آلات تقرأ أفكارك!

نشر في 22-10-2013 | 00:02
آخر تحديث 22-10-2013 | 00:02
No Image Caption
تنشط منطقة من الدماغ عندما يُطلب من الناس القيام بعمليات حسابية خلال تجربة ما. إلا أن هذه المنطقة تنشط، أيضاً، عندما يستخدمون الأرقام أو حتى تعابير عن كميات غير محددة، مثل «أكثر من»، في حياتهم اليومية، وفق دراسة أجراها علماء في كلية الطب في جامعة ستانفورد.
جمع العلماء، باستخدام طريقة مبتكرة، الدليل الراسخ الأول على أن نمط نشاط الدماغ الذي يختبره إنسان يقوم بتمارين رياضية خلال تجربة مضبوطة، شبيه بالنمط الذي يختبره عندما يفكر بالكميات والأحجام في حياته اليومية.

يذكر جوزيف بارفيزي، بروفسور مساعد متخصص في الأعصاب والعلوم العصبية ومدير برنامجHuman Intracranial Cognitive Electrophysiology في جامعة ستانفورد: «بات بإمكاننا اليوم التنصت على الدماغ خلال الحياة اليومية». أشرف بارفيزي على هذه الدراسة، التي نُشرت في 15 أكتوبر في مجلة Nature Communications، وعمل عليها أيضاً الباحث محمد داستجردي، طبيب يحمل شهادة دكتوراه، وميوج أوزكر، طالبة دراسات عليا.

قد يؤدي الاكتشاف إلى تطبيقات “تقرأ الأفكار” تتيح مثلاً لمريض فقَدَ القدرة على النطق بسبب سكتة دماغية التواصل عبر التفكير السلبي. كذلك قد يؤدي إلى نتائج مريعة، مثل رقاقات تُزرع تتنصت على أفكار الناس أو حتى تتحكم فيها.

يوضح هنري غريلي، بروفسور متخصص في القانون ورئيس مركز الأخلاقيات الطبية الحيوية في جامعة ستانفورد: “أمر مثير للاهتمام، إلا أنه مخيف بعض الشيء». لم يشارك غريلي في هذه الدراسة، لكنّه اطلع على محتواها، وذكر أنه «معجب جدّاً» بالاكتشافات التي توصلت إليها. يضيف: «تبرهن أولاً أننا نستطيع تحديد ما إذا كان إنسان ما يتعاطى مع الأرقام، وثانياً أننا قد نتمكن ذات يوم من التلاعب بالدماغ للتأثير في طريقة تعاطي الإنسان مع الأرقام».

راقب الباحثون النشاط الكهربائي في منطقة من الدماغ تُدعى التلم داخل الفص الجداري (intraparietal sulcus). من المعروف أن هذه المنطقة تؤدي دورًا بالغ الأهمية في التركيز وحركة العينين واليدين. وقد ألمحت دراسات سابقة إلى أن بعض كتل الخلايا العصبية في هذه المنطقة تؤدي دورًا في التعاطي مع الأرقام.

لكن التقنيات التي اعتمدتها دراسات سابقة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، تبقى محدودة في قدرتها على دراسة نشاط الدماغ خلال الحياة اليومية، وتحديد بدقة توقيت أنماط إطلاق الخلايا العصبية الإشارات الكهربائية. ركّزت الدراسات على وظيفة واحدة محددة في منطقة معينة من الدماغ، وحاولت استبعاد أو توضيح كل عامل قد يسبب الحيرة. بالإضافة إلى ذلك، كان على المشاركين في التجربة التمدد من دون حراك داخل غرفة مظلمة شبيهة بالنفق، يبدد الصمت فيها ضجيج الآلات المرتفع  باستمرار، فيما تومض الصور على شاشة كمبيوتر.

يشير بارفيزي: «هذا بعيد كل البعد عن الحياة الحقيقية. فلا يجلس المشارك في هذه الدراسات في غرفته حيث يرتشف كوب شاي ويختبر حوادث الحياة بشكل عفوي». ويشدد على أن السؤال الأهم يبقى: «كيف تعمل في الواقع مجموعة من الخلايا تبيّن، من خلال التجارب، أنها تؤدي دوراً بالغ الأهمية في وظيفة ما؟».

مواقف حقيقية

في المقابل، تقدّم طريقة فريقه، التي تُدعى التسجيل داخل الجمجمة، معلومات صدغية وتشريحية بالغة الدقة تتيح للعلماء مراقبة نشاط الدماغ خلال مواجهة الناس مواقف حقيقية في حياتهم اليومية. راقب بارفيزي وفريقه دماغ ثلاثة متطوعين كانوا يخضعون لتقييم لتحديد ما إذا كان من الممكن إخضاعهم لجراحة بسبب نوبات الصرع المتكررة المقاومة للدواء التي كانوا يصابون بها.

