وجهة نظر: هل أصبح الخليج حقاً في مهب الريح؟ (2)

نشر في 12-01-2013
آخر تحديث 12-01-2013 | 00:01
 د. عباس المجرن تناولت في الجزء الأول من هذه المقالة تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي توقع أن يتجاوز حجم إنتاج الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2017 الانتاج السعودي. وعرضت تحفظات تتعلق بمدى حيادية تقارير وكالة الطاقة الدولية، وارتفاع معدل الخطأ في تقديراتها، كما أشرت الى أهمية عدم المسارعة في استنباط الاحكام والنتائج من مجرد الاطلاع على مقتطفات من التقرير عبر وسائل الاعلام المختلفة ودون تجشم عناء قراءة التقرير ذاته.

التقرير يتكون من 690 صفحة، وتتضمن محاوره المتشعبة سيناريوهات كثيرة وتوقعات مختلفة لمسارات موارد الطاقة المتنوعة حتى عام 2035، ويحتوي على فصل خاص بالنفط وآخر عن الغاز الطبيعي وثالث عن الفحم ورابع عن الكهرباء وخامس عن الطاقات المتجددة وسادس عن التغير المناخي وسابع عن كفاءة استهلاك الطاقة وثامن عن تطور انتاج النفط في العراق.

وليس من الموضوعية في شيء أن نستقطع من تقرير كهذا توقعات جزئية بنيت على فرضيات وسيناريوهات متعددة دون الاشارة الى تلك الفرضيات والسيناريوهات. وما ورد في وسائل الاعلام، هو مقتطفات من ملخص نتائج وتوقعات التقرير تنقصها فرضياتها ومعطياتها الأساسية، وهي لا تصلح بالتالي أن تكون منطلقا للتحليل أو بناء المواقف النهائية.  

وفي الحقيقة، فان معظم استنتاجات التقرير وتوقعاته الخاصة بالنفط ليست جديدة كليا، فمنذ عقدين من الزمن كانت التقارير الأميركية المتخصصة تشير الى أن مخزون الولايات المتحدة من النفط الصخري ضمن سلسلة جبال الروكي يعادل في حجمه خمسة أضعاف المخزون السعودي، ولكن المشكلة تكمن في صعوبة وكلفة وتعقيد عملية استخراج هذا النفط، وكان متوقعا أن يحفز سعر برميل النفط التقليدي الذي تجاوز المئة دولار جهود الاستفادة من هذا المخزون، ومن ثم الشروع في استغلاله.  

ولا تختلف توقعات تقرير وكالة الطاقة الدولية عن توقعات دراسة سابقة لمجموعة "سيتي غروب" كانت قد صدرت في مارس 2012 بعنوان لافت للنظر هو: "الطاقة عام 2020: أميركا الشمالية، الشرق الأوسط الجديد". ورغم أن تقرير الوكالة لم يأت بجديد في جزئيته المتعلقة بتوقعات الانتاج الأميركي، فان هذه الجزئية حظيت بزخم اعلامي لم يتأت لتقرير "سيتي" ولا لغيره أن يحظى بمثله. وهو زخم اعلامي بالغ في أثر هذا التحول في خريطة الطاقة العالمية على دول الخليج بالتحديد، وقال نصف الحقيقة، ولكنه لم يقل الحقيقة كاملة.

التقرير يشير الى وصول إنتاج الولايات المتحدة من النفط إلى 11.1 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020 قبل ان يتراجع إلى 9.2 ملايين برميل يومياً عام 2035. بينما يشير الى أن انتاج السعودية سيكون 10.6 ملايين برميل يومياً في 2020 لكنه سيرتفع إلى 12.3 مليون برميل يومياً بحلول 2035. أي ان السعودية ستستعيد لاحقا مكانتها كأكبر دولة منتجة للنفط.

وترى الوكالة أن من شأن ذلك أن يزيد من اعتماد العالم بعد عام 2020 وبصورة مضطردة على دول "أوبك". وهذا يتناقض كليا مع ما ذهب اليه عدد من "خبراء" النفط العرب من أن التقرير يعني نهاية عصر النفط الخليجي وانتهاء الأهمية الاستراتيجية لدول المنطقة.

ويقول التقرير أيضا إن حصة "أوبك" من انتاج النفط العالمي ستنمو من معدلها البالغ حاليا 42 في المئة إلى 48 في المئة في عام 2020، وأن تخطي الانتاج الأميركي للانتاج السعودي هو حالة مؤقتة ناتجة عن زيادة إنتاج الغاز والنفط الصخريين، ولكن تدابير رفع كفاءة استهلاك الوقود ستؤدي إلى تراجع تدريجي لواردات الولايات المتحدة من النفط وأن ذلك سيحول أميركا الشمالية – لاحظ أن التقرير يشير هنا الى أميركا الشمالية التي تتضمن كندا والمكسيك أيضا - الى مصدر رئيسي للنفط قرابة عام 2030.

ويقول التقرير أيضا ان نمو استهلاك النفط في الدول الناشئة لاسيما الاستهلاك المرتبط بقطاع النقل في الصين والهند والشرق الأوسط، سيؤدي إلى أكثر من تعويض للخفض في الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبالتالي إلى زيادة ملموسة في استهلاك النفط.

مرة أخرى، لست أقلل في هذا العرض من خطورة استمرار هذا الاعتماد المفرط على النفط في اقتصادات الكويت وغيرها من دول منطقة الخليج، ولكني أكاد أجزم أن المخاطر المترتبة على تقلب أسعار النفط، ونمو الطاقات النظيفة والمتجددة، وتعظيم كفاءة استهلاك الطاقة تتجاوز في أثرها مخاطر أي نمو محتمل في قدرة الولايات المتحدة أو غيرها على إنتاج النفوط، تقليدية كانت أم صخرية أم رملية.

* أستاذ الاقتصاد - جامعة الكويت

back to top