صمت حكومة الإقليم حيال مزاعم المالكي وحزبه!

نشر في 15-06-2013
آخر تحديث 15-06-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر    ها قد تمت زيارة المالكي إلى إقليم كردستان، واستقبل استقبال الأبطال من قبل كل الطاقم السياسي لحكومة الإقليم، وكما توقعنا وقلنا سابقاً، فإن المباحثات التي جرت بينه وبين المسؤولين في كردستان لم تخرج عن التأكيد حول تفعيل اللجان المشتركة والمسؤولة عن حلحلة النقاط العالقة بين الطرفين.

وعاد المالكي إلى بغداد وهو في موقف سياسي أقوى مما كان عليه قبل مجيئه إلى الإقليم، وكسب نقاطاً سياسية كثيرة من ضمنها تهدئة الأجواء بينه وبين الكرد (أو بالأحرى تهدئة الجبهة مع الكرد إلى أجل يراه هو مناسباً) وإثارة الشكوك لدى الطرف السنّي حيال ما وصفوه "بطبخة" تستوي ضدهم في أربيل، مما حدا بكتلة أسامة النجيفي مثلاً إلى التصريح بأنها مستعدة للحوار مع المالكي بعد لقاء أربيل، مما يشير إلى ضعضعة الجبهة الكردية السنّية ضد المالكي وإضعاف الموقف السنّي العربي ضده، الأمر الذي يصب تماماً في مصلحة المالكي، وفي المقابل يفقد الكرد حليفاً قوياً كان يواجه المالكي معه رغم وجود مشاكل بين الطرفين.

ومن يتابع تصريحات المالكي والشخصيات المقربة منه قبل الزيارة وبعدها فإنه يصاب بإحباط مبكر من نتائج هذا اللقاء، فالمالكي قبل سفره بيوم صرح بأنه ذاهب إلى أربيل لعقد جلسة لمجلس الوزراء العراقي، شأنها في ذلك شأن أي مدينة عراقية أخرى... حاول المالكي من خلال هذا التصريح إفهام الشارع العراقي بأن الزيارة هي لمدينة عراقية وليست إلى عاصمة إقليم موجود في العراق لديه حكومة منتخبة تمتلك وزارات ومؤسسات أكثر رصانة من مؤسسات ووزارات المركز!

ليس هذا فحسب، بل تمادى في تصريحاته ليدخل في موضوع كان الأحرى بحكومة إقليم كردستان الانتباه إليه وطلب تفسيرات حوله، والذي كان بخصوص حق تقرير المصير للشعب الكردي، حيث جعل نفسه قيِّماً على شعب له خصائصه السياسية وحقوق سياسية يسعى إليها ليفتي في أن حق تقرير المصير للكرد قد أقر سابقاً باستفتاء شعبي على بقائه ضمن عراق فدرالي، وأنه (أي المالكي) يرفض أي كلام آخر بشأن حق تقرير المصير... وكان المفترض بحكومة الإقليم المسؤولة عن كرامة شعبها أن تطلب تأجيل زيارته إلى حين تقديم المركز تفسير حول تصريحه هذا أو على الأقل إخراج مظاهرات شعبية في أربيل بالتزامن مع الزيارة رافضة لهذا التصريح، لكن يبدو أن الكرم الكردي والحكمة السياسية الكردية "المبالغ فيها أحياناً" قد حالت دون ذلك، وهي هفوة سياسية كبيرة وقع فيه صانع القرار الكردي.

الغريب أن تأتي أحزاب المعارضة الكردستانية كـ"حركة التغير" وغيرها لتستغل هذه الهفوة السياسية، وتنتقد صمت حكومة الإقليم بدلاً من انتقاد التصريح نفسه، وكأنهم ليسوا مشاركين في هذه الحكومة وليسوا مسؤولين عن شريحة، حتى إن كانت صغيرة من هذا الشعب، وهذه إحدى سخريات القدر السياسي عند أحزاب المعارضة في إقليم كردستان.

هناك قضية أخرى تلافى الساسة الكرد الوقوف عندها، وهي تصريح المطلك الذي كان ضمن الوفد الوزاري المرافق للمالكي عندما طالب -في أربيل- بانسحاب قوات البيشمركة من بعض المناطق المتنازع عليها، وأن يحل الجيش العراقي محله في موقف كان يفترض بالساسة الكرد الرد عليه في اليوم نفسه.

