يا عزيزي كلنا فاشيون

نشر في 18-06-2013
آخر تحديث 18-06-2013 | 12:52
 باسم يوسف "أيوه بقى يستاهل"، "علمنا عليهم"، "خللي أي حد يظهر في الشارع وحيشوف حيحصله إيه".

كانت هذه هي العبارات الأكثر أدباً التي تداولها من يفترض أنهم ليبراليون أو على الأقل أنصار الدولة المدنية بعد ضرب بعض النشطاء الإسلاميين الذين توجهوا إلى وزارة الثقافة "لتمكين" الوزير من الدخول وأداء عمله، لم تكن هذه أول مرة، فقد تكررت هذه المواقف في موقعة المقطم، ومن قبلها في المواجهات مع أنصار أبوإسماعيل في الإسكندرية.

في واقعة وزارة الثقافة وما قبلها خرج "الإخوان" والسلفيون يسخرون من العلمانيين أنصار الحرية والحوار والديمقراطية، والذين الآن يتفاخرون بالعنف والشتيمة و"الضرب على القفا".

والحقيقة لو أنك سائح تزور مصر مدة يوم واحد، ورأيت هذه الأحداث ستنحاز إلى رأي الإخوان، لسان حالك سيقول: "أمال مثقفين إيه، وحوار إيه وديمقراطية إيه، والمثقفون يلجأون إلى العنف، بل ويتفاخرون بانتصارهم في خناقات الشوارع".

ده لو أنت سائح، ده لو أنت هنا ليوم واحد، ده لو أنك تحكم على هذه الحادثة بمعزل عن بقية الأحداث.

منع موظف عام من أداء وظيفته خطأ، ضرب من ذهب هناك ليناصره خطأ، لكن ألم تنس عزيزي السائح ما حدث من قبل في هذا البلد؟ وما الذي أوصل الليبراليين العلمانيين اللطاف الظراف إلى هذه المرحلة من العنف بل ومن الفاشية؟

عزيزي السائح، من يهاجمون المعتصمين عند وزارة الثقافة هم أنفسهم الذين صفقوا وهللوا بل وشاركوا في حصار المحكمة الدستورية العليا، ومنعوا من هم في أعلى مناصب السلم القضائي من الدخول وتأدية عملهم لفرض دستور كتب في الليل على الشعب.

عزيزي السائح، لدينا سلطة رئاسية غضت الطرف عن حصار القضاء وحصار الإعلام، ولم تحاسب أنصارها على الضرب والتعذيب في موقعة قديمة اسمها الاتحادية.

عزيزي السائح، عندنا رئيس وعد بجمعية تأسيسية متوازنة لدستور يرضى عنه الجميع، وليس مجرد دستور يصوت عليه بنعم لأنه مع الشريعة.

لدينا رئيس وعد من عصروا على أنفسهم الليمون بمشاركتهم في الحكم وبفريق رئاسي من كل الطوائف، لكنه بدلاً من هذا وضع رجال جماعته في كل مكان في الدولة، واكتفى بفريق رئاسي متنوع لزوم الديكور، فتركه الجميع بمن فيهم ممثلو حزب النور السلفي.

المحصلة النهائية أن لدينا رئيساً وجماعة خالفوا كل وعودهم، فلم يبق للناس غير الشارع، فنزلت الجماعة وأذنابها إلى الشارع فضربت وعذبت وحاصرت ومنعت، فلم يبق للناس إلا مبادلتهم العنف بالعنف والكراهية بالكراهية.

لدينا جماعة فاشية تظن أنها أرقى وأحسن من بقيتنا، تظن أنها لولا مشروعها وجماعتها لانتهى الإسلام، فتحول خصومها إلى فاشيين بدورهم يتمنون رجوع هؤلاء للسجون، بل والخلاص منهم بأي طريقة ولو كانت بالدم.

عزيزي السائح، لم نكن كلنا كذلك من قبل، بل إن الكثير من هؤلاء الفاشيين الجدد دافعوا عن "الإخوان" وعن حقهم الديمقرطي في السلطة، بل وخرج منهم البعض ليطالبوا الجيش بتسليم السلطة إلى مجلس الشعب المنتخب ذي الأغلبية الإسلامية.

لكن حين تكون لديك جماعة تحابي أفرادها حين يمارسون العنف، وسلطة تستخدم الغوغاء لتعطيل القضاء والقانون، ورئيس يظهر في مؤتمرات شعبية حنجورية، يتصدر فيها أرباب الإرهاب السابقون وقاتلو السادات، وحين يستخدم هذا الرئيس سلطته ليخرج بعفو رئاسي من قتل المفكرين، ومن أدين في عمليات إرهابية ضد الوطن فأنت أمام رئيس وجماعة وسلطة ارتضت لنفسها العنف كمنهج، والتعذيب كوسيلة، والاستقواء بالإرهابيين كأسلوب حياة، فلا تتعجب حين يتحول بقية شعبك إلى فاشيين متعطشين إلى الدماء.

المشكلة أن مظاهر الكراهية والتربص لم تعد محصورة بين اتجاهين سياسيين، فاللعبة الخطيرة التي لعبها الإخوان من أول يوم، وهي تصدير الدين واستخدام الشريعة كحجة لتمرير مشروعهم، انقلبت ليس فقط عليهم بل على قطاع كبير من المتدينين.

هل تذكرون حين كان يتم التحرش بالصحافيين الأجانب، لأن السلطة أوعزت للبسطاء أنهم سبب كل المصائب وأنهم جواسيس وعملاء؟

الآن ضج الناس بسياسة الحكومة، ولم يعد الغوغاء يفرقون بين "الإخوان" والمشروع الإسلامي وبين الملتزم دينيا، فالأداء الاقتصادي السيئ ونقص الضروريات جعل الناس يوجهون غضبهم ضد الملتحين وضد المنتقبات، لم يحدث ذلك في أسوأ أيام مبارك، بل كان العامة يتعاطفون معهم ضد اضطهاد الحكومة.

هل رأيت سائقي «الميكروباص» وهم يتحرشون بالملتحين، ويلفظونهم من عرباتهم؟ هل سمعت الكلمات الجارحة ضد المنتقبات، وآخرهن والدة شاب سلفي يعمل مذيعاً في قناة أمجاد السلفية، حيث تحرش بها وضربها غوغاء في شارع السودان، وهم يلعنون مرسي و"الإخوان"؟

أرأيت ما فعله رئيسنا المتدين الملتحي عزيزي السائح؟ لقد تسبب في نشر الكراهية بين الناس على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع.

هذه يا عزيزي النهاية الطبيعية حين تخلط الدين بالسياسة.

فربما تستطيع حصد أصوات البسطاء بتقديم نفسك ممثلاً أوحد للدين، وتقنع الناس بأن خصومك ضد الله ورسوله والشريعة، لكن حين تفشل في الوفاء بوعودك سينفجر الغضب فيحرقك ويحرق من استقويت بهم، بل ربما يصل الأمر إلى توجيه الغضب إلى مظاهر الدين وممثليه، فأنت ارتضيت أن تحط من أمر الدين باستعماله كوسيلة لكسب لعبة السياسة القذرة، فالآن لا تندهش أن ينحط الناس في تعاملهم مع الدين.

وبعد أن كانت الفاشية صنعة وأسلوباً وهوية، يتميز بها المتاجرون بالدين لإقصاء الآخرين من السياسة، أصبحت الآن الفاشية هي هوايتنا وأسلوبنا جميعاً.

هنيئاً لك سيادة الرئيس وهنيئاً لجماعتك فقد نجحت في توحيد الشعب على الكراهية والبغضاء والعنصرية.

يا عزيزي لقد أصبحنا كلنا فاشيين.

 

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top