حوار الطرشان: المنبوذ (2)

نشر في 13-04-2013
آخر تحديث 13-04-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان  قلت بشجاعة تخفي وراءها خوفاً دفنته بين الضلوع، من أنت؟ وماذا تريد؟

قال والحياء يلعثم لسانه، ألم تعرفني! قلت كيف لي أن أعرفك ولم يسبق لي أن التقيت بك، أو سمعت عنك!

تنهّد بحسرة، وقال أنا ذلك الشيء الذي أهملته قروناً طويلة حتى نسج العنكبوت عليه بيتاً، أنا من كاد الصدأ يأكله، فأنقذني ولك مني الرجاء.

قلت كيف لي إنقاذك يا هذا وأنا لا أعرف من أين أتيت، ولا علم لي بما تريد، فأفصح لي أكثر عن شخصيتك ولا تجهدني أيها "المتطفل"، فالوقت قد أزف كما ترى، فضلاً عن أن الاستيعاب لدي بطيء والفهم محدود.

قال أنا أعرف أن "ملكة التفكير" لديك معطلة منذ أمد، ومع ذلك فأنا من يستطيع أن يصعد بك عالياً محلقاً تنظر للأشياء من تحتك مفتخراً أنك سيدها، أنا من يجعلك تواكب التقدم والرقي من غير وجل أو خوف، أنا المجدد الذي إذا استعنت به أعانك على الأخذ بتراثك ما يعينك على وضع قوانين عصرك، وإن لم تستعن بقدراتي عن طريق منحي الفرصة الكاملة التي تنبغي لي، فإن ركب التطور سيمر عليك سريعاً من دون أن يكون لك فيه محل، فهل أنت عارفي!

في غرارة نفسي أظن ظناً كبيراً أنني عارف إياه، بل أنا متأكد من معرفته، ولست سعيداً بها، لأنها ستجلب لي المتاعب من ناحية، وتكدر صفو عيشي ورتابته من ناحية أخرى، نعم هو مرافقي القديم الذي إذا أعطيته الفرصة أتعبني، بل يهلكني خاصة عند أولئك الذين لا يحترمونه ولا يقيمون له وزناً، وأنا في حقيقة الأمر وواقعه رجل بسيط يؤثر العافية على الجهد والمشقة.

قلت له للأسف المر لا أعرفك، فأرجو أن تبين لي أكثر أيها "اللحوح اللجوج".

قال: أنا من تعرف به، ومن دوني تكون مسلوب الإرادة مهدور الكرامة معتم الرؤية، واقعاً في التيه الوجداني الذي لن تستطيع التخلص من حبائله إلا بمساعدتي، ساقطاً في هوة الظلام الدامس الذي حجب عليك كل شيء يدور حولك، فإن لم تجعلني نبراساً يضيء لك الدهاليز المظلمة فلن تخرج على الإطلاق، وببساطة متناهية أنا عندما أكون معك تكون "حيواناً عاقلاً" وبمعزل عني تكون الكلمة الأولى، فهل أنت عارف إياي؟!

قلت نعم أظن أني أعرفك كل المعرفة، ولكني أريدك أن تصدع بذلك، ليتبدد الشك.

قال أنا "عقلك" الذي ركنته في عالم النسيان سنين عددا، فأرجو أن تحررني من ذلك "القمقم" الذي وضعتني به، عن طريق إعطائي الفرصة لأجعل منك إنساناً تحسده الأمم المتحضرة على عبقريته.

قلت له أنا إنسان منضبط لا يستعجل الأمور، فدعني أفكر قبل أن أقرر، فضحك مني ساخراً، وقال كيف يمكنك التفكير وأنا خارج جمجمتك، أنت إنسان بلا عقل يا سيدي.

نهرته قائلاً، اسمع أيها المتفذلك، أنا أفكر منذ أمد بعيد بواسطة عاطفتي، ودليل ذلك أنني أستطيع أن آكل وأشرب وأنام، كما أنني أستطيع أن أستدل على منزلي، وأنا سعيد بذلك، أما ملكة التفكير التي تدعيها أنت، فأنا تارك إياها لغيري، فذاك يفكر ويعمل ويدافع بالنيابة عني، أنا راض كل الرضا بهذا الصنيع، لأنني أعلم علم اليقين أنني لو سلمتك قيادي فلن أعرف عاقبة أمري وسوء منقلبي، فأنا كما أسلفت بسيط يؤثر العافية، فأرجو منك أن تعود إلى "القمقم" الذي خرجت منه بلا إذن مني، ارجع قبل أن أقوم بطردك لأني أستطيع العيش من دون الحاجة لمثلك.

قال المارد بل أرجعني حيث كنت أيها المتخلف لأكمل نومي الطويل، رجع المارد إلى مكانه ونام، ونمت تبعاً لذلك... والسلام.

back to top