«تتكسّر لغتي»... قول على قول (1)

نشر في 21-04-2013
آخر تحديث 21-04-2013 | 00:01
 آدم يوسف تتأرجح كتابة السيرة الذاتية بين ضفتين، تبدوان متباعدتين تماما، وبالتالي، يصعب خلق توازن بينهما، تتمثل الأولى في تقريرية الحدث التاريخي، ومن ثم السرد الذي يبدو مملا في بعض الأحيان، أما الضفة الأخرى فتتمثل في اللغة، وانزياحاتها، وعوالمها المليئة بالمباغتة، وخلق الصورة، وإفساح مجال للتخييل، وإذا لم ينجح كاتب السيرة في خلق توازن، والإبقاء على ذلك الخيط الرفيع، فإنه يصعب عليه اجتذاب القارئ، وإبقاء خياله يقظا مستذكرا ما قرأه، ومعايشا الحدثَ، حتى بعد انقضائه بعدة عقود.

"تتكسر لغتي... أنمو"، ذلك هو كتاب الشاعرة الزميلة نجمة إدريس، وهو نوع من كتابة السيرة الذاتية غير المكتملة، فالشاعرة مازالت في أوج عطائها، وإسهامها في المجال الثقافي، حتى وإن تراجعت اهتمامات كتابة النص الشعري، على حساب المقال الأدبي، وغيرها من الأمور، بحسب ما يبدو لنا، إلا أن نشر أجزاء من هذا الكتاب تتابعا في صفحات "الجريدة"، وعلى مدى اثنتي عشرة حلقة متتالية جعلني أتوقف عند أمرين أشرت إليهما بداية، فقد نجحت نجمة إدريس في سرد الحدث التاريخي ابتداء من أوائل خمسينيات القرن الماضي - لحظة الميلاد – وبزوغ نجم الحياة، مرورا، بنهوض ذلك الطائر، واكتساء ريشه، ومن ثم تحليقه عاليا، حتى فضاء البعثة الدراسية في لندن، والعودة مرة أخرى إلى الحرم الجامعي، وممارسة مهنة التعليم، وبين هذا وذاك تتلوّن القصيدة، وتتخلّق عبر "طقوسها" الخاصة، وأفلاكها، ومداراتها.

لم أشعر لحظة متابعتي لهذه المقالات أنني أمام سيرة ذاتية تقريرية لأحداث تاريخية، اجتماعية وسياسية، أو حتى أدبية، بل ينتابني شعور بأنني إزاء نص أدبي، بكل ما تحتمله الكلمة من معنى، وما تختزنه من اشتراطات التمييز اللازمة بين نص إبداعي، وآخر لا يعدو كونه خطابا أدبيا أو تاريخيا، حتى وإن اتشح برداء "السيرة"، أو غيرها من المسميات.

لقد استحضرت نجمة إدريس كامل عدّتها، وعتادها الشعري، وهي تكتب هذه الأسطر/ المذكرات، حتى غدا النص الذي بين أيدينا ذا جمالية خاصة، ترتكز على لغته، ذات البلاغة التصويرية، فجَنَبات المكان، ومشاعر الإنسان، وتصورات الحياة، ونموّها شيئا فشيئا في الكويت على مدى أربعة عقود متتالية، نجدها في المقالات، تصويرا سريعا والتقاطات متتالية، بعدسة تعلم جيدا كيف تبقيك يقظاً، حائرا بين أن تتأمل حياة الناس بعامة في تلك المرحلة، أو تعود أدراجك إلى الشاعرة، وخصوصيتها التي لا تنفك، عن مجمل الحدث وإملاءات المرحلة الاجتماعية، وعادات الناس وتقاليدهم في كويت خمسينيات القرن الماضي، وما تبعها من سنوات.

في هذه المذكرات لا نجد ترتيبا زمنيا متعاقبا لمراحل نمو القصيدة، واكتمالها لدى الشاعرة، ولسنا نجد فصولا تتحدث عن دواوين بعينها، بقدر ما يكون الحديث عن مرحلة زمنية عامة متصلة بتطوّر القصيدة العربية ونموها جملة، لذا نجد الشاعرة تتحدث عن قصيدة النثر، والمرحلة التي رافقت ظهور ديوان "طقوس الاغتسال والولادة"، ولكنها ما تلبث أن تعود إلى قصيدة التفعيلة، وحضورها مرة أخرى، وبين هذا وذاك، نجد حديثا عن تطور الوعي الشعري في الكويت، وأرباب الشعر العمودي، متمثلا في تلك الأسماء التي تحظى باحترام كبير، من أمثال أحمد السقاف وخالد سعود الزيد، وعبدالله العتيبي.

وتُفصح نجمة إدريس عن جيل آخر مواكب لهذه الأسماء ورافد لها من حيث تأسيس قصيدة التفعيلة في الساحة المحلية، ويتجلى ذلك في تجربة الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وبعده تأتي الشاعرتان جنة القريني، وغنيمة زيد الحرب، وهما مجايلتان للشاعرة نجمة إدريس، ولقد كان هذا الجيل الأخير يمثل صوتا مؤمنا بقصيدة التفعيلة، وداعيا إلى التجديد، وإن لم يكن ذلك صراحة، وإنما يتمثل في الأمسيات الشعرية، وإصراره على قراءة النص التفعيلي جنبا إلى جنب، مع القصيدة العمودية.

بالتأكيد ليست هذه الأسماء وحدها ما يمثل المرحلة الشعرية إبان فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولكنني أمام استشهادات تتعلّق بسيرة ذاتية مختصرة، للشاعرة، استشهادات يمكن تسميتها "قول على قول" أو قراءة في مقال.

(يتبع)

back to top