عموماً، فإن الزيارة قد انتهت ولم تسفر عن شيء حقيقي سوى بيانات ومؤتمر صحافي أكد فيه المشاركون "نية المالكي الصادقة" لحل القضايا العالقة بين المركز والإقليم، وتفعيل اللجان المشتركة التي انبثقت بين الجانبين سابقاً. وفي الحقيقة فلم نكن نتوقع أكثر من هذه النتائج حتى قبل الزيارة.

ولكن السؤال هنا... هل تكفي الفترة الباقية من ولاية المالكي للتوصل إلى حلول حقيقية للمشاكل العالقة بين الطرفين؟... الجواب بالطبع لا، وهذا ما أكده عضو في ائتلاف دولة القانون بعد انتهاء الزيارة حين أشار إلى أن حلحلة هذه المشاكل تحتاج إلى وقت طويل، وهذه بداية نكوص المالكي عن تعهداته كما عهدناه دائماً.

الأنكى من هذا كله، هو البيان الذي أصدره "حزب الدعوة" بعد زيارة أربيل بيوم، والذي أكد فيه حرص "حزب الدعوة" برئاسة المالكي على توطيد العلاقة بينه وبين "شعبنا في كردستان"، حيث قال الحزب في بيان له جاء فيه: "يؤكد الحزب حرصه الشديد على توثيق أواصر الإخوة والعمل المشترك مع شعبنا الكردي في كردستان العراق من أجل وحدة العراق واستقلاله وتقدمه".

ومن يتابع البيان تعاد إلى ذاكرته نفس اللغة التي كان يستعملها "حزب البعث" بقيادة صدام حسين في خطاباته الموجهة للكرد، فتأكيد البيان كلمة "شعبنا الكردي في كردستان" يوضح أن "حزب الدعوة" قد أصيب بعدوى فيروس التملك الذي كان يعانيه البعثيون، فكلمة "شعبنا" هذه كانت تثير حساسيات كثيرة عند الكرد في حكم صدام حسين الذي كان يحاول "البعث" من خلال استعمالها تأكيد وصايته على هذا الشعب وتملكه له، وهذا ما يحاول "الدعوة" تكراره والتأكيد عليه.

أما النقطة الأخرى الملاحظة في لغة البيان، فهي أنه ليس موجهاً إلى حكومة إقليم كردستان العراق، بل هو خطاب يتجاوز حكومة الإقليم ليخاطب الشعب الكردي مباشرة... عذراً... أقصد "شعبه الكردي" ناسياً متعمداً أن هذا الشعب له حكومة منتخبة تمثله حالياً، وأي خطاب يراد توجيهه إلى هذا الشعب يجب أن يكون من خلال حكومته المنتخبة هذه، والمحزن في الأمر أن وسائل الإعلام في كردستان حتى الرسمية منها قد أغفلت عن اللغة الخطابية لهذا البيان ونقلته كأنها إشارات إيجابية وموقف جديد من قبل "حزب الدعوة" والمالكي تجاه إقليم كردستان، وقامت بعض وكالات الأنباء الحزبية بنقل هذا البيان بشكل مفرط في التفاؤل الذي لا أستطيع أن أجد له تفسيراً إلا أنها هفوة من هفوات الإعلام الرسمي والحزبي عندنا في إقليم كردستان وصمت آخر يضاف إلى صمت الإقليم سابقاً حيال الكثير من التجاوزات على حكومة الإقليم وشعب كردستان.

لا يوجد تفسير مقنع لسياسة الصمت المطبق التي يتمسك بها الإقليم حكومة وأحزاباً (الموالية منها أو المعارضة) تجاه هذه الإهانات المتكررة التي يوجهها المالكي ومقربوه للإقليم حكومة وشعباً... ولا أتصور أن من أحد البنود المتفق عليها أن يكون هناك عقد جديد للعلاقة بين الإقليم والمركز، يكون فيه الأخير وصياً على الإقليم وشعبه، لذلك فمطلوب من حكومة الإقليم توجيه تفسيرات حول هذه التصريحات والمواقف التي نراها من المالكي وأعضاء ائتلافه، لأننا في الإقليم لسنا مسؤولين عن تنصيع وجه المالكي أمام جمهوره على حساب كرامة الشعب الكردي وتضحياته التي قدم من أجل صونها دماءً غزيرة هي أقدس عندنا من أن تهينها مزاعم المالكي وشطحاته.

*كردستان العراق – دهوك

back to top