نحو خارطة طريق لتحقيق الاستقرار السياسي في الكويت

نشر في 13-02-2013
آخر تحديث 13-02-2013 | 00:01
No Image Caption
• المدخل إلى الإصلاح من خلال سلوك المواطن أولاً لا النظام الانتخابي

• ضرورة إعداد الميزانية بناء على أسعار واقعية للنفط

• ضريبة الدخل هي الوسيلة المثلى لخلق الأثر السيكولوجي لدى المواطن بتبعات الهدر المالي وأهمية ترشيد الإنفاق
 د. علي العبدالرزاق مع تزايد مساحة الحرية السياسية وتعاظم نفوذ البرلمان، خاصة في سنوات ما بعد التحرير، شهدت الساحة السياسية في الكويت وتيرة متصاعدة من حالات الاحتقان السياسي بين المجلس والحكومة.

ويعكس هذا التوتر في جوهره صراعا مزمنا بين طرفين هما السلطة ومراكز النفوذ التقليدية من جهة واطياف المجتمع الأخرى التي تعاني قدرا من التهميش من جهة أخرى.

وبشكل عام لا يدور هذا الصراع على خيارات التنمية, ولكن على اقتسام وتخصيص الريع النفطي الذي يتم عادة من خلال قنوات المالية العامة المختلفة مثل التوظيف والمناقصات والتثمين وتخصيص أملاك الدولة او من خلال القنوات التشريعية مثل قوانين الوكالات التجارية والقوانين التي تحد من المنافسة الوطنية في بعض القطاعات أو تحد من دخول المنافسة الأجنبية.

وقد تم طرح ونقاش العديد من الحلول للعلاج ركز بعضها على الإصلاح السياسي مثل تعديل النظام الانتخابي او المطالبة بتشكيل الأحزاب السياسية، وبعضها الآخر على اصلاحات اقتصادية ومؤسسية معينة مثل انشاء منظومة لمكافحة الفساد أو تطوير خطط عمل الحكومة ووضعها ضمن برامج انفاق ومتوسطة طويلة الأمد.

ورغم ان بعضا من هذه المقترحات قد يكون مفيدا وذا نتائج إيجابية، فانها بشكل عام حلول جزئية ذات آثار محدودة على المدى البعيد. في تقديري الخاص ان معالجة الوضع السياسي المتأزم يتطلب استراتيجية شاملة متناسقة الحلول تقوم على مبدأين اساسيين هما:

أولا: ان المدخل الى الاصلاح السياسي يجب ان يكون من خلال اصلاح سلوك المواطن أولا وليس عبر اصلاح النظام الانتخابي أو عبر تطوير أداء الحكومة. بالطبع لا أنكر أهمية الاصلاحات الهيكلية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ولكنها في ظل غياب وجود ضغط شعبي واسع القاعدة (grassroots support) فانها سوف تأتي مجزأة وبطيئة كما انها في حال اقرارها لن تكون فاعلة في تحقيق النتائج المرجوة.

ثانيا: ان إحداث التغيير المنشود في سلوكيات المواطن لن يتحقق بشكل ملموس الا من خلال تغيير إطار الحوافز. فرغم أهمية التعليم والتثقيف ونشر الوعي السياسي, فان المواطن في نهاية المطاف يظل عقلانيا في مسلكه، «وإن لم يكن بالضرورة مستنيرا» يسعى الى تحقيق منفعته الشخصية ويتجاوب من أجل ذلك مع إطار الحوافز القائم. ومن هنا فإن التغيير المنشود في سلوكيات المواطن يتطلب تغييرا لإطار الحوافز بحيث يتم تحميله بشكل مباشر ثمن اللامبالاة تجاه الأداء المتواضع والسياسات الخاطئة للحكومة  او الاختيار غير الصحيح لممثليه في البرلمان.

واذا ما تم الاتفاق على هذين المبدأين الأساسيين فإن الخطوة التالية هو تبني حزمة من الاصلاحات التي يمكن وضع مبادرتين رئيسيتين على رأس أولوياتها، هما:

1. تشريع انضباط المالية العامة (Fiscal responsibly rule):

مثل هذه التشريعات ليس بالحدث المستجد، فقد سنت دول كثيرة قوانين مشابهة تضع  ضوابط على الدين العام وحجم العجز السنوي أو الزيادة السنوية في الانفاق (في حالة دول الاتحاد الأوروبي، تضمنت بنود اتفاقية ماسترخت بنودا للانضباط المالي).  ولضمان نجاح مثل هذا القانون في حالة الكويت فقد يكون من الضروري أن يعاد النظر في فلسفة اعداد الميزانية. ففي ظل النظام الحالي يتم اعداد الموازنة العامة واحتساب الايرادات المالية المرتقبة باستخدام أسعار نفط متحفظة. وقد فقد هذا الأسلوب مبرراته منذ زمن بعيد مع زيادة الشفافية وتوفر المعلومات وهو ما انعكس في الماضي على توجهات نواب مجلس الأمة للمطالبة بزيادة الانفاق الشعبوي مع كل زيادة في أسعار النفط.

البديل المطلوب هو ان يتم إعداد الميزانية بناء على أسعار واقعية للنفط (مثل المتوسط الحسابي لسعر برميل النفط خلال الأشهر الستة التي تسبق اعداد الميزانية) على أن يتم تعديل مستويات الإنتاج النفطي تباعا للوصول الى حجم الانفاق المستهدف (وطالما أن ذلك الانتاج لم يتعد السقف الهندسي المطلوب).

2. نظام لضرائب الدخل على الأفراد:

رغم تعدد الخيارات وقنوات زيادة الايرادات غير النفطية (مثل ضرائب القيمة المضافة والواردات والرسوم على الخدمات العامة), فان ضريبة الدخل هي الوسيلة المثلى لخلق الأثر السيكولوجي المطلوب لدى المواطن بتبعات الهدر المالي وأهمية ترشيد الانفاق, كما أن ضرائب الدخل سوف تعالج مسألة العدالة الاجتماعية نظرا لطبيعتها التصاعدية.

المحصلة النهائية لمثل هذ النظام المالي الجديد هي تقييد الانفاق العام من خلال تحديد حجم ومساهمة الايرادات النفطية ومنع الاستدانة من الخارج أو من الاحتياطي العام (الا في حالات ضيقة محددة مسبقا) مما يجعل زيادة ضرائب الدخل على الأفراد السبيل الوحيد لتغطية العجز.

في ظل هذا النظام ستكون أية مطالب شعبوية طارئة أو أية بعثرة جديدة للمال العام من قبل الحكومة في أوجه صرف داخلية غير رشيدة أو في هبات ومساعدات خارجية غير مجدولة، أمرا سيحتم زيادة في حجم الضرائب أو خفضا في بعض بنود الانفاق الأخرى.

* خبير اقتصادي

back to top