التطرف والإسلام في الكتب (1-2) تفسيرات ملتبسة في عيون الغربيين

نشر في 06-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 06-08-2013 | 00:02
No Image Caption
غداة الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر 2001 الذي نفذته مجموعة من تنظيم القاعدة الـ «بن لادني»، ازدادت بشكل متسارع الكتابة عن الإسلام السياسي والتطرف. فبعد عام على الكارثة صدر بالإنكليزية أكثر من 300 كتاب ذات صلة بالموضوع، كلها تريد فهم التطرف وهويته وناسه ومنابعه. تمخض الهجوم الـ{بن لادني» على مركز التجارة العالمي في نيويورك عن طوفان التفسيرات في وسائل الإعلام الغربية والأسباب الكامنة وراء هذه الفعلة المرعبة. سرعان ما جرى ربط الهجوم بحوادث التفجيرات الانتحارية، وسيقت تفسيرات من منطلق نزعات معينة في التراث الإسلامي، خصوصاً مفهوم الشهادة حيث يتم الجمع بين الموت والقتل والاحتفال بهما.
في هذه المقالة سنعرض كتباً تناولت التطرف والإسلام في أوجهه المختلفة، ربما تعطينا صورة بينة عن التطرف في أشكاله المعقدة والملتبسة.
قبل أحداث 11 سبتمبر وطوفانها، كان كثير من الباحثين الغربيين مهتماً بالجماعات الإسلامية في مصر، وحتى في سورية وإيران، ولعل أبرز الكتب التي قرأناها في تلك المرحلة «الفرعون والنبي: التطرف الديني في مصر» للكاتب جيل كيبيل، يقدم فيه دراسة مطولة عن تاريخ الجماعات الإسلامية في مصر منذ ثورة 1952 حتى اغتيال الرئيس أنور السادات، ويستعرض أهم الشخصيات التي ساهمت في تكوين فكر الجماعات الإسلامية من حسن البنا إلى سيد قطب، ومن شكري مصطفى إلى عبدالسلام فرج وخالد الإسلامبولي.

يتميز جيل كيبيل بقدرته على قراءة التطور الفكري للجماعات الإسلامية في ضوء التغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري آنذاك، وابتعاده عن إطلاق الأحكام على أفكار منظري الجماعات الإسلامية جزافاً. ونظراً إلى محاولة الكاتب الإحاطة بالمحطات المهمة في تاريخ الجماعات الإسلامية، من دون التركيز على جانب معين من هذا التاريخ، فإن الكتاب يصلح أن يكون انطلاقة أولية لمن يرغب في التعمق والبحث في تاريخ تطور الحركات الإسلامية في مصر، خصوصاً أن فهم أفكار سيد قطب مثلاً أو حسن البنا أو غيرهما من قادة الحركات الإسلامية يستوجب معرفة الظروف التي أحاطت بنشأتهم والمراحل المكونة لفكرهم السياسي والإسلامي، وهذا الأمر يتطلب قراءة دقيقة للعصر الذي عاش فيه هؤلاء بما في ذلك ظروف اعتقالهم والأحداث التي شهدتها مصر والعالم آنذاك.

اشتهر كيبيل بعدة مؤلفات من بينها: {الجهاد. صعود الحركات الأصولية وأفولها}، ثم {الفتنة- حرب في قلب الإسلام}، ثم {القاعدة في نصوصها}، ثم {الإرهاب والشهادة}، وهو من المنظرين لنهاية الإسلام السياسي منذ بداية التسعينيات، لكن النظرية لم تكن على صواب.

أوليفييه

للباحث الفرنسي أوليفييه روا مجموعة من الكتب حول الإسلام الراديكالي ويأخذ في قضية التطرف منحىً توثيقياً مستنداً إلى تحليلات واقعية وجهد مثابر على خلفية تخصصه في دراسة الراديكالية الإسلامية وتنظيم القاعدة خصوصاً، وقد اقترب في استنتاجاته من جيل كيبيل حول نهاية الإسلام السياسي.

