الأسد لم يعد خياراً عصرياً... وربيع سورية سيكون مرعباً!

نشر في 02-01-2013
آخر تحديث 02-01-2013 | 00:01
لم يسقط الدكتاتور السوري من السلطة بعد، لكن بما أن الكرملين بدأ يرسل السفن الحربية استعداداً لإجلاء المواطنين الروس، فقد تصبح عائلة الأسد قريباً جزءاً من الماضي.
 ناشيونال ريفيو منذ فترة قصيرة، حاول السياسيون الغربيون التقدميون مسايرة بشار الأسد مع أنه كان يتآمر مع الجهاديين الإيرانيين والمسؤولين النافذين في الكرملين. ومنذ أقل من سنتين، كانت آنا وينتور، محررة مجلة "فوغ" وخبيرة الأزياء، تحتفل بسيدة سورية الأولى أسماء الأسد باعتبارها "وردة في الصحراء" لأن "أسلوبها ليس مبالغاً فيه ولا يرتكز على الأكسسوارات البراقة التي تطغى في الشرق الأوسط بل إنها تحافظ على البساطة والرقي من دون المبالغة في الزينة... هي عبارة عن امرأة جميلة ونحيلة وطويلة ولها عقل تحليلي بارع وتختار ملابسها بذكاء ضمني".

لم يسقط الدكتاتور السوري من السلطة بعد، لكن بما أن الكرملين بدأ يرسل السفن الحربية استعداداً لإجلاء المواطنين الروس، فقد تصبح عائلة الأسد قريباً جزءاً من الماضي. إنها أنباء سارة، أليس كذلك؟ في الشرق الأوسط، يصعب الإجابة بالنفي أو بالإيجاب بشأن أي مسألة.

باختصار، يمكن أن نعتبر أن سقوط الأسد سيكون أفضل من صموده. صرح رئيس القيادة المركزية الأميركية جيمس ماتيس أمام الكونغرس في شهر مارس الماضي بأن تغيير النظام في سورية سيكون "أكبر انتكاسة بالنسبة إلى إيران منذ 25 سنة". ومن المعروف أن إيران تطرح أكبر التحديات المزعجة في وجه العالم الحر، إذ يحكمها نظام يصنع أسلحة نووية ويخطط لأعمال إرهابية من بوينس آيرس إلى جورج تاون ولا يتوانى عن تهديد إسرائيل بإبادتها من الوجود ويدعو إلى الجهاد ضد "الشيطان الأكبر".

لأسباب متعلقة بالمعطيات الجيوسياسية لا الإيديولوجيا، قرر الأسد العلماني الذي يتمتع بثقافة غربية ويجيد اللغة الإنكليزية منذ فترة طويلة أن يكون أشبه بحاكم لولاية فارسية ودمية في يد آيات الله، فساعدهم على نشر نفوذهم في العالم العربي والسنّي وسهّل تنفيذ خططهم كي يهيمنوا على الشرق الأوسط.

لا شك أن انهيار نظام الأسد سيعوق هذا المشروع ويوجه لطمة موجعة إلى "حزب الله" أيضاً، وهو عميل إيران الخارجي ويُعتبر الآن أقوى فصيل في لبنان كونه يملك أفضل الأسلحة. في المقابل، سيكون صمود الأسد انتصاراً كبيراً لـ"حزب الله" وإيران وهزيمة للبنان والولايات المتحدة وإسرائيل.

انتظر الرئيس أوباما ثمانية أشهر بعد الاحتجاجات المعادية للأسد في يناير 2011 كي يدعو الدكتاتور إلى التنحي. أعلن أوباما عن رغبته هذه لكن من دون أن يحدد الوسائل اللازمة لتحقيقها. لذا تولت جماعات خاصة تزويد المعارضين بتكنولوجيا الاتصال اللازمة كي ينظموا أنفسهم ويهربوا من قوات الأسد. اليوم، تساعد الإدارة الأميركية بعض جماعات الثوار عبر تقديم وسائل الاتصال، لكن كُلّفت تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية بمسؤوليات أخرى مثل توفير الأسلحة.

