أرض الحب والألم

نشر في 01-05-2013
آخر تحديث 01-05-2013 | 00:01
 زاهر الغافري أن ننام تحت نافذةٍ مفتوحةٍ والكرسيّ يتنزهُ قربنا بلا ضوء. أن نرى في المرآة أطياف أولئك العابرين إلى الضفة الأخرى.

أنْ تكون الحُجْرةُ باردة والممشى أطول مما نظنّ. أنْ نشّم رائحة التراب قبيل المغيب وننسى ثم نتذكر أن سحابةً مضيئة مرّتْ أمام أعيننا. أن يأتي الموت خفيةً ليغفو قليلاً أمام محراب الجمال. أنْ تتكأ الأشجار على ظلالنا ويبرعم الليل فوق جسدٍ ميّت.

أنْ تكونَ الطريق بيتَ العزلة والذاكرة باب الريح. أنْ تقودنا أرضُ اللا أحد إلى الحرّية. أنْ تكون الخطوة دليل الحنين والعتبة أرضاً مليئة بالأشواق.

أنْ تكون الجولة الأخيرة قبل الموت صمتاً. أن يأتي هذا الصمت كغفوة الغريق. أن يذهب الجميع وتبقى الراهبة وحدها في الدير كملاك الندم.

أيضاً أن نرى في المرآة رمادَ أُمهاتنا.

أنْ ندوس - سهواً - على مشطِ حبيبةٍ ميتّة.

أن تلمع الخسارةُ كدينارٍ من الفضة لكي نشتري الصبر.

أن أولد من جديد كأنني كنتُ ظلكِ ومرآتكِ. وكنتِ مائي في الحياة والموت. أنْ أصغي إليك ثم أقول: عمتِ مساءً فأغطّيك بياسمين الصباح لكي لا تنكسر أعمدة السماء.

أنْ أكون أكثر قسوة مما كنتُ فأدفع الباب باتجاهك وأنتِ تضحكين ببراءة من لا يعرف غير الغفران وأنا غير المعصية. أنْ تكوني في أحلامي معنى الليل والضوء والرغبة. أنْ أقودك إلى سفح الجبل ويبقيني الدهرُ خادماً فأمكثُ. أن يكون لون النوم أقرب إلى عريك الأبيض. أنْ لا أجيء من الغابة فأرى من بعيد الضوءَ يرتعش في شعرك الأسود، فأكون يتيماً وأعزل.

أنْ تحملني نغمتك الشفيفة إلى شتاء المسافرين، فأكون منفياً بين الثلوج.   

كنتِ كما تفتح القوقعةُ أمومتها أمام البحر، كما تولد الغمازة على مرأى الطبيعة.  

لم أعرف أبداً غير رماد الحطب في الليل. النار أضاعت مفاتيح أحلامي كما أنني لم أعرف سوى إشارات قليلة عن الغيوم، تلك الغيوم العابرة، مع ذلك أظنها ستمطر هذه الليلة في روحي. أريد صخباً عالياً، أريد حقولاً من الضوء، أمكنة جديدة أحبها ثم أهجرها، كما يحدث دائماً. أنا رجل متعب. أوهامي تتقدمني، والأشياء تختفي أمام عيني كلما حاولت لمسها. أنزل إلى الساحة فأرى البشر يتقدمون دوماً الى الأمام بسرعة وبخطى واثقة.

لا أحد يتوقف، لا أحد لديه وقت للتفكير، لا أحد ينظر إلى الوراء، فيما أنا أفكر بحيواتي الماضية، بالنثار الرمادي البارد الذي يغطي هذه المدينة ويغطي العالم أيضاً. لقد جاءت الحرب، لقد قُصفتُ في نومي، لقد مات صديقي الموسيقي أديب عيسى بانفجار في الدماغ عندما عرف أن الحرب في الطريق، لقد توقفت الموسيقى، لقد عادت دودة الشقيقة إلى الرأس، لقد أصبح الشارع فارغاً وأنا أقفُ أمام باب المحطة، وأفكر كيف استطاع بول ايلوار أن يضع جناحين ملونين لفتاة صغيرة، طارت بهما مدة يوم واحد فقط.

back to top