حوار الطرشان: جدل بين أبناء عم

نشر في 30-03-2013
آخر تحديث 30-03-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان في مكان ما قد يكون على خريطة الفكر وقد لا يكون، جمعت المصادفة بين "حمار إنسي" و"حمار وحشي".

وعند المواجهة بادر الإنسي ابن عمه السلام، وبعد تردد ملحوظ ينم عن غطرسة وأنفة رد "الوحشي" عليه السلام ببرود.

تعجب الإنسي من طريقة سلام ابن عمه، فقال مستفهماً! لِمَ كل هذه العجرفة والتعالي بعد هذا الغياب الطويل؟ ولِمَ كل هذا الغرور وأنت لا تختلف عني إلا بخطوطك المرسومة على جسدك؟

تراجع "الوحشي" خطوتين إلى الوراء بزهو، وقال: إن البون شاسع والفرق واضح بيني وبينك، فأنا الحر وأنت العبد، والمسافة بين الحرية والعبودية مليئة بالنضال والتضحية التي يعجز عن قطعها من استبدت بهم "أخلاق العبيد".

فكيف لي أن أرد على سلامك، وأنت في نظري عبد ذليل رَتَع من رياض الذل أزمنة طويلة حتى زان له البقاء فيها، الأمر الذي جعل الذل يُعرف بك وتُعرف به.

يحملون عليك، ويمتطونك، ومع هذا وذاك لا يقيمون لك وزناً ولا يبينوا لك احتراماً، لأنك في نظرهم ذليل وضيع وستظل.

كيف لي أن أرد على سلامك وأنت الذي قال عنه الشاعر...

ولا يقيم على ضيم يسام به

إلا الأذلان حمار الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته

وذا يشج فلا يرثي له أحد

فأنا رمز الحرية بالنسبة لك وممثلها والطامح إلى تحقيقها، لأن الحياة بلا حرية حياة بلا كرامة، ومن لا كرامة له هو والعدم سيان.

فإما أن تزيل الضعف من داخلك وتنتفض لحريتك، وإما أنك تبقى بعيداً لا يربطني وأنت سوى جدنا القديم.

ولما انتهى- قال "الحمار الإنسي": أنا عبد وراضٍ تمام الرضى عن العبودية التي أعيش أسيراً بين براثنها، لأن العبودية تضمن لي حياتي، وتوفر ما أسد به رمقي من الