناس وقضاياهم.

كيف تصف المشاركة إلى جانب يسرا ومصطفى فهمي؟

في البداية، أرى أن الفنان الكبير المتميز والعبقري يبقى ناقصًا ما لم يكن مرتكزًا إلى أحاسيس وثوابت إنسانية ومشاعر. أما في ما يتعلق بالعمل مع يسرا والطاقم المصري الذي يتمتع بخبرة واسعة ومهنية كبيرة في الصناعة الدرامية، فنحن لم نشعر كلبنانيين مشاركين في العمل بأننا غرباء أو أننا في مجتمع آخر أو في بيئة مختلفة، لأن المصريين طيبون ويرحبون بالضيف ويستقبلونه بحب ومودة، لذلك نعتبر أننا كُرّمنا عندما دعتنا يسرا الى منزلها لنفطر مع عائلتها.

ما الذي اكتسبته من خلال هذه التجربة؟

خبرنا في المسلسل علاقات إنسانية وكسبنا أصدقاء وهذا الأهم لأنه يدوم أكثر من أي أمر آخر.

هل قدمت لك الدراما العربية ما لم تقدمه الدراما اللبنانية؟

أنا رفيق علي أحمد في بلدي، وعندما نادتني الدراما العربية فعلت ذلك نتيجة أعمالي في وطني التي، وإن اقتصرت على المسرح، إلا أنني قدمت على خشبته الدراما وكسبت جمهورًا كبيرًا، لذلك لا أريد أن أظلم الدراما المحلية بالقول إنها لم تقدم لي ما قدمته الدراما العربية، وإنما هذه الأخيرة منحتني متعة المشاركة في أعمال محترفة. من جهة أخرى، نفّذ مسلسل «جذور» باتقان فني وبنوايا حسنة وقدّم لي ما قدمه «نكدب لو قلنا ما منحبش»، لذلك ما يميّز عملاً عن آخر هو الاتقان قبل السرعة في التسليم.

هل يمكن القول إن الممثل اللبناني حقق نقلة نوعية على صعيد الانتشار العربي؟

ليست نقلة نوعية لكنه حقق نقلة عربية. منذ عشر سنوات عمل ممثلون لبنانيون على مستوى أفراد في الدراما السورية. أما مصريًا، فازداد انفتاح الدراما فيها، وأصبحت تستقبل نسبة أكبر من الممثلين التونسيين والأردنيين والسوريين واللبنانيين، فضلاً عن الفضائيات التي ساهمت في تحقيق هذا الخليط بين الممثلين العرب.

هل زوال السياسات التي رسمت سابقًا حدود الدول العربية، عزز أكثر هذا الخليط؟

لا يحصل أي أمر خارج إطار السياسة حتى الفضائيات بإيجابياتها وسلبياتها تقف وراءها غايات غير معروفة.

ما توصيفك للواقع المسرحي اللبناني؟

أقدّر الشباب الذين يعملون في المسرح، سواء في لبنان أو في غيره من البلدان العربية، حيث الظروف القاهرة، فالثقافة في الوطن العربي في حالة ارتجاج نتيجة الواقع السياسي والاجتماعي، إمّا تتناول موضوعًا خارجًا عن الواقع وتقدم مسرحية ترفيهية أو تقدم عملا فنًيا يحاكي الحياة، فتكون مسرحية سياسية أكثر من فنية.

ما رأيك بنقل مهرجانات بعلبك إلى منطقة أخرى؟

جاء القرار نتيجة الواقع السياسي الذي نمر فيه، وهذا طبيعي بسبب الظروف الأمنية المحيطة بالموقع، خصوصًا لجهة الواقع السوري - اللبناني. أرى أن هذا الانتقال جيّد لأنه أبقى على المهرجانات بدلاً من الغائها.

هل حصل أمر مشابه سابقًا؟

كانت فرقة «الحكواتي» التي ضمتني إلى جانب طلاب وأساتذة من المناطق المختلفة والطوائف اللبنانية، تتنقل من قرية إلى أخرى لعرض مسرحية تتوجه إلى الناس وتدعوهم إلى التواصل والتقارب، خصوصًا أن ما يجمعنا هو الإيمان بالإنسان، مع أننا كنا مختلفين من ناحية الأفكار السياسية، لكنها حملت همّا إنسانيًا لا سياسة تقسيمية كما هو حاصل اليوم على مستوى الدين، وهذا أمر معيب.

ما مشاريعك المقبلة؟

ثمة فكرة لتقديم مسرحية مونودرامية والعودة الى صومعتي بعد عامٍ من العمل التلفزيوني. أما على الصعيد الدرامي فالعروض تأتي إليّ ولا أسعى إليها.

back to top