شملت هذه العملية نزع، موقتًا، جزء من جمجمة المريض ووضع أقطاب في المنطقة الظاهرة من الدماغ. وظل المرضى طوال أسبوع تقريبًا موصولين بجهاز مراقبة، فيما كانت الأقطاب تتبع النشاط الكهربائي داخل الدماغ. واستمرت عملية المراقبة هذه، من دون انقطاع، خلال إقامة المرضى في المستشفى، فرصدت نوباتهم المتكررة وسمحت لأطباء الأعصاب بتحديد منشأة النوبات في دماغ كل مريض.

طوال هذه الفترة، ظل المرضى موصولين بجهاز المراقبة وأسرى أسرّتهم معظم الوقت. ولكن باستثناء الإجراءات العادية المتبعة في المستشفى، عاشوا حياتهم بشكل طبيعي. فكانوا مرتاحين، لا يشعرون بأي ألم، يأكلون، يشربون، يفكرون، ويتحدثون مع أصدقائهم وأفراد عائلتهم وجهاً لوجه أو عبر الهاتف، ويشاهدون الأفلام.

يمكن تشبيه الأقطاب المزروعة في رأس المريض بأجهزة تنصت، يصغي كل منها إلى مجموعة من مئات آلاف الخلايا العصبية وينقل هذه المعلومات إلى جهاز كمبيوتر.

في هذه الدراسة، راقبت كاميرات فيديو أعمال المرضى خلال إقامتهم في المستشفى. فسمح ذلك للباحثين لاحقًا بربط نشاطات المرضى الطوعية في حياتهم اليومية بسلوك الخلايا العصبية في منطقة الدماغ التي خضعت للمراقبة.

كجزء من الدراسة، أجاب المتطوعون بصح أو خطأ على أسئلة ظهرت أمامهم على شاشة كمبيوتر محمول الواحد تلو الآخر. تطلّب بعض هذه الأسئلة عمليات حسابية، مثل «هل 2+4=5؟»، في حين احتاجت أخرى إلى ما يدعوه العلماء الذاكرة العرضية، مثل «صح أم خطأ: تناولت القهوة خلال الفطور صباحًا؟». في مناسبات أخرى، طُلب من المرضى التحديق في صليب صغير وسط شاشة بيضاء، وذلك لمحاولة تحديد وضع الدماغ خلال الراحة.

عمليات حسابية

على غرار دراسات أخرى، اكتشف فريق بارفيزي أن النشاط الكهربائي لمجموعة محددة من الخلايا العصبية في التلم داخل الفص الجداري يرتفع كثيرًا عندما يقوم المتطوعون بعمليات حسابية فحسب.

بعد ذلك، حلل بارفيزي وزملاؤه تسجيلات الأقطاب اليومية في حال كل متطوع، محددين مرات كثيرة ارتفع فيها النشاط في التلم داخل الفص الجداري خارج إطار التجارب. فلجأوا إلى أشرطة الفيديو المصورة ليروا ماذا كان المتطوعون يفعلون عندما حدث هذا الارتفاع في النشاط.

تبيّن لهم أنه كلما ذكر المريض عددًا أو حتى أشار إلى تعبير كمّي، مثل «كمية إضافية»، «الكثير»، أو «أكبر من الآخر»، ارتفع النشاط الكهربائي في مجموعة الخلايا العصبية عينها في التلم داخل الفص الجداري، تلك الخلايا التي نشطت عندما كان المريض يقوم بعمليات حسابية خلال التجارب.

يعتُبر هذا اكتشافًا غير متوقع. يذكر بارفيزي: «لاحظنا أن هذه المنطقة لا تنشط خلال قراءة الأرقام أو التفكير فيها فحسب، بل عندما أشار المرضى بطريقة غير مباشرة إلى الكميات أيضًا».

يضيف بارفيزي: «لا تطلق الخلايا العصبية إشاراتها عشوائيًّا، فهي خلايا متخصصة تنشط فقط عندما يبدأ الشخص بالتفكير في الأرقام. ولكن حين يكون مرتاحًا، يضحك، أو يتكلم، لا تنشط هذه الخلايا». لذلك تمكن الباحثون، من خلال التدقيق في تسجيلات الأقطاب لنشاط دماغ المريض، من معرفة ما إذا كان يفكر في أرقام أو تعابير كمية خارج إطار التجارب.

لا شك في أن الخوف من السيطرة على الأدمغة والتحكّم فيها ما زال مبكرًا، وفق غريلي. «فمن الناحية العملية، ليس من السهل زرع الأقطاب في أدمغة الناس. ولن نتمكن من تحقيق أمر مماثل غدًا، أو بسهولة، أو حتى بسرية».

يوافقه بارفيزي الرأي، قائلاً: «لا تزال هذه المسألة في المهد. ولو شبهنا ذلك بلعبة كرة القاعدة، لاعتبرنا أننا لم نبدأ بعد الجولة الأولى. فبالكاد اشترينا البطاقة لدخول الملعب».

back to top