أوباما يتجاوز خطوطاً حمراء كبرى في سورية!
بعد أن تجاوزت الحكومة السورية، على ما يبدو، خط الأسلحة الكيماوية الأحمر وأشرفت على قتل ما يفوق الثمانين ألف شخص من دون أن تحصل على ردّ فعل من الولايات المتحدة، فهل من خطوة قد يقدِم عليها الأسد تدفع أوباما إلى التدخل بعدائية أكبر؟
لا يُعتبر الحاكم السوري المستبد بشار الأسد القائد الوحيد الذي يتجاوز «الخطوط الحمراء» في الآونة الأخيرة، فقد تخطى الرئيس الأميركي باراك أوباما بعضها، وإليكم ثلاثة منها:1 - تجاوز أوباما خطاً أحمر بتأكيده وجود خط أحمر أخفق لاحقاً في التعامل معه. فقد بات واضحاً لحلفاء الولايات المتحدة اليوم، بما فيهم المملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل أن نظام الأسد استخدم كميات صغيرة من الأسلحة الكيماوية ضد خصومه. ومن المرجح أن إقدام النظام على هذه الخطوة يعود في جزء منه إلى رغبته في امتحان رد فعل الغرب، وقد أخفق الغرب حتى اليوم في الإعراب عن أي رد فعل مناسب.عندما أعلن أوباما أن استخدام (أو حتى نقل) الأسلحة الكيماوية غير مقبول، وعندما أخبره خلفاؤه أن هذه الأسلحة استُخدمت على الأرجح، كان عليه أن يتخذ الخطوات الضرورية لحماية هذه الأسلحة، أو تعزيز دعم المعارضة، أو فرض منطقة حظر جوي على أجزاء من سورية، لكن أوباما يتحرك ببطء شديد في هذا المجال، ولا شك أن الأسد يستخلص العبر من تردده.2 - تجاوز أوباما أيضاً خطاً أحمر بإخافة الحلفاء بسبب تردده. لا تزال الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم، ويتطلع أصدقاؤها إليها لتأخذ القيادة، لكن المملكة العربية السعودية، والأردن، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، وحتى المملكة المتحدة وغيرها من القوى الأوروبية لا تفهم سبب تردد أوباما في زيادة تدخله في الأزمة السورية. (ملاحظ إلى أنصار العزلة المستائين: لا يعني التدخل بالضرورة التدخل العسكري... شكراً)، فقد حاول الحلفاء طوال أكثر من 18 شهراً الضغط على أوباما بغية تقديم الأسلحة والتدريب للمعارضة السورية، إلا أن البيت الأبيض ما زال يرفض هذا الالتزام.زار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، واشنطن في 13 مايو للتشاور مع أوباما في الشأن السوري، غير أن كاميرون وجد نفسه في موقع غريب، إذ تحول إلى لعب دور الليبرالي المؤيد للتدخل في وجه سياسة أوباما الخارجية الواقعية التي تغالي في الحذر. وقد ألمح كاميرون في أحد تصريحاته خلال مؤتمر صحافي مشترك إلى استيائه، قائلاً: «يُكتب تاريخ سورية بدم شعبها، ويحدث ذلك أمام ناظرَينا». لكنه كان يعنى بـ»ناظرَينا» «ناظرَي الولايات المتحدة، فيدرك كاميرون جيداً أن الولايات المتحدة وحدها تملك الثقل الدبلوماسي والعسكري الضروري لتبديل مسار التاريخ السوري. نعيش في عالم تعمه الفوضى: يكره حلفاء الولايات المتحدة إدارة جورج بوش الابن لأنها أملت عليهم ما يجب فعله، أما اليوم، فيعبّر هؤلاء الحلفاء عن استيائهم من إدارة أوباما لأنها ترفض تقديم أي اقتراحات.3 - كذلك تجاوز أوباما خطاً أحمر إضافياً بالسماح لإيران بمواصلة تعدياتها في سورية (ولبنان) من دون أي رادع. يُعتبر الإيرانيون حلفاء النظام السوري الأكثر أهمية. صحيح أن أوباما تبنى موقفاً متشدداً من إيران، موقفاً أكثر تشدداً من أي رئيس أميركي منذ أن تسلّم الملالي المتطرفون السلطة عقب الثورة الإسلامية عام 1979، ولكن عندما سنحت في مستهل الانتفاضة السورية فرصة كبح نفوذ إيران بدعم القوات المناهضة للأسد (قبل أن يستغل الإسلاميون المتشددون الفرصة للسيطرة على المعارضة)، لم يتخذ أوباما خطوات حاسمة. ولا بد من أن الإيرانيين يكوّنون فكرة عن مدى استعداد أوباما لمواجهتهم، ومن المؤكد أن هذه الفكرة تختلف كل الاختلاف عما يريده هو.ما عاد أمام أوباما في سورية خيارات جيدة، كانت خياراته أفضل قبل سنة ونصف السنة، فقد قدمت سورية في مطلع الانتفاضة لإدارة أوباما فرصة فريدة. في مصر، لم تكن في مصلحة الأمن القومي الأميركي الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، إلا أن رحيله يتلاءم مع قيمنا. أما في سورية، فينسجم إسقاط الأسد مع قيمنا ومصالحنا على حد سواء. حتى اليوم، لا يتطلب الجهد الأميركي إنزال جنود على الأرض، وقد يجعل كلفة دعم الأسد عالية جداً بالنسبة إلى إيران، لكن يبدو أن البيت الأبيض عموماً لا يفهم هذه الحسابات.وهنا ينشأ السؤال: اليوم، بعد أن تجاوزت الحكومة السورية، على ما يبدو، خطّ الأسلحة الكيماوية الأحمر وأشرفت على قتل ما يفوق الثمانين ألف شخص من دون أن تحصل على ردّ فعل من الولايات المتحدة، فهل من خطوة قد يقدِم عليها الأسد تدفع أوباما إلى التدخل بعدائية أكبر؟أخبر أوباما مجموعة من المراسلين: «حين يتأجج الغضب»، من الصعب «إعادة الأمور إلى ما كانت عليه». لكن المخجل في هذا التصريح أن التدخل الأميركي كان باستطاعته أن يكبح هذا الغضب لو أنه جاء في مطلع الأزمة، ولكن بعد أن خرج الوضع اليوم عن السيطرة، صار وقف عمليات القتل في سورية بالغ الصعوبة.