الاقتصاد القديم يرد الضربة

نشر في 19-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-07-2013 | 00:01
مع تعافي الولايات المتحدة واليابان، بدأت الشروخ تظهر في البلدان الناشئة التي استمتعت، مقارنة بالبلدان المتقدمة، بمعدلات تحسد عليها من النمو الاقتصادي منذ عام 2008، كما تباطأ النمو في الهند إلى حد كبير في العامين الأخيرين، وقد تكون احتجاجات الشوارع الواسعة النطاق في تركيا والبرازيل نذيراً بأوقات عصيبة تنتظرهما.
 يوريكو كويكي في الآونة الأخيرة، بدأ تأثير الآبينوميكس (سياسات شينزو آبي الاقتصادية) على الاقتصاد الياباني يصبح ملموساً بشكل تدريجي، فقد تم تصحيح نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الربع الأول صعوداً إلى 4.1%، ليتجاوز بهذا توقعات السوق ويقدم إشارة قوية إلى أن الاقتصاد الياباني بدأ يتعافى أخيراً، بعد عقدين من الركود. وكان الإنفاق الاستهلاكي قوياً بشكل خاص، كما أظهرت الأجور علاظمات دالة على الحركة الصعودية.

ومن المتوقع علاوة على ذلك أن يعود خفض قيمة العملة، في أعقاب الجهود التي بذلها بنك اليابان المركزي لزيادة معدل التضخم السنوي إلى 2%، بفوائد ملموسة على المصدرين، ولو أنه من غير المؤكد بعد ما إذا كان خفض قيمة العملة قد يؤثر بشكل كبير في الميزان التجاري، ربما بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد. وقد حلت الطاقة الكهربائية الحرارية محل محطات الطاقة النووية في البلاد- التي توقفت عن العمل منذ زلزال شرق اليابان العظيم في عام 2011- وتعرضت فاتورة استيراد النفط والغاز لضربة قوية بسبب ضعف الين.

ويأتي إحياء النمو في اليابان في وقت يتسم بتفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي في قسم كبير من العالم النامي. على سبيل المثال، تشير إحصاءات التبادل التجاري الخاصة باليابان لشهر مايو إلى أن صادراتها إلى الولايات المتحدة ازدادت بمعدل لم يقل عن 10% مقارنة بنفس الفترة في العام السابق، إلى نحو 5.1 تريليونات ين ياباني، في حين تباطأت الصادرات إلى الصين، لتبلغ 4.8 تريليونات ين ياباني. والواقع أن الولايات المتحدة تجاوزت الصين باعتبارها سوق التصدير الرئيسي لليابان، مع تعافي الاقتصاد الأميركي أيضاً بعد نصف عقد من التباطؤ.

وفي الصين، على النقيض من ذلك، ارتفعت الصادرات في مايو بنسبة 1% فقط مقارنة بنفس الشهر من العام السابق- وهي أدنى نسبة منذ يوليو الماضي- في حين هبطت الواردات بنسبة 0.3%. كما انخفضت الصادرات الصينية إلى اليابان بنسبة 5.7%، في حين تراجعت صادراتها إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنسبة 1.6% و9.7% على التوالي، واستمر الهبوط لثلاثة أشهر متوالية. ونتيجة لهذا فقد استمر الفائض التجاري في الهبوط، حتى بلغ 20.4 مليار دولار، مما أثار قلقاً متزايداً إزاء احتمالات حدوث تباطؤ في الصين.

ويبدو الانحدار في الصين مفاجئاً: فقد كانت صادراتها في ارتفاع بمعدل لا يقل عن 10% كل شهر هذا العام حتى شهر مايو. والواقع أن حالة الاقتصاد الصيني الحقيقية كانت محتجبة لفترة طويلة، ولكنها تكشفت الآن بعد فرض قيود تنظيمية أكثر صرامة على أنشطة مثل المضاربات في تداول العملة المحلية الرينمينبي والمتنكرة في هيئة مدفوعات تجارية. وبشكل خاص، كان نموذج "النظامين المختلفين في بلد واحد" الذي تبنته الصين سبباً في تمكين المصدرين إلى مستودعات الجمارك في هونغ كونغ من الاعتياد على الإحصاءات التجارية المبطنة. وعلاوة على ذلك فإن الصادرات الصينية أحيانا ما يطرأ عليها زيادة لمواجهة تراجع كميات البضائع التي يتم شحنها من الموانئ.

والسبب بسيط: فالشركات تستفيد من الإعفاءات الضريبية أو التخفيضات على المنتجات التي يتم تصديرها، وبالتالي، فعندما كانت الشركات في الوطن الأم تتعامل فيما بينها، فإنها كانت تصدر إلى هونغ كونغ أولاً ثم تستورد مرة أخرى إلى البر الرئيسي، الأمر الذي أدى إلى التعامل مع مثل هذه المعاملات باعتبارها تصديراً.

على سبيل المثال، زادت التجارة في إقليم غوانغ دونغ وفي هونغ كونغ في الربع الأول من عام 2013 بنسبة 91.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. كما حدثت زيادة مفاجئة في الصادرات عبر منطقة التجارة الحرة في غوانغ دونغ. وبعد تدخل السلطات التنظيمية في مايو، ارتفعت الصادرات السنوية إلى هونغ كونغ بنسبة 7.7% فقط، وهو انخفاض حاد مقارنة بالزيادة التي بلغت 57% في شهر أبريل.

وتبدو الأوضاع الاقتصادية في الصين مهيأة للمزيد من التدهور. ذلك أن الاستثمارات الهائلة التي أطلقت في المناطق الداخلية من الصين كجزء من برنامج التحفيز الحكومي في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 تحولت الآن إلى عبء وبدأت تظهر على نحو متزايد كديون معدومة على الموازنات العمومية للبنوك في البلاد.

والصين ليست وحدها في هذا التعثر الاقتصادي. فعلى نطاق أوسع، ومع تعافي الولايات المتحدة واليابان، بدأت الشروخ تظهر في البلدان الناشئة التي استمتعت، مقارنة بالبلدان المتقدمة، بمعدلات تحسد عليها من النمو الاقتصادي منذ عام 2008. كما تباطأ النمو في الهند إلى حد كبير في العامين الأخيرين، وقد تكون احتجاجات الشوارع الواسعة النطاق في تركيا والبرازيل نذيراً بأوقات عصيبة تنتظر البلدين.

على مدى أغلب السنوات الماضية منذ بداية القرن الحادي والعشرين، كان ارتفاع أهمية الأسواق الناشئة- ومعها إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية- من الأمور المسلم بها، ولكن اليوم، تُظهِر المؤشرات في الدولتين الأضخم اقتصاداً على الطراز القديم- اليابان والولايات المتحدة- علامات الحيوية المتزايدة. وتسعى اليابان إلى إحياء اقتصادها من خلال سياسات شينزو آبي الاقتصادية. والآن يُبنى الطريق إلى التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة على ثورة الغاز الصخري، واستعادة قطاع التصنيع لحيويته، وانخفاض العجز في الموازنة الأميركية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

يبدو أن الاقتصاد "القديم" بدأ يعود إلى دائرة الضوء. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يصبح قريباً أحدث صيحة مقبلة.

* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي في اليابان سابقا، ورئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان سابقا، وعضو البرلمان الياباني حالياً.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top