تقرير اقتصادي : زيادة القرض الإسكاني وبدل الإيجار تعمق أزمة السكن الخاص

نشر في 10-01-2013
آخر تحديث 10-01-2013 | 00:03
No Image Caption
معالجة غير دقيقة تتعامل مع قشور الأزمة بعيداً عن أصلها
• المطلوب إنجاز 10 آلاف وحدة سكنية وتحرير 5% من أراضي الدولة
اعتمدت لجنة الشؤون التشريعية في مجلس الأمة الأسبوع الماضي اقتراحين نيابيين لزيادة القرض الإسكاني من 70 إلى 100 الف دينار، فضلاً عن رفع قيمة بدل الإيجار من 150 الى 250 دينارا، وأحالتهما الى مجلس الأمة الذي يُتوقَّع ان يصوت عليهما بالموافقة قريبا، خصوصا في ظل مزاج عام لدى عدد كبير من النواب لمنح مزايا مالية للمواطنين كما تبين اقتراحاتهم في المجلس الذي لم يمر على انعقاده اكثر من شهر.

هذان الاقتراحان استندا إلى فكرة ان معالجة الأزمة الإسكانية تنحصر في الجانب المالي فقط، وهي معالجة غير دقيقة تتعامل مع قشور الأزمة لا اصلها، إذ تستوجب المعالجة الحقيقية لهذه الأزمة اليوم القيام بمشروع دولة متكامل يستهدف حل ازمة متعاظمة لـ101 الف اسرة كويتية مسجلة في سجلات الرعاية السكنية، ثلثها تراكم خلال السنوات الخمس الأخيرة، عندما قفز عدد الطلبات الإسكانية من 70 الفا الى 101 ألف طلب اسكاني، الأمر الذي يكشف جانباً من الضغط الذي يسببه تنامي عدد السكان في الكويت (مرتبطاً بصغر الأعمار) على الخدمات الأساسية للدولة وأهمها السكن.

وحسب التوقعات ففي عام 2016 ستبلغ الطلبات الإسكانية 120 الف طلب غير مستوفى، وحتى في حال تنفيذ مشروعي الخيران والمطلاع فسيتراجع عدد الطلبات الى 100 الف، بمعنى ان الآلية الحالية في التنفيذ لن تحل الأزمة بل ستجعلها متراكمة اكثر فأكثر، فضخ السيولة في ظل ندرة الأراضي سيزيد طبيعة الأزمة الإسكانية، لترتفع الأسعار على اكثر من صعيد، كأسعار المنازل والمواد الأساسية والأيدي العاملة، فضلاً عن الإيجارات التي ارتفعت خلال 5 اعوام ايضا بما يوازي 40%، لذلك فإن اي حل للأزمة الإسكانية يجب ان يأخذ في الاعتبار مجموعة من الحلول، اهمها:

- ضرورة أن تلتزم الحكومة بتوفير 10 آلاف وحدة سكنية سنويا، وهو ما من شأنه أن يؤدي الى تقليص عدد الطلبات الاسكانية من ناحية وتراجع قيمة المنازل التي بات سعر الواحد منها يستنزف ميزانية الأسرة الكويتية بالديون لنحو 15 عاما، اذ يصل سعر المنزل المتوسط في الكويت إلى نحو مليون دولار، وهذا مبلغ باهظ على ميزانية اي اسرة، ولا شك ان زيادة القرض الاسكاني سيرفع قيمة المنازل، بالضبط كما حدث في اوائل التسعينيات عندما ارتفعت قيمة القرض من 54 الفاً الى 70 الف دينار، دون اعطاء حل جوهري لمشكلة السكن التي تحولت اليوم الى ازمة.

- بناء 10 آلاف وحدة سكنية سنويا، هو عدد ضخم يستوجب البدء بتحرير اراضي الدولة بنسبة 5%، خصوصا أن المخصص للسكن منذ نشأة الكويت حتى اليوم لا يتجاوز 5%، مما يعني ان تحرير هذه النسبة سيتيح لنا بناء كويت جديدة - عمرانيا على الأقل - ولذلك يجب الا يكون هذا الموضوع معلقا بين الرعاية السكنية وشركة نفط الكويت ووزارة الدفاع، بين اخذ ورد، بل يجب ان يكون صاحب القرار حاسما تجاه هذا الموضوع للبت فيه وتوفير اراض سكنية بشكل تدريجي.

- لتغطية الوحدات السكنية الجديدة والتحكم في اسعارها من الارتفاع يجب فتح مجال التنافسية في سوق المواد الانشائية واعطاء رخص اكثر للاستيراد، والتعهد بشراء المنتجات الاسمنتية ومواد البناء الاخرى من المصانع الموجودة في السوق الكويتي لتحفيزها على زيادة الانتاج، لان الطلب العالي مقارنة بالكميات الحالية من السلع سيؤدي إلى ارتفاع الاسعار، مما يزيد كلفة الوحدة الاسكانية وهو امر يمكن السيطرة عليه.

- حل الأزمة الإسكانية يستوجب انشاء مدن للعمال بشكل سريع باعتبار العمالة واسعارها جزءاً اساسياً من الازمة، فالعمالة الخاصة بالبناء اليوم تكلف – في ظل عدم وجود احصاء علمي- ما بين 40 و60 الف دينار، وهو رقم مرتبط بالندرة في الايدى العاملة الماهرة، وهنا تبرز اهمية استقدام العمال ومدنهم لتسريع العمل في اي مشروع اسكاني حقيقي.

- تطبيق الضريبة العقارية على الشركات المستحوذة على السكن الخاص، وهو امر معلق بسبب البيروقراطية الحكومية بين وزارتي المالية والعدل، فمن غير المعقول ان يكون السكن الخاص مجالا للاستثمار والثراء على حساب المواطن، فهو من الخدمات الاساسية للدولة، ويمكن ان تكون هناك منافذ للشركات للاستثمار فيها عبر البناء او التمويل لا عبر الاستملاك والاحتكار.

- اصدار بنك التسليف سندات تمويل لتغطية المبالغ التي تحتاجها الوحدات السكنية الجديدة، مع اشراك القطاع الخاص في التمويل والتنفيذ، وهنا لن تكون لدينا مشكلات في توفير السيولة، فحسب دراسات حكومية فإن بنك التسليف بحاجة الى ما يوازي 3 مليارات دينار كي يتمكن من ضخ سيولة عالية في السوق تمكِّن الراغبين في الشراء او البناء من الحصول على التمويل الحكومي، فضلاً عن التمويل المصرفي من البنوك، اذ تشكو البنوك اصلا شح الفرص التمويلية، وهنا يمكن تحريك القطاع المصرفي، كونه سيقوم بالتمويل على محورين، الاول للأفراد والثاني لشركات البناء والمواد الاساسية وغيرهما.

- انشاء المدن الحدودية وتشجيع الناس على الإقبال عليها من خلال جسور ومرافق وبنية تحتية متكاملة، فلهذه المدن فوائد امنية سيادية، إذ تثبت احقية الكويت على اراضيها في المستقبل، وكذلك تحل جانباً مهماً من الأزمة، خصوصا ان الكويت دولة صغيرة الحجم يمكن التنقل فيها من الجنوب الى الشمال في 75 دقيقة.

الطريف ان الوعود الحكومية في اطار حل الازمة الاسكانية كثيرة ومملة، الا ان الاكثر طرافة هو ان الحكومة وعدت ارباب الاسر في بداية الثمانينيات بأن تبدأ توزيع القسائم في مدينة الصبية بحلول عام 1987، واليوم مواليد 1987 بعضهم بات من ارباب الأسر ومازال يسمع بمدينة الصبية والرغبة في بنائها!

حل أي ازمة في الكويت ومنها الأزمة الاسكانية ليس بضخ الأموال وزيادة الإنفاق بل بوجود ارادة حقيقية وإدارة قادرة على الإنجاز، فمن ينجز الأهداف يكافئ ومن يخفق يرحل.

back to top