لا خطاب ولا خطة لمن فقد المصداقية

نشر في 12-01-2013
آخر تحديث 12-01-2013 | 00:01
 يحيى علامو عندما يفقد المرء المصداقية نتيجة لسلوكه الكاذب والمخادع مع الآخرين... تصبح كلماته بدون محتوى وبلا أي مضمون مهما بلغت بلاغتها وثقل وزنها، وتتحول إلى دخان قبل أن تبلغ صيوان الأذن.

وهذا ما ينطبق تماماً على خطاب الأسد الأخير، إذ فقد مصداقيته منذ ربيع دمشق، وسقطت سلطته مع بداية الثورة السورية، وبات مطلوباً للعدالة الآن بتهمة "الإبادة البشرية".

ففي كل مرة يطل فيها على الشعب السوري بخطاب منتهي الصلاحية تستعر بعده الحرب المجانية والمجنونة على السوريين  حتى باتت إطلالته بمنزلة "إعلان حرب" بل مصدر شؤم للوطن رغم تخمة الوعود التي يطرحها، لكنها بالمضمون تفتقد إلى المصداقية مع انعدام المسؤولية الأخلاقية تجاه الوطن عندما تغاضى حتى عن ذكر جرائم أجهزته الأمنية تجاه الشعب.

الظهور المتكرر لهذا الحاكم بات ممجوجاً ورؤيته باتت مؤذية للنفس قبل العين، وأصبح ما يطرحه مكرراً ومستهلكاً، ولم يعدُ أن يكون رسالة موجهة إلى الخارج يحدد من خلالها إصراره على البقاء بل رفض أي مبادرة لا تلحظ استمراره بالسلطة ولو تحول الوطن إلى ركام، مستفيداً من رخصة دولية لا تعير لجرائمه أي اهتمام انسجاما مع مصالحها ورؤيتها لمستقبل المنطقة!

وإننا لا نجد غضاضة من المرور على خطابه والتوقف قليلاً عند بعض فقراته للتعليق ليس إلا... بداية من الدعوة إلى حوار وطني بهدف تسويق خطته الإنقاذية المزعومة والسؤال من سيفاوض إذا كان الخارج عميلاً ومرتبطاً والداخل تكفيرياً و"قاعدياً"، وما بينهما أعلن صراحة رفضه لأي حوار معه، فأي حل سيحل بالوطن وحاكمه غائب عن الوعي وعن تفاصيل الواقع ولا يدرك للآن أنه هو الأزمة والكارثة الوطنية معاً ناهيك عن عدم توافر الضامن في حال توافر مناخ الحوار.

أما عن غياب الفكر والقائد لهذه الثورة ووصفها بقاعدة "القاعدة"... فهذا لعمري هو السذاجة بعينها، لنسأل هذا الرئيس ماذا كانت تفعل أجهزتك الأمنية خلال عقود الاستبداد المنصرمة ألم تؤسس لفكر هذه الثورة الذي توج بشعاري "الله... سورية... حرية وبس"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"... ألا يكفي هذان الشعاران لبناء أساس فكري وثقافي لأي ثورة، فالليبرالية ألا تعني الحرية، وإسقاط النظام ألا يعني التغيير الجذري بالمعنى الراديكالي، فأي إضافة يمكن أن تضاف إلى هذين المفهومين لتكتمل أركان الثورة الفكرية والثقافية.

أما عن غياب القائد، ألا يكفي بالشعب أن يكون قائداً لأي ثورة بل ومصدراً لكل السلطات، وهو القائد والمعلم حسب المفهوم الثوري للثورات، وهو من يختار قائده وقيادته ومن يمثله. والثورة السورية ثورة شعبية سلمية بامتياز... وإجرام الأجهزة الأمنية حول جانباً منها إلى العسكرة، ورغم هذا استطاعت المحافظة على زخمها الشعبي كثورة عظيمة بالتاريخ... فأين الفراغ؟ وأين النقيصة "يا حاكم الزمان"؟!

التقسيم ليس ثقافة وطنية لدى الشعب السوري وهو دافع عبر تاريخه عن نسيجه الوطني ووحدة أراضيه، ولم يحدث أن نبتت فكرة كهذه بين ظهرانيه إلا ووئدت في مهدها، لكنها لم تقتلع من رؤوس "الطائفيين" من أمثال آل الأسد وشبيحتهم.

وتلويح بشار الأسد بهذا الخيار يؤكد النية المبيتة على اعتماده في حال السقوط ولا ندري إن كان هناك ضوء أخضر دولي وإسرائيلي لتبني هذا الخيار كمقدمة لتفعيله على أكثر من طائفة رغم حظوظه الضعيفة بالحياة، لكنه يبقى بالحد الأدنى ورقة يساوم بها على حياته.

كان الأجدر بالأسد أن يوجه الشكر إلى أميركا ومجموعتها الدولية وليس إلى إيران وروسيا والصين، لأنها صاحبة الفضل في بقائه ونظامه حتى الآن رغم كل جرائمه الإنسانية والحيوانية لتواطئها معه من خلال منحه الفرص والمبادرات بل غض الطرف عن جرائمه، إضافة إلى استيعاب ما أمكن من المعارضة وتوجيهها وفق رؤيتها... وها هي تصمت صمت القبور عن كل أفعاله "السكودية" و"الكيماوية".

قد تنتكس الثورة، وقد يتباطأ تقدمها، وقد تتعرض للتآمر، وقد تخسر مواقع، لكنها لن تنهزم لأنها ثورة شعب قرر نيل حريته وحقه المشروع في الحياة.

back to top