«للحقيقة وجه آخر»... وظلال من الشك

نشر في 10-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 10-07-2013 | 00:01
No Image Caption
{للحقيقة... وجه آخر}، مجموعة قصصية جديدة صدرت للقاص الكويتي ماجد القطامي عن {دار الفارابي} و{دار الفراشة للنشر والتوزيع}، وهي الثانية بعد مجموعته الأولى {ما وراء الظلام} الصادرة عن دار قرطاس (2003).
القلق... عنوان تحفل به نصوص القطامي في مجموعته القصصية؛ قلق الكاتب، الشخصيات، الأحداث، القارئ... لذا جعل من هذا القلق أيقونة ديناميكية ساخنة، تطرح الأسئلة منذ البدايات، وتنتهي بالبحث {الشره} عن الحقيقة في كل شيء.

يتوغل القطامي في أربع قصص قصيرة في أعماق النفس البشرية، من خلال أحداث متشعبة، تضع الشخصيات {الخائفة} أمام تجارب التعامل مع المجهول، سعياً منه إلى إخراج حقيقتها والكشف عن أسرارها وطبيعتها الأولى، يقول القطامي:

{الحياة... أشبه بغابة كثيفة متشابكة الأغصان، مكان سماته المادة والظلال، الأشياء والأفكار، الوضوح والغموض، هو ما بين النور والظلام، الحلم والواقع، الأنس والوحشة، هو ما بين قمة فهم الإنسان وإدراكه، وحفرة مخاوفه وظنونه، المسار فيها أشبه بطريق متعرّج طويل، يخترقها الإنسان في رحلة مضنية متسلحاً بأحلام اليقظة، والذكريات الحميمة وهواجس النفس ووخزات الضمير، والنوايا الحسنة».

 

أسباب ودوافع

قد يكون ما كتبه القطامي على غلاف مجموعته يلخص أسبابه ودوافعه وانفعالاته التي أدت إلى كتابة المجموعة، ويطرح تساؤلات في غاية العمق عن ماهية الحياة، الأحلام، الوضوح والغموض الذي يكتنفها ويغطيها بستار الذكريات والهواجس والآمال، هل يستطيع كل ذلك أن يضع النفس البشرية على المحك بين الواقع والحقيقة؟ يجيب القطامي بكثير من التأكيد: {سيكتشف الإنسان  أن الواقع الذي يعيشه مجرد حلم ... والحقيقة فيه لها وجه آخر}.

ومن خلال قصصه الأربع، يضع القطامي قراءه أمام نهايات مفتوحة، يحدوها أمل عند البعض  بانفراج أزمات الشخصيات، ويأس يسيطر على البعض الآخر أمام واقع مرير استطاع القطامي أن يفاجئ به القارئ في مجمل الحكايات.

الإيمان

يفتتح القطامي قصته الأولى {تحت المطر} بكلمات:

للإيمان عدة فوائد...

من بينها...

أنه يجعلنا عاجزين عن الاستجابة والاستسلام

للغواية... حين نرغب بها!...

يحكي القطامي أحداث قصته الأولى بكثير من السرد الشعري، جمل قصيرة، أحاسيس متسارعة، مشاهد صغيرة تملؤها التفاصيل، ونهاية غير متوقعة، وكعادته يطرح الكاتب من خلال الشخصيات أسئلة مثيرة للجدل منها ما سأله بطل قصته لأحد المتشردين:» ليس لك بيت!... كيف ذلك؟!!!»  رد الآخر: «ومن قال لك إنه يوجد بيت لكل رجل في هذا الوطن؟!!».

تواطؤ على الذكريات

يقول القطامي في قصته {وجه في الزحام»:

«عندما نحيا في دنيا الماضي... ننصت بإمعان من يفتقد وجوده الثمين، إلى أصواته الواهنة... الخجولة وهي تكافح لتطفو على السطح وسط زحام الحياة وضجيجها... ومن خلالها تعبر الذهن أمنية هائمة... تسبح بيأس في بحر شديد القسوة... نتشبث بها تشبث الغريق بطوق النجاة... لنكتشف في النهاية... أنها لم تكن سوى خيط واه... من بقايا أمل مات منذ زمن بعيد... ودفن سراً}.

في القصة، يرنو الكاتب إلى حقيقة أخرى، تقبع خلف الماضي بكل ذكرياته وأحلامه التي لطالما شكلت سداً منيعاً أمام الواقع، واستطاع أن يخلق بين شخصيات القصة التي تواطأت على فكرة الموت علاقة تجمعها مع الذكريات التي نكتشف في النهاية أنها {خيط واه من بقايا أمل مات منذ زمن بعيد، ودفن سراً}.

تقول إحدى الشخصيات التي أدركت حيلة الذكريات: «حينما ندفن أنفسنا في الماضي الجميل، ننسى أنه مضى ولن يعود، نتجاهل الحياة أمامنا، ولا نسير مع تيارها، فنجد أنفسنا وحيدين...»

الشك

في {ريبة قاتلة}، يكرّس الكاتب عنصر {الشك} في وجهين: الحقيقة ووجهها الآخر، يقول:

«حين ينعدم وجود ما يطفئ نيران فضولنا إذا اشتعل... عندها يغدو الشك أقصر طرقنا للنجاة!...}.

ملل... صاخب

{نوبة} أطول قصص القطامي في مجموعته، وآخرها، فرد من خلالها براعته في حبك الحكاية باستخدامه عناصر مختلفة، من دون استغنائه عن عناصر رافقته في المجموعة كالمفاجأة، والقلق، وزرع مساحة تفكير وإحساس مشترك بين شخصيات النص والقارئ.

هذه المرة رمى الكاتب أسئلة في جوف قرائه عن ماهية العمل وفلسفته في نفس المرء، عبر استدراجه لأقل وأكثر ما يمكن حدوثه في النهاية، يقول:

«للعمل قدسيته، فلسفته وضرورته في نفس المرء، لكن ليلة عابرة طويلة، في مكان يخفي من الأسرار ما يناقض صورته الظاهرة، لكفيلة بجعله يتحول إلى باب صغير متوار عن الأنظار، يفضي إلى حيز مظلم ينعدم فيه الوضوح والمنطق، ويسود فيه الخوف، والوحدة، والمعاناة و... المجهول... عندها يبدأ الكابوس... حتى إذا جاءت النهاية... وظهر الضوء في نهاية النفق المظلم... فإذا بالحقيقة هناك... تنتظر... لتطل بوجه آخر!}.

جغرافيا {الوطن»

عن الحب والحرب والوطن والعدالة واليأس والأمل، تحدثت حكايات القطامي لتقفز بعيداً عن حواجز الهوية والثقافة والجغرافيا والدين واللغة، ورغم عدم تناوله الشأن الكويتي المحلي بصورة واضحة، إلا أنه لخص واقعاً أكثر دهشة وغرابة مما يحدث على أرض الواقع بحلوه ومره، أينما حلّ الإنسان في هذه الحياة.

أدب الرعب

لا يستغرب القارئ لكتاب القطامي الأخير، خلفية الكاتب الأدبية، من خلال كتابه الأول {ما وراء الظلام} الذي كان عبارة عن مجموعة قصصية تنتمي إلى أدب الرعب، فجميع القصص في كتابه الأخير يكتنفها غموض ذكي ينم عن براعة الكاتب في حبك الحيل والمواقف والنهايات التي يعتبرها البعض مفتوحة على الأسئلة الجوهرية، وقد يراها البعض الآخر تنغلق بشدة على النقيض، أو كما يسميها الكاتب {الوجه الآخر للحقيقة}.

back to top