العرب السنّة في العراق... والأخطاء الثلاثة القاتلة!

نشر في 18-05-2013
آخر تحديث 18-05-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر يمكن اعتبار عزوف المكون السني عن الانتخابات الأولى في العراق ووقوفه ضد العملية السياسية من أولى الأخطاء القاتلة التي ارتكبها هذا المكون بعد الاحتلال الأميركي، فقد أفسح المجال أمام المكون الآخر الشيعي للتحكم والسيطرة على مجمل مجريات العملية السياسية وتوجيهها بالكيفية التي تضمن مصالحه السياسية، بينما تمثل المكون السنّي في بعض المجاميع المسلحة التي انخرطت في عمليات (مقاومة) مسلحة ضد الوجود الأميركي لغاية خروج الجيش الأميركي المحتل وإفساح المجال لإيران للانفراد بالساحة العراقية، مما شكل علامة استفهام كبيرة حول ماهية هذه المقاومة والأجندات التي كانت تنفذها والجهة التي كانت تعمل لها؟

وبقي الشارع السنّي يتوجس خيفة من العملية السياسية حتى بعد مشاركة بعض ساسته في الانتخابات الثانية واستمرت نظرته للساسة المشاركين فيها يشوبها الكثير من الحذر والشكوك في مدى إخلاص هؤلاء للتعبير عن مشاكل وهموم هذا المكون الكبير. وبالمقابل فقد أدت قلة خبرة الساسة هؤلاء إلى فشلهم في استقطاب الشارع السنّي الذي يمثلونه وانخرطوا في أجندات إقليمية تدعمها دول عربية وغير عربية مما أثر على أدائهم السياسي ووحدة رؤاهم في التعبير عن حقوق ومطالب المكون الذي ينتمون إليه، مما ضاعف عدم ثقة هذا الشارع بهم، وأفقدهم البوصلة السياسية الصحيحة.

وبعد تزايد شعور هذا المكون بالتهميش وانشغال "ساسته" بالتنافس على المناصب وكذلك الممارسات التعسفية لنظام المالكي حياله، لم يبق أمامه إلا الخروج في تظاهرات واعتصامات بدأتها الأنبار وعمّت كل المدن السنّية في العراق.

والخطأ الثاني الذي ارتكبه السنّة في العراق هو في إدارة هذه التظاهرات، فقد بدأت التظاهرات هذه بشكل عفوي يقودها شيوخ عشائر ورجال دين لا يمتون إلى السياسة بصلة ،ويفتقرون إلى الخبرة اللازمة لإدارة فعاليات جماهيرية كهذه، ويمكن اعتبار هذه النقطة من أخطر ما يواجه الاعتصامات وعدم السيطرة عليها لما قد تتسبب فيه من تداعيات كثيرة. وهكذا استمرت هذه التظاهرات دون أثر فاعل في إيقاف غطرسة المالكي. ويمكن تلخيص الأخطاء التي ارتكبت في الاعتصامات هذه في النقاط التالية:-

• كما قلنا سابقاً، فإن عدم وجود دراية سياسية كافية لقادة التظاهرات واقتصارها على رجال الدين وشيوخ العشائر أضعف الأداء السياسي لها.

• عدم وجود قيادة سياسية موحدة للتظاهرات، وهنا لا نقصد قيادات تنسيقية وإنما وجود شخصية سياسية تستطيع حشد هذا الفعل الجماهيري في كل المدن السنّية وتوجيهها بالشكل السليم لتكون فاعلة.

• عدم امتلاك المتحدثين باسم التظاهرات للخبرة الإعلامية الكافية في تجيير الأحداث والتطورات لمصلحتهم، وافتقار التظاهرات إلى أجهزة إعلام حقيقية تنقل الحدث بما يخدم التظاهرات وعدم توحيد خطابهم الإعلامي... ففي الوقت الذي كنا نسمع تصريحات عالية النبرة من طرف كنا نشهد تهدئة في طرف آخر أو في مدينة أخرى تصل مرات إلى حد التنازل عن مطالب معينة.

• محاولة بعض المجاميع المجهولة الولاء استغلال ما حصل في "الحويجة" وتحويل الاعتصامات السلمية إلى اشتباكات مسلحة بينها وبين جيش المالكي، وقد جيّر المالكي هذه الاشتباكات لاتهام المعتصمين بها، وكانت ردود أفعال المعتصمين متخبطة جداً أضعفت التظاهرات بشكل كبير. وتمكنت الحكومة من شق صف المتظاهرين، وتسببت في إرباك حقيقي بينهم لعدم وجود قيادة سياسية حقيقية لهم وعدم وجود رؤى سياسية لديهم.

• هاجس استغلال هذه التظاهرات من قبل بعض المجاميع المسلحة المجهولة الأجندة أدت ببعض ساحات الاعتصام إلى ردود فعل قوية وصلت إلى احتمال إنهاء الاعتصامات كإحدى الخيارات التي طرحت قبل أيام، مما أثر سلباً على الجهد الجماهيري وأضعف إرادة المعتصمين في ديمومة تظاهراتهم.

• شهدت الجمعة الأخيرة "جمعة الخيارات المفتوحة" تراشقاً للاتهامات بين المعتصمين أنفسهم، ففي حين دعا المتظاهرون في بعض المدن السنّية إلى تشكيل لجان جديدة للتفاوض مع الحكومة، دعت بعض المدن الأخرى إلى جعل مطلب إسقاط المالكي هو المطلب الرئيسي للمتظاهرين بدل المطالبة بالإقليم السنّي الذي رفعه البعض وعارضه البعض الآخر في ساحات الاعتصام.

• لا أتصور أن إسقاط المالكي سيحل مشكلة المكون السنّي في العراق، لأن المشكلة لا تكمن في شخص المالكي ولا من يترأس مجلس الوزراء بقدر ما هي في التركيبة السياسية التي تضم أحزاب الأغلبية الشيعية المتمثلة في التحالف الوطني (الشيعي) التي تتبنى كلها طرحاً سياسياً واحداً وتشترك في العموميات وتختلف ربما في التفاصيل فقط، ومشكلة المكون السنّي تكمن في عموميات الطرح الشيعي في العراق، إذن لن يكون هناك أي تغير في توجهات الحكومة العراقية إذا استبدل المالكي بشخصية أخرى من التحالف الوطني. لهذا فإن مطلب تغيير المالكي سيكون خطأ ثالثاً يرتكبه المكون السنّي إذا أصر عليه.

أما خيار الإقليم السنّي، فيبدو أن السنّة في العراق يرون أنهم ليسوا مستعدين لهذا المطلب أو أنهم متخوفون من أن قيام إقليم كهذا سيسفر عن اقتتال داخلي سنّي- سنّي بوجود مجاميع إسلامية مسلحة وبقايا أنصار "حزب البعث" وبعض تشكيلات "الصحوة" المسلحين والمرتبطين بالمالكي، ولا ننسى أن دول الجوار السنّية منها أو إيران لن تدع الإقليم هذا يعيش حالة من الاستقرار في حال قيامه. كل هذه التخوفات بالإضافة إلى قلة موارد هذا الإقليم يجعل خيار الإقليم السنّي خياراً غير مستساغ عند هذا المكون.

الخيارات المتاحة للمكون السنّي ليست سهلة كما يظن البعض، فالسنة يعيشون بين مطرقة ممارسات المالكي وتطورات وضع الربيع السوري وإقحامهم في هذا الصراع الإقليمي... فهل سيستطيعون التغلب على التحديات؟

* كردستان العراق – دهوك

back to top