سورية المهشّمة يصعب إصلاحها

نشر في 06-08-2013
آخر تحديث 06-08-2013 | 00:01
تميل الحروب الأهلية في منطقة الشرق الأوسط إلى الاستمرار طويلاً، فمَن كان يظن عام 1991 أن الطائرات البريطانية ستواصل طلعاتها الجوية فوق العراق طوال 12 سنة؟ يجب ألا نستبعد هجوماً أميركياً قد ينهي هذا الصراع في مرحلة ما.
 ذي تيليغراف عندما سيطرت قوات النظام السوري على منطقة الخالدية في حمص، برزت صورة مذهلة لهذه المدينة المحاصرة، فقد ذكّرت أبنيتها الرمادية المليئة بالفجوات والثقوب بستالينغراد، وتحوّلت شوارعها إلى أكوام من التراب والركام الرمادي المتشح بالسواد.

من اللافت للنظر غياب السكان من الصورة، فهذا ما يريده النظام. لا يهتم النظام بالخالدية أو بحمص بأكملها بسبب سكانها، الذين تعرضوا للقصف بالقذائف والصواريخ والغازات السامة، بل بسبب موقعها، إذ تربط الخالدية المناطق المتقلّصة التي يسيطر عليها الثوار من خلال متاهة من الأنفاق. ومن سوء حظ حمص أنها تقع بين دمشق ومعاقل العلويين الموالين للنظام على الساحل. لذلك أرسل بشار الأسد أفضل مقاتليه ونصف قواته الخاصة إلى هذه المدينة في شهر فبراير من السنة الماضية ليستخدم بعد ذلك غاز السارين فيها، حسبما يُقال.

يعكس سقوط حمص التدريجي، الذي جاء في أعقاب السيطرة على القصير قرب الحدود اللبنانية، مدى قوة استراتيجية النظام وحدودها: تركيز قوات النخبة على المحور الممتد من العاصمة إلى الساحل، وتنفيذ عمليات تطهير طائفي هناك، والحد من عدد الجنود في الشمال والشرق، والاستعانة بالميليشيات المحلية والقوات الأجنبية للحصول على الدعم.

لا شك أن الأسد يحقق النصر في المناطق التي يحارب فيها، لكنه يقاتل بضراوة في بقعة ضيقة من سورية فحسب. انتقى المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، كلماته بدقة الأسبوع الماضي، حين أكد أن الرئيس الأسد "لن يحكم مجدداً كل سورية". وتشكل عباراته هذه إقراراً ضمنياً بأن الأسد لن يتزحزح من منطقته الرئيسة، حتى لو انهارت أطراف البلد. ومن المؤكد أن التقارير التي تتحدث عن انتصاره الوشيك مضللة تماماً مثل توقعات تحقيق الثوار فوزاً ساحقاً قبل ثمانية أشهر. فمع استمرار الدعم من روسيا وإيران و"حزب الله"، تستطيع قوات الأسد تحقيق النصر والحفاظ عليه في معقلها في الغرب. لكن شنّ هجوم مضاد شامل يعيد كامل الأراضي السورية إلى الوضع الذي كان قائماً سابقاً خطوة مستحيلة لوجستياً وعسكرياً. فمن المستبعد اقتلاع الثوار من محور الشمال الغربي الممتد من حلب على طول الفرات حتى الحدود العراقية غير المضبوطة.

إذاً، نشهد اليوم حالة جمود، فماذا ستكون نتائجها؟ من المؤسف أن سورية ومقاتليها يتفككون على كل المستويات، في جانبي القتال، وفي أرجاء البلد المختلفة.

بدأ الصدع يتسع بين الثوار. ففي مطلع هذا الشهر، مثلاً، اغتال فرع تنظيم "القاعدة" في العراق قائداً بارزاً في الجيش السوري الحر، مما أدى إلى صدامات عنيفة بين مختلف المجموعات في حلب، كما تتفاقم الصدامات بين الجيش السوري الحر وجناح تنظيم "القاعدة" السوري الذي يُدعى "جبهة النصرة". وتواجه هذه الأخيرة بدورها خلافاً مع فرع تنظيم "القاعدة" في العراق بسبب محاولة الدمج بينهما. في المقابل، تنأى مجموعة أصولية أخرى تُدعى "أحرار الشام" بنفسها عن هذه الخلافات وتزداد قوة.