تُجمِع تلك البلدان الثلاثة على ضرورة رحيل الأسد. ولكنها تريد أن يحل مكانه إسلاميون من نوع معين، لذا عمدت إلى دعم الجماعات الإسلامية بعد الحصول على موافقة ضمنية من واشنطن. نتيجةً لذلك، سيطر الإسلاميون على ساحة المعركة و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الذي نشأ حديثاً، علماً أن أوباما أعلن أخيراً أنه سيعترف به.

في غضون ذلك، تم تهميش الجماعات المعتدلة كونها تفتقر إلى المال والأسلحة. هل فات الأوان كي نبدأ بمساعدتها الآن؟ مجدداً، لا يمكن الرد بالإيجاب أو بالنفي بكل بساطة: فات الأوان فعلاً على تحويل تلك الجماعات إلى قوة تستطيع تحريك الثورة السورية، ولكن توفير الدعم لها الآن سيتماشى مع القيم والمصالح الأميركية.

في ما يخص القيم، يجب أن يدعم الأميركيون دوماً كل من يناضل في سبيل الحرية، حتى لو كانوا يشكلون أقلية صغيرة. إذا لم نقم بذلك، فلا أحد سيفعل: لن يقوم الأوروبيون بذلك لأن معظمهم ما عادوا يبالون بالاستبداد، ولن تقوم الأمم المتحدة بذلك كونها تنحاز إلى الاستبداديين. في ما يخص المصالح، قد يتمكن المناضلون في سبيل الحرية من إضعاف خصومنا المشتركين (لكن من دون حصولهم على المساعدة، لا يمكنهم فعل شيء عدا الرضوخ أو الموت).

حتى بعد رحيل الأسد، من المستبعد أن يحل السلام في سورية. بل من المتوقع أن تنطلق أعمال قتل انتقامية ومعارك طائفية ولا شك أن إيران ستصب الزيت على النار. قد تنشأ محاولة لإجراء انتخابات لكن تتراجع نسبة نجاح تلك المحاولة. في الوقت الراهن، تسيطر جماعات وفصائل متنوعة على مناطق البلد المختلفة. لن يتنازل جزء كبير منها عن السلطة بسهولة، ولا شيء يؤكد أصلاً على صوابية هذه الخطوة.

لن تقبل أهم الأقليات الإثنية والدينية في سورية (أكراد، ودروز، ومسيحيون، وعلويون، وشيعة، وجماعات قبلية لها تقاليد قديمة ومترسخة) أن تحكمها جماعات مثل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، وهما جماعتان سلفيتان مجاهدتان لعبتا دوراً فاعلاً في القتال خلال الأشهر الأخيرة. كما أنها قد لا ترغب في الرضوخ لـ"الإخوان المسلمين" لأنهم مجموعة من العرب والسُنّة والإسلاميين الذين يتوقون إلى فرض نسختهم الخاصة من دولة الشريعة (مع أنهم أقل تعطشاً إلى العنف).

إذا قدمنا الدعم إلى الجماعات المعادية للإسلاميين، فهل ستتمكن على الأقل من الدفاع عن نفسها وتحقيق شيء من الاستقلالية ضمن حدود معاقلها المحلية؟ لا شيء يضمن ذلك. لكن من دون دعمنا، يصعب أن تتجنب تلك الجماعات التعرض للسحق تحت أقدام الإسلاميين.

ثمة نتيجة واضحة وإيجابية واحدة بعد حقبة الأسد: سيمر وقت طويل قبل أن تطرح سورية تهديداً جديداً على لبنان أو إسرائيل (بعد النجاح طبعاً في التخلص من الأسلحة الكيماوية التي يملكها الأسد). يُعتبر بقاء أسلحة الدمار الشامل في يد الدكتاتور طوال هذه السنوات إخفاقاً جديداً في سجل ما يُسمى "المجتمع الدولي".

Clifford May

back to top