الرواية في الفن التشكيلي... اللون مسحوراً بالسرد

نشر في 23-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 23-07-2013 | 00:02
No Image Caption
افتتح في واشنطن معرض كولومبي بعنوان {الواقعية السحرية}، ويتضمن مجموعة لوحات ومنحوتات تستلهم واقعية الكولومبي غابرييل غارسيّا ماركيز السحرية التي اشتهر بها من خلال الرواية.
 يفتح معرض {الواقعية السحرية} في واشنطن النقاش حول أثر الرواية والسرد الأدبي في الفن التشكيلي، بل يبين الروابط والصلات التي تجمع مختلف الفنون والأجناس الأدبية ببعضها، فمثلما تأثر ماركيز بأدب كاتب أليخو كاربنتير في تصويره للواقعية السحرية في أغلب أعماله الأدبية، أدرك الفنانون الكولومبيون {أن في واقع الحياة اليومية شيئاً مدهشاً ورائعاً، يتحوّل ويتجدّد}، وذلك وفقاً للحديث الذي أدلى به رئيس الشؤون الثقافية والتضامن والإبداع إيفان دوكيه. يضيف دوكيه: {لقد بحثنا في تلك المراحل التي كان للفنان فيها نص يسرد ما كان يحدث في البلاد. وحاولنا أن نربط بين المناظر الطبيعية للفنان غونزالو أريزا وبين اللوحات العارية الخاصة بالفنان لويس كاباليرو، مروراً بالأشكال الهندسية لنيغرت، وإدواردو رودريغيز فيلاميزار، أو عمر رايو، وصولاً إلى الأعمال الإبداعية الزاخرة بالألوان، مثل أعمال تمت حياكتها من أولغا أمارال}.

واقعية ماركيز السحرية نموذج بارز لتكون في جوهر الفن التشكيلي، تماماً كما أمثال كثيرة في هذا المجال. سعى الفنان الإيرلندي توم مولوي إلى إعادة الصلة الوثيقة بين كل من الأدب والفن على مر العصور، وذلك من خلال عمله الفني {حبكة ثانوية} ويستلهمه من رواية {1984} للكاتب البريطاني جورج أورويل. واعتمد مولوي على فكرة الحب الذي ربط بين شخصية سميث الموظف وزميلته في العمل جوليا، ذلك الحب الذي يحارب ويقف في وجهه النظام في زمن الرواية، وفي الزمن المعاصر مفهوم الاستهلاك وتهميش المشاعر الإنسانية التي تنبأ بها أورويل.

يشتمل عمل مولوي الذي ينتمي إلى الفن المفاهيمي على 235 لوحة، هي عدد صفحات الرواية على الحبكة الثانوية للرواية التي تتناول النص الأصلي لقصة حب وينستن سميث وجوليا.

الشقراء

لطالما كانت الرواية مصدر إلهام للرسامين، وكان بعض الروائيين يطلب من الرسامين استلهام رسوم لتكون مرافقة لنصه الأدبي. ذات مرة، طُلب من الرسام الفرنسي هنري ماتيس أن يساهم مقابل 5000 دولار برسوم تستوحي رواية «يوليسيس» لجيمس جويس لنشرها في طبعة فاخرة من الرواية عام 1934. اكتشف ماتيس أن طلاسم نثر جويس عصية على الفك، كما وجد من استغراق شخصيات الرواية في أحلام اليقظة خلال تجوال بطله بلوم حول دبلن.

ولكن ماتيس كان في حاجة ماسة إلى مبلغ المكافأة فوضع الرواية جانباً وأنجز مجموعة من الرسوم التي، بدلاً من {يوليسيس} جويس، تستوحي {أوديسا} هوميروس، التي استخدمها جويس إطاراً لبناء روايته. ولكن أشهر عمل من أعمال الفن البصري التي تستوحي رواية يوليسيس هي صورة إيف أرنولد عام 1955 الشقراء مارلين مونرو وهي تقرأ نسخة من الرواية. وكان يُراد بذلك إيصال رسالة تقول أولاً إن مارلين ليست شقراء ضحلة، وثانياً إن {يوليسيس} رواية ليست للخبراء والأكاديميين فحسب، بل كتاب لكل من يقرأ. ويمكن كتابة دراسة طويلة ومفصلة حول علاقة {يوليسيس} بالفن التشكيلي، ولكن هنا ليس مكانها.

 {دون كيشوت} بطل رواية الإسباني ثرفانتس كان أيضاً ساحراً للرسامين في العالم من سلفادور دالي إلى بابلو بيكاسو، كل رسمه على طريقته، على رغم بساطة لوحة بيكاسو، ، والأشهر عن الفارسِ الشهير. لا يحتاجُ الناظرُ إلى تعريفٍ للوحة كي يعرف مباشرة أنَ الفارس الطويل النحيل هو دون كيشوت.

 الرسام أونوريه دومييه حقق سلسلة رسوم انطلاقاً من رواية {دون كيشوت}، يمكن اعتبارها من أهم أعماله. ففيها، اكثر مما في أي اعمال أخرى له، عرف دومييه، ووفق تعبير الباحثين، كيف يعلن {ولادة الفجر الجديد} في الفن الاسباني، حقق دومييه في لوحاته صوّر الفارس المغوار مفتتح أزمان الانسان الجديد، دائماً في الصحراء يخبّ على حصانه، وحيداً حتى وإن كان في رفقته سانشو بانشا. ولكن دائماً وهو يبحث عن أفقه ويبدو شبه واثق من أنه سيجده في نهاية الطريق لا محالة. وبهذا من الواضح أنه لا يمكن اعتبار دومييه، في ما رسمه لدون كيشوت، مجرد رسام يعكس الواقع أو ما يريده من هذا الواقع، بل فنان يريد من لوحته أن تكون فاعلة في حركية المجتمع.

قدَّم الرسام الفرنسي المعاصر جيرار غاروست سلسلة لوحات فنية استلهمها من رواية {فاوست} للكاتب الألماني غوته. يكشف من خلال اللوحات الشخصيات المشوهة أو الدميمة التي أستلهمها من الكتب الدينية أو القصص والأساطير من مختلف العصور، وركز غاروست على شخصية بطل رواية {فاوست} الذي تعامل مع الشيطان في مقابل أن يعطيه السباب الدائم.

هذه نماذج عابرة حول استلهام الفن التشكيلي من الرواية، وهي كثيرة وكثيرة، ويمكن تدوين عشرات المقالات حولها، خصوصاً أن ثمة روايات أصبحت رموزاً وحضورها في الثقافة أقوى من الأساطير.

يستمر المعرض حتى 27 سبتمبر المقبل.

back to top