هل تشعر بالحيرة؟ لا تنسَ أن هذه المجموعات تعلّق صراعاتها الداخلية من حين إلى آخر كي تحارب معاً المجموعات الكردية في الشمال، التي لا تنوي التخلي عن استقلالها الذاتي الحديث العهد. فقبل أسبوعين، طرد المقاتلون الأكراد بعنف الثوار الإسلاميين من رأس العين عند الحدود التركية. وهكذا لا تنفك الجثث تتكدس.

نميل إلى تشبيه هذا الوضع بالمجموعات اليهودية المتقاتلة في فيلم Life of Brian، إلا أن تأثيرها الطويل الأمد سيؤدي إلى نشوء إمارات صغيرة تبتعد كثيراً عن مسار تشكيل حكومة وطنية في المستقبل وتتحول إلى مرتع للإجرام والإرهاب. ولا شك أن تدفّق الأجانب يزيد الطين بلّة، فقد انضم إلى هذا القتال نحو 5 آلاف سني من 60 دولة، ما حوّل سورية إلى ثاني أبرز مقصد للمقاتلين الأجانب في التاريخ المعاصر (تحتل أفغانستان في الثمانينيات المرتبة الأولى، إلا أن سورية قد تتفوق عليها قريباً).

ومن المؤكد أن تداعيات هذه التطورات على العراق، ولبنان، والأردن، وتركيا، وإسرائيل (هذا إن لم نذكر بلدان أولئك المقاتلين الأجانب) حادة وقاسية.

ما لا يراه كثيرون بوضوح واقع أن النظام السوري مقسّم بدوره. لا شك في أن مهارة "حزب الله" العسكرية أدت دوراً أساسياً في نجاحات النظام الأخيرة، لكن متطوعين أجانب أقل خبرة دخلوا هذه اللعبة أيضاً. فقد انضم أكثر من 10 آلاف شيعي، كثيرون منهم من الهواة المتحمسين، إلى المجموعات التي تدعي حماية الأماكن المقدسة، مثل مقام السيدة زينب في دمشق، ضد ما يعتبرونه اعتداءات الثوار السنّة.

يقع المقام بحد ذاته بين المطار، الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبرى ويُعتبر خط إنقاذ النظام، ووسط دمشق. وهكذا يُستخدم هؤلاء المتطوعون كجدار صد ضد محاولات الثوار التقدم نحو العاصمة. ولكن هل يقبلون هم والمجاهدون في الطرف الآخر باحترام أي اتفاق لوقف إطلاق النار، مع أن احتمال التوصل إلى اتفاق مماثل بعيد جداً؟ هل يأتمر هؤلاء بأوامر نظام الأسد في هذا المجال أم بأوامر داعميه الأجانب، مثل إيران؟ ستبقى هذه الفصائل وتواصل القتال بعد رحيل الأسد بوقت طويل، خصوصاً أنها ستتحول إلى مجموعات تابعة لقوى خارجية في صراع أوسع على النفوذ بين إيران وكتلة دول الخليج العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية.

تميل الحروب الأهلية في هذه المنطقة إلى الاستمرار طويلاً. فمَن كان يظن عام 1991 أن الطائرات البريطانية ستواصل طلعاتها الجوية فوق العراق طوال 12 سنة؟ يجب ألا نستبعد هجوماً أميركياً قد ينهي هذا الصراع في مرحلة ما، لكن الدولة السورية الحالية المقسّمة إلى إقطاعيات تجتاحها قوات دولية في كلا طرفيها قد تصبح "الوضع الطبيعي الجديد" في بلاد الشام وتبقى كذلك فترة طويلة.

* شاشانك جوشي | Shashank Joshi ، باحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة.

back to top