يرى روا أن الراديكالية الإسلامية نشأت جذوتها من المهاجرين من الدول العربية والآسيوية ممن كانوا يأملون بحياة أفضل مما في بلدانهم الفقيرة، وقد كان لهم ما أرادوا، ومن ثم تآلفوا مع تلك المجتمعات المضيفة واندمجوا بالواقع الجديد، إلا أنهم حجموا أنفسهم من الجانب الثقافي، أي بمعنى أنهم لم ينخرطوا في ثقافة الآخر، مما جعل لهم جغرافيات صغيرة محددة ضمن الحي أو المكان الذي يحوي تشابههم الديني، في حين تعارض ذلك مع جوانبهم القومية كونهم يتحدرون من جنسيات عدة، ففيهم الهندي والباكستاني والعربي والتركي والإيراني، عموماً الجامع الوحيد هو الرباط الديني، وهو تجمع تعرض للتقشير وباتت الامتيازات القومية أو العرقية شخصية ذاتية فردانية، وثمة تقشير آخر يتمثل بالثقافة أيضاً وهو المنحى الخطير في المسألة.

ويعتقد أوليفييه روا أن العولمة مزّقت، وستمزق أكثر، النسيج المجتمعي والقومي والثقافي والاقتصادي في بلدان العالم كافة، ما جعل الأفراد يبحثون بِنَهَم عن حلول خارج كلٍ من الجماعات القومية، والمؤسسات الدينية التقليدية، والثقافة.

هكذا، بدلاً من أن تقلّص نفوذ الدين في العالم، أسفرت العولمة عن إحيائه، لكن ذلك لم يتم دوماً بشكل إيجابي، فقد أدى بروز التطرف الأصولي إلى تفشي {الجهل المقدس}، وفق تعبير أوليفييه، وهو منحى معادٍ للثقافة والتعددية والديمقراطية، ويضع نفسه في صدام مباشر مع كل من الثقافة الحديثة والحضارات والأديان الأخرى، وهذا ما يُفسّر، برأيه، صعوبة فهم الظواهر الأصولية الجديدة وتحليلها.

 

برنارد لويس

 لم يشغل مفكر الكتّاب العرب مثلما شغلهم برنارد لويس بوصفه المستشرق الأشهر في العالم، ليس بسبب دوره العلمي، بل بسبب دوره السياسي، فلويس، أستاذ سابق لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، وأحد المنظرين لـ {المحافظين الجدد} وأستاذ لهم، وهذا ما يشهد به بول وولفوفيتس أحد أعمدة {المحافظين الجدد} عندما كان نائباً لوزير الدفاع الأميركي الذي قال فيه: {استطاع برنارد لويس أن يضع علاقات الشرق الأوسط في سياقها الرحب بموضوعية وأصالة... لقد علمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المهمّ والمركّب للشرق الأوسط، وكيف نهتدي به لتحديد وجهتنا التالية لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة... وفي الحرب ضد الارهاب}. لا شك في أن لويس أدى دور المنظّر لإدارة بوش الابن، والمساهم الرئيس في صياغة السياسات الأميركية تجاه المنطقة العربية، ولمجرد قربه من {المحافظين الجدد} انهالت عليه الاتهامات.

ليس برنارد لويس بريئاً من مواقفه، فهو يقول الأشياء كما يريد وكما يتوخى في السياسة، ثمة أمور يصيبها في مقتلها وثمة قضايا يقولها فيها تضليل، وتحتاج أفكاره صفحات بحد ذاتها.

 في كتابه {أزمة الإسلام} يعتبر لويس أن الخلافة الإسلامية التي تعرضت لتقلبات طوال التاريخ الإسلامي، ظلت رمزاً قوياً للوحدة الإسلامية والهوية الإسلامية، وقد كان لاختفائها، بفعل الهجوم المزدوج من الأمبرياليين الأجانب والحداثيين المحليين صدى واسع في أنحاء العالم الإسلامي. وهذه النظرة التعميمية للعالم الإسلامي ككل واحد متجانس هي التي تسود في الكتاب

يعتبر لويس أن معظم المسلمين ليسوا من الأصوليين، كما أن معظم الأصوليين ليسوا إرهابيين، لكن معظم الإرهابيين في عصرنا مسلمون ويفخرون بتحديد هويتهم على هذا النحو.

