حوار الطرشان: رياح التغيير (3)

نشر في 26-01-2013
آخر تحديث 26-01-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان * استولى أصحاب "اللباس الخاكي" فيما مضى على مفاصل الحكم في بعض الدول العربية، وبهذا الاستيلاء القسري استطاعوا أن يبسطوا سلطانهم وينشروا ثقافتهم، ثقافة الاستبداد التي أسست للظلم.

وبذاك الاستيلاء وهذه الثقافة عمّت سماء تلك الدول غيوم سوداء ملبدة بكل شيء غير "الغيث"، فانتشر الفساد بجميع أشكاله في دواوين الوزارات ودهاليز المؤسسات الحكومية نتيجة لاستغلال النفوذ، واستعراض القوة، وفرض "أخلاق العبيد" على ذهنية الشعوب.

وبتعاقب الأيام ودوران الليالي أضحى الحق باطلاً؛ لأن الألسن أُلجمت، والعقول كُبلت، والرعب عمّ كل مكان وسكن كل بيت، وهرول في كل شارع.

والعسكر الذين دالت لهم الأمور ليسوا سوى "بذرة" سامة لا جذور لها إلا أنها استطاعت أن تبعث الخوف في نفوس الشعوب التي أوحى لها الرعب الساكن بين حنايا ضلوعها أن جذور تلك النبتة غائرة في التراب؛ الأمر الذي يجعل من اجتثاثها ضرباً من ضروب الخيال.

* إلا أن "الغارس" الجاثم خلف البحار يستطيع ذلك، فهو الذي غرسها وسقاها بجهد وعرق المستضعفين، وسوّرها بالجور والظلم والاستبداد لكي يجني ثمارها ويأكل من طلعها.

فالنبتة التي غرس بذرتها ليس لها جذور، وهو يعلم أنها نبتة شيطانية، والنبت الشيطاني لا يمكن أن يكتب له الاستمرار، لأن مذاق ثماره إذا طال الأمد أصبح مسموماً.

بناء عليه قام العملاق الجاثم هناك، بتنصيب مراوحه الضخمة جداً لتدور شفراتها بأقصى سرعة لتهبّ رياح التغيير على تلك الدول من أقصى الشمال، فتطاير النبت الشيطاني في السماء وكأنه لم يغرس قط.

فاستبشرت الشعوب المستضعفة بهذا التغيير الذي اعتقدت أنها الفاعل الرئيس على مسرحه، فأخذت تجوب الشوارع وتطلق الهتافات وترفع الشعارات المحملة بالمصطلحات الكبيرة.

فالشعوب منتشية لدرجة تصل إلى حد الثمالة، الأمر الذي جعلها أقرب للفوضى منها إلى النظام.

إلا أنه وبعد فترة ليست بالطويلة، بدأت تظهر لنا نبتة أخرى مغايرة لتلك التي تم اجتثاثها، نبتة تم غرس بذرتها من قبل ذاك العملاق أيضاً، لأن الأخير على الدوام يريد أن يجني الثمار التي تساعده على إنعاش اقتصاده.

تفتقت البذرة الجديدة، وبانت معالمها للبعض الذين أدركوا أنها أشد سمومية من سابقتها، فهذه البذرة ادّعت وتدّعي وستدّعي، أنها تحمل الفكر الشمولي الذي يستوعب جميع الأفكار، وبالتالي فإنها ستفكر عنك وتنطق بدلاً منك، لأنها تمتلك الحقيقة المنجية من كل شر.

وامتلاك الحقيقة يعني بالضرورة أن الفكر الوحدوي الذي يجري في عروق النبتة الجديدة، لا بد له أن يسود، ولن يكون له ذلك ما لم يقم باجتثاث كل معارض، وإقصاء كل مخالف، وقتل كل فكر يمكن أن يهدد الحقيقة التي يملكها.

مبرر تلك الوسائل التي يقوم بها، أن غايته البعيدة إنقاذ البشرية من الشرور التي ستؤدي حتماً بهم إلى التهلكة، حسب ادعائه.

* محصلة القول: المواطن العربي لن يخرج من حقل التجارب، فقد سبق أن اكتوت قدماه في الرمضاء الحارقة، وبالتالي لن يضيره أن يستجير بغيرها، على سبيل التجربة، ليس إلا... والسلام.

back to top