تساؤلات شرق أوسطية حرجة بحاجة إلى ردود من هيغل الحالم!

نشر في 08-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-02-2013 | 00:01
No Image Caption
لم تكن جلسة الاستماع جيدة بالنسبة إلى هيغل، فقد شكك أعضاء «لجنة الخدمات المسلحة» بنواياه تجاه إسرائيل و«حزب الله» وإيران، ولكنهم لم يطلبوا منه الاستفاضة في الحديث عن نظريته القديمة بشأن ترابط أحداث الشرق الأوسط.
 Jeffrey Goldberg خلال الحملة الرئاسية الأميركية لعام 2008، أجريتُ مقابلة بشأن الشرق الأوسط مع باراك أوباما الذي كان حينها عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي. كان معظم نقاشنا نموذجياً ومتوقعاً، فقد كان يحاول إقناع بعض مؤيدي استعمال القوة ضمن الجماعات اليهودية الأميركية بأنه لا يحاول تقمص دور ياسر عرفات، لذا عبّر في مرحلة ما عن تقديره لإسرائيل باعتبارها معقلاً لليهود ودولة صديقة للولايات المتحدة.

لكن حين سألتُه عمّا إذا كان يعتبر إسرائيل عبئاً ثقيلاً على سمعة الولايات المتحدة في الخارج، طرح جواباً مثيراً للاهتمام. في البداية أجاب بالنفي مؤكداً أن إسرائيل ليست عبئاً على بلده، ثم أضاف قائلاً: "أظن أن هذا الجرح الدائم وهذا الألم الدائم يفسدان سياستنا الخارجية كلها. إن غياب الحل لهذه المشكلة يمنح عذراً للمجاهدين المتطرفين المعادين للولايات المتحدة كي يقوموا بأعمال غير مبررة، لذا لدينا مصلحة أمنية وطنية في حل هذه المشكلة، وأظن أن إسرائيل أيضاً لديها مصلحة أمنية في حلها لأن وضع المراوحة لا يمكن أن يستمر بحسب رأيي".

فور انتهاء هذه المقابلة، سارع أعضاء الحزب الجمهوري ممن ينتظرون فرصاً مماثلة إلى الهجوم، فاستنكر النائبان جون بوينر وإريك كانتور موقف أوباما. أصدر كانتور بياناً قال فيه: "من المؤسف فعلاً أن يعتبر السيناتور أوباما إسرائيل جرحاً دائماً" و"ألماً دائماً" وأن يظن أنها "تفسد سياستنا الخارجية كلها".

لم يكن أوباما يعني بكلامه إسرائيل طبعاً بل صراع الشرق الأوسط عموماً، لكن كنا وسط حملة انتخابية محتدمة، لذا لم تكن الحقيقة مهمة، فأصبح ذلك التصريح موضوع جدل مزعج طوال أيام، لكن يبدو أن ذلك الجدل منعني من إدراك أن أوباما طرح فكرة بدت غير مقبولة بأي شكل حتى في تلك الفترة.

نظرية «ربط الأحداث»

يبدو أن المعسكر الذي يشمل "الواقعيين" في السياسة الخارجية (لا شك أن أوباما هو واحد منهم) مقتنع بأن مفتاح سعادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، يمكن اختصار هذا الرأي بعبارة "ربط الأحداث".

تذكرتُ موقف أوباما حديثاً حين قرأتُ مقالة مقنعة بقلم خبير الشرق الأوسط مارتين كرامر بشأن آراء المرشح الذي طرحه أوباما لتولي منصب وزير الدفاع، السيناتور تشاك هيغل، وقد بدأت جلسة الاستماع إليه حديثاً. لم تكن جلسة الاستماع جيدة بالنسبة إلى هيغل. فقد شكك أعضاء "لجنة الخدمات المسلحة" بنواياه تجاه إسرائيل و"حزب الله" وإيران، ولكنهم لم يطلبوا منه الاستفاضة في الحديث عن نظريته القديمة بشأن ترابط أحداث الشرق الأوسط.

قال هيغل في عام 2006: "إن جوهر جميع التحديات في الشرق الأوسط لا يزال يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. وقد يؤدي الفشل في معالجة هذا السبب الرئيسي الكامن إلى السماح لـ"حزب الله" و"حماس" ومنظمات إرهابية أخرى بالاحتفاظ بالدعم الشعبي العربي والمسلم- هذا العامل لا يزال يُضعف موقع الولايات المتحدة في المنطقة وموقع حكومات مصر والأردن والمملكة العربية السعودية ودول أخرى يُعتبر دعمها أساسياً لإقرار أي حل في الشرق الأوسط".

في هذا السياق، كتب كرامر: "تشتق هذه المفردات ("جوهر المشكلة"، "السبب الرئيسي"، "الكامن") من المعجم النموذجي الخاص بترابط الأحداث، وهو يرفع أهمية الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مكانة بارزة". ثم تابع قائلاً: "هذا الصراع بالذات، وهذا الصراع وحده، هو الذي يعزز تنامي نفوذ الإرهابيين ويُضعف الحكومات الصديقة ويصعّب على الولايات المتحدة كسب تأييد العرب والمسلمين لدعم قضية محقّة".

«بحيرة هادئة»

كتب هايغل في كتابه الذي صدر في عام 2008 بعنوان "أميركا: فصلنا المقبل" (America: Our Next Chapter) أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "لا يمكن عزله عن الأحداث الأخرى، فهو كالحجر الذي يُرمى في بحيرة هادئة، ما يعني أنه ينشر تموّجاته على نطاق أوسع. تشعر مصر وسورية والأردن ولبنان بتلك التداعيات أكثر من غيرها. في مكان أبعد مثل أفغانستان وباكستان، كل ما يؤثر في الاستقرار السياسي هناك ينعكس أيضاً على القوتين الاقتصاديتين الناشئتين، الهند والصين".

أود سماع آراء هيغل حول هذا الموضوع لأن نظريته بشأن "ربط الأحداث" واقتناعه بأن تحرر الشرق الأوسط من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيجعل المنطقة أشبه بـ"بحيرة هادئة" ضعفت بشدة نتيجة الأحداث الحاصلة. من الضروري طبعاً أن نجد حلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وصحيح أن بعض الجماعات الإرهابية الإسلامية تستغل الصراع كأداة لتجنيد العناصر في صفوفها، لكن يعارض هؤلاء الإرهابيين أنفسهم عقد أي تسوية قد تسمح بنشوء دولتين (إسرائيل وفلسطين) تتعايشان جنباً إلى جنب، لأنهم يعارضون فكرة وجود إسرائيل. هم يحاولون إعاقة عملية السلام لأنهم يخشون أن تشرّع تلك العملية وجود بلد يكرهونه.

بغض النظر عن هذا التفصيل التقني، أثبتت السنتان الأخيرتان أن نظرية "ربط الأحداث" خاطئة جداً في مطلق الأحوال.

لننطلق في جولة سريعة في الشرق الأوسط الكبير، ماذا عن الحرب الأهلية السورية؟ لا علاقة لها بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ماذا عن تفكك اليمن بوتيرة بطيئة؟ لا علاقة له بذلك الصراع أيضاً. ماذا عن الفوضى وأعمال العنف في ليبيا؟ لا علاقة. ماذا عن الفوضى والأصولية في مصر؟ ما كان نشوء دولة فلسطينية في الضفة الغربية ليمنع إسقاط حسني مبارك وما كان ليمنع تنامي نفوذ "الإخوان المسلمين". ماذا عن الإرهاب في الجزائر؟ لا علاقة. ماذا عن برنامج إيران النووي؟ كيف يمكن أن يُقنع نشوء الدولة الفلسطينية النظام الإيراني بوقف مساعيه لكسب أسلحة نووية؟ ليشرح أحد هذا الأمر! ماذا عن الحرب الأهلية السنّية الشيعية في العراق؟ ماذا عن الاضطرابات في البحرين؟ ماذا عن المعاقل الباكستانية لفروع "القاعدة"؟ جميع هذه الأمور غير متعلقة بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

ما أهمية هذا التحليل؟ يجب أن يتحلى قادتنا بنزعة واقعية حقيقية (تختلف عن نزعة "الواقعيين") لفهم الأسباب الجوهرية للصراع في الشرق الأوسط. كيف يمكن أن يحمونا من التهديدات إذا كانوا لا يفهمون أسباب تلك التهديدات؟ أدت عقود من الحكم الدكتاتوري (حيث رضخت الحكومة الأميركية للوضع في حالات كثيرة وتولى الواقعيون توجيه سياستها الخارجية) إلى وصول الشرق الأوسط إلى وضعه الراهن، وقد تأثر الوضع أيضاً بمظاهر كراهية النساء، وضعف التعليم، والفساد، وتسييس الإسلام، والكره الطائفي.

يريد هيغل أن يرأس وزارة الدفاع الأميركية، أود أن أعرف ما إذا كان مقتنعاً حتى الآن بنظرية "ربط الأحداث"، الأهم من ذلك هو أنني أريد أن أعلم ما إذا كان أوباما لا يزال أسير هذا المفهوم الضبابي نفسه.

* صحافي في مجلة «بلومبيرغ فيو».

 

back to top