وإذا كان لويس يُرجع الإرهاب والتطرف إلى طائفة الحشاشين في التراث الإسلامي، فإن الفرق، حسب ما يقول، إن طائفة الحشاشين كانت في العصور الوسطى متطرفة بعيدة كل البعد عن الاتجاه الإسلامي العام، والأمر ليس كذلك بالنسبة إلى مقلديهم في هذه الأيام.

يقدِّر لويس في نهاية كتابه، أن الارهاب الإسلامي سيتصاعد بعد هجمات 11 سبتمبر ولن يقتصر على أميركا، فأوروبا الغربية أصبحت مقراً لطوائف إسلامية كبيرة وسريعة النمو، كما سيصطدم تنظيم القاعدة بالجماعات المرتبطة به، إن عاجلاً أو آجلاً. هذه النبوءة التي يختم بها لويس كتابه تعتبر تنظيم القاعدة الممثل الكلي للعالم الإسلامي، ويعيد ما بناه في مطلع كتابه من الصدام الثنائي بين الإسلام والغرب، ليصل إلى نهايته بحرب الإسلام ضد العالم أجمع وليس ضد الغرب وحده. ما يقوله لويس فيه قدر من التعميم ويجعل من كل شيء شبحاً يخيم على العالم، ربما يلتقي في افكاره مع جماعة الممانعة في الشرق الاوسط.

فرنسوا بورجا

الخبير الفرنسي فرانسوا بورجا، متخصص في علم السياسة ومدير أبحاث بمعهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي التابع للمعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي، هو مؤلف كتابي: «الإسلامية بالمغرب العربي: صوت الجنوب»، «الإسلامية وجهاً لوجه».

في كتابه «الإسلامية في زمن القاعدة»، يميّز بورجا بين أمرين أساسيين: عودة شعبية عارمة لنزعة التديّن الإسلامي ومئات الأشكال التعبيرية لأبناء الإسلام في المجالين السياسي والاجتماعي.

ويفرد فرانسوا بورجا الفصل السادس لتنظيم القاعدة وشرح أسباب تشدده وظهوره، ويتبعه بدراسة سير أربعة وجوه يعتبرها متشددة ساهمت في تأسيس هذه الحركة، انطلاقا من السيد قطب إلى المنفذ الرئيس لتفجيرات 11 سبتمبر 2001 محمد عطا. كذلك يتناول الكاتب تفسير التعاطي العاطفي المشحون لدى الغربيين ما يمنع الرؤية الموضوعية والتحليل العلمي النزيه.

النظرية الأساسية للكتاب هي أن تمرّد القاعدة في جوهره سياسي أكثر منه ديني، وأن {التطرف الإسلامي} يجرّ وراءه قليلا من التشدد الديني والظلامية، بقدر ما يجرّ كثيراً من الدفاع، غير المشروع أحياناً، عن المصالح السياسية والاقتصادية المغلفة بتعبيرات الهوية والانتماء الديني.

وينتقد بورجا {الإسلامولوجيين} الذين يفسرون صعود الإسلامية بالعامل الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي، فهؤلاء الإسلاميون - والقول له - ليسوا فقراء {منسيين من التنمية} فحسب، وليسوا {أغنياء} منغمسين في ثروة بترول يبددونها، ولا فتية أخرجتهم ديمغرافية غير متحكَّم فيها، ولا {بورجوازيين ورعين}، ولا {مثقفين}، ولا حتى {مدنيين} أو {عسكريين}، أو {رجال} مرضى بالذكورية ولا نساء مسحوقات مقهورات.

إنهم هؤلاء جميعاً، على تنوع شبيه بتنوع عوامل تعبئات أخرى نشأت كاستجابة ضد هذا الشكل أو ذاك من أشكال الهيمنة. وبناء على هذه الرؤية، يتنوع الإسلاميون في التعبير عن إسلاميتهم، لا بل يختلفون في ما بينهم أيضاً، ومن الواجب العلمي النظر إليهم جميعاً من دون أ استثناء.

ويعرب الكاتب عن تفهمه للانحرفات الإعلامية وخضوعها لضغوط المعالجات الأمنية، لكنه لا يقبل انخراط المتخصصين الأكاديميين في هذه {المناورات السياسية} ليصبح الكتاب والمنظرون والمفكرون في خدمة الاستخبارات المطلقة اليد.

ويتوقف عند حالتي كل من برنارد لويس وبرنار هنري ليفي، وكتّاب يتبعون سبيلهما، يتهمون الإسلام ذاته بأنه حامل بجنين العنف ومحرِّض عليه. وهو ما {اجتهدت (والقول لبورجا) طيلة الكتاب في بيان ضعفه وهشاشته}.

فالعنف، كما يفصله الباحث الفرنسي، ليس له عقيدة أو دين، ويوجد في كل الثقافات والأيديولوجيات والقوميات. ويكشف بورجا لعبة التوظيف وأداء دور كاسحات ألغام أو أرانب سباق التي يقبلها {أشباه} مثقفين لتشويه الصورة الإسلامية وعرقلة سيرها وتعميق الحفر في طريقها، مقدماً نماذج من هؤلاء في مشرق العالم العربي الإسلامي ومغربه، خصوصاً من الملحدين والمسيحيين واليساريين الماركسيين الستالينيين الذين ينطقون اليوم بلسان يميني فرنسي متطرف.

 كان فرانسوا بورجا، أحد أبرز الخبراء في الإسلام السياسي، يصرّ على رفض الأطروحة والمفهوم، ويرى أنّ الإسلام السياسي حركة هوية، ومرحلة جديدة في مواجهة الاستعمار مثلما طرح في كتابه الذائع الصيت {الإسلام السياسي صوت الجنوب}، فيما ظل عالِم الاجتماع آلان روسيون، الضلع الفرنسي الرابع في هذا الحقل، ينتقد هذه الأطروحة من دون أن يتبنى أطروحة بديلة.

 

عبد الوهاب المؤدب

يري المفكر عبد الوهاب المؤدب التونسي المولد في كتابه {أوهام الإسلام السياسي} أن عملية توطيد التطرف (الإرهابي) الإسلامي الذي بلغ ذروته في اعتداءات 11 سبتمبر، بدأت في نهاية عقد الثمانينيات بانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في إيران، والغزو السوفياتي لافغانستان.

ويرى أن نشأة هذا التطرف الذي لا تقلّ درجة تعصبه عن النازية لا يعود إلى أسباب من خارج العالم الإسلامي، مثل مشاعر المهانة والكراهية ضد الغرب بل يجب البحث عن الأسباب الرئيسة داخل المجتمعات الإسلامية ذاتها. ويعتبر ان الهجمات الانتحارية التي دمرت برجي مركز التجارة العالمية {ارتكبت باسم الإسلام، لكنها لا تمت بأدني صلة إلى تقاليد الإسلام ولا إلى حضارته}، بل هي ثمرة تطرف ديني ينطلق من تفسير حرفي للنص.

يرصد المؤدب المعوقات التي كبلت واقع العالم العربي والإسلامي، ويعتبر وضعيته الأسوأ في تاريخه، ويسعى من خلال منهج نقدي، رغم ما فيه من خطورة كونه ينصبّ على الذات وتعريتها، إلى تجاوز المقولة التي دأب على ترديدها، إن الآخر، أي الأجنبي، مسؤول عن تدهور أوضاعنا، وما آلت إليه أمور الشعوب العربية والإسلامية لدرجة فقدانها كل مناعة، عازياً ذلك إلى تكالب القوى الاستعمارية، منذ القرن الثاني عشر، أي من الصليبيين إلى المغول، مروراً بالأتراك، وصولا إلى الاستعمار الأوروبي، ثم إسرائيل وانتهاء بالإمبرالية الأميركية.

يقود هذا الموقف إلى البحث عن مكامن الداء، إذ يرفض المؤلف تغييب المسؤولية الذاتية، مؤكداً أن العرب جاؤوا بالإسلام إلى العالم بقوتهم المتضافرة مع مجهودات أخرى، ورفعوا الحضارة إلى أوج لم يبلغه قط أحد قبلهم. وإذا كان الإسلام ديناً وحضارة واجتماعاً وسلوكاً، فإن المسلمين تخلفوا عن إدراك كنه مبادئه وفضائله، ولقد حرص المؤلف على توضيح هذا التوجّه في المقدمة التي وضعها للترجمة العربية مؤكداً بقوله:

«فليس الإسلام هو أصل المصيبة، بل المصيبة هي ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام»، معتمداً في ذلك على تشريح الذات، وممارسة حرية التفكير والتعبير، لكي يتعامل مع ما يراه من طغيان وبؤس وجهل، ومؤكداً أن ما سيقترحه في ثنايا كتابه من آراء وحقائق قابلة للدحض، إلا أنه يرفض البقاء في دائرة الاقتناعات والأفكار الجاهزة.

روبرت رايلي

 

الدكتور روبرت رايلي، الأميركي الخبير في تاريخ الإسلام، يرى في كتابه {إغلاق العقل}، أنَّ سبب الإرهاب الَّذي يُلصق بالإسلام، ليس ظرفاً مادياً واقتصادياً، كالفقر والحرمان، وإنما هو خلل أصاب عقل بعض المسلمين نتيجة تطوّرات في الفكر الإسلاميّ منذ بداية القرن التّاسع الميلاديّ.

ويتساءل عن عدم حصول نهضة في العالم الإسلامي، كالَّتي حصلت في أوروبا إبان عصر النَّهضة، معتبراً أن ذلك يعود إلى تعطيل العقل ودوره في العالم الإسلامي، فلولا إعمال العقل وحبّ المعرفة والاكتشاف، لما تطوَّرت آفاق الإنسان وتوسَّعت مداركه ونتاجاته، بل كان ليبقى أسير البدائية والجهل، إذ إنَّ فضول الإنسان هو الدّافع الحقيقي وراء تقدّمه الحضاري والعلمي.

من جهة ثانية، يرى الباحث أنَّ إعمال العقل في البحث والمناقشة، يؤدي إلى زعزعة الإيمان التقليدي، وبالتالي ليس مستغرباً أن نسمع اليوم فتاوى غربيَّة يتغذى عليها الإرهاب والتطرّف، كما يقول.

ويلقي الباحث اللوم على العالم الإسلامي، لفشله ليس كدين سماوي، وإنما لسيره في طريق الانتحار الثقافي والفكري الذي حصل قبل أحد عشر قرناً.

مع ذلك، فثمة مسلمون يعرفون علّة المشكلة وعلاجها، ولكن لا أحد يصغي إليهم ويدعمهم ويحميهم، ثمة معركة قائمة داخل الإسلام ذاته، يحاول الباحث أن يفهم أبعادها ونتائجها، معتبراً أنَّ المشكلة الأساسيّة كانت في علم الإلهيات والأديان، بمعنى قواعد الفهم المبكرة التي انطلقت لمقاربة المفاهيم الإسلاميّة وتعاليم القرآن، وهو ما أدى إلى إغلاق عقل المسلم وتكبيله.

ويستنتج في نهاية المطاف أن الإرهاب الذي يسمّي نفسه إسلامياً، هو نتاج واضح لإغلاق عقل المسلم، وبالتالي تخلّفه. وهذا الإغلاق، بحسب رايلي، بدأ مع مدرسة الأشاعرة التي حرمت الواقع من النمو والتطور العلمي، معتبراً أنَّ المسلم اتكالي لا يثق بقدرته، وهو ما أدى إلى الجمود، فمنح الأولوية للعقل كشرط ضروري وأساسي للتقدم الحضاري والسّياسي.

ويرى المؤلف أنه لولا فلسفة الأشاعرة وحربهم الضروس على مدرسة المعتزلة العقلانية، لما تم تعطيل العقل وشلّ الفكر.

عما أخذه الإسلام السياسي من الغرب، يرى رايلي أن ثمة تشابهاً بين بعض الأفكار في الأيديولوجيات الشموليَّة الغربيَّة والأشعريَّة في الإسلام، على سبيل المثال التشابه بين فلسفة الأشاعرة وفلسفة نيتشه في تمجيد الإرادة الخالصة لله وأداتها وهي القوة عند نيتشه، فإذا كانت الأولوية للإرادة والقوة، قد يؤثر ذلك سلباً في الواقع، لأن العقل مغيّب عن إدارته.

تشومسكي

إذا كان برنارد لويس في تطرفه يجد المشكلة في الإسلام ويعتبر أن القاعدة تمثله، فثمة رأي يعارض أميركا في كل شيء مثل عالم الألسنيات نعوم تشومسكي الذي ذهب بنفسه إلى باكستان ليعاين الهجوم الأميركي عن قرب على أفغانستان، وشهد بأم عينه أول آثار القرار الذي أصدرته الأمم المتحدة في تشرين الأول 2001 المعروف بـ {القرار 1373} الذي وصفه تشومسكي آنئذ بأنه القرار الأكثر إجراماً في تاريخ العالم.

وفي كتاباته المتلاحقة، آخرها {أميركا المستبدة}، يعتبر تشومسكي أن السلوك الأميركي في العالم هو الذي يولّد الإرهاب، وأن هذا الإرهاب دليل على فشل السياسة الأميركية الخارجية حيال كثير من المسائل والقضايا الإقليمية والدولية، محمّلا بريجنسكي، مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي، المسؤولية، إذ كان وراء مبادرات الدعم السري الكبير للمجاهدين الأفغان في {حرب مقدسة} ضد الروس والتي وصلت إلى القاعدة نفسها التي تتهمها واشنطن بأنها وراء أحداث سبتمبر، ما وضعها أمام مفارقات أمنية أحرجت أجهزة الأمن والاستخبارات والـ {سي آي إيه} وطرحت تساؤلات جوهرية حول مقولة التفوّق الأمني الأميركي.

لعبة الشيطان

تتحدث كتب كثيرة عن دور الغرب في صناعة التطرف، من بينها {لعبة الشيطان} للصحافي الأميركي روبرت دريفوس المتمحور حول دور إسرائيل والولايات المتحدة في صنع التيارات الإسلامية المتشددة، من الاخوان المسلمين إلى القاعدة وطالبان بل وحتى {حماس}.

ويورد الكاتب قصة التقارب أو العلاقة السرية بين إدارة ريغان قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية وبعدها، مع الحكومة الإسلامية في إيران إلى حد التعاون بين المخابرات الأميركية وإسرائيل لدعم إيران في حربها مع العراق أو تصدير أسلحة إسرائيلية إلى إيران بما عُرف حينها بـ {إيران غيت}. إلا أن ذلك لم يكن حباً بآيات الله وبطريقة حكمهم أو الشعارات المعادية التي يرفعونها، بل لإطالة أمد الحرب وتشجيع إيران على الاستمرار بها لتحقيق الأهداف التالية: إنهاك العراق وتبديد قواه باعتباره أحد أكبر مصادر التهديد لأمن اسرائيل. إشغال الإيرانيين بالحرب ومنعهم من تحقيق أهدافهم التي أعلنوها حول ضرورة تصدير الثورة الإسلامية إلى البلدان العربية الأخرى، ما يهدد مصالح أميركا والغرب واسرائيل. المهم بالنسبة إلى أميركا أن الثورة الإيرانية ستشجع نزعات التمرد وتنشر الحس الإسلامي في دول وسط آسيا الداخلة في الاتحاد السوفياتي، فيتم تدمير الاتحاد السوفياتي بتشجيع شعوبه الإسلامية على التمرد والانفصال، وتلك كانت أكبر الاهداف الغربية في فترة ما يسمى بالحرب الباردة. تلك هي مادة الفصل التاسع بعنوان {جحيم آية الله}.

هذا غيض من فيض من كتب غربية لا تعد ولا تحصى تتناول التطرف والإسلام، وكل مؤلف له نظريته وتفسيراته في موضوع ملتبس تتداخل فيه الفلسفة بالدين والتخلف والاستخبارات والأنظمة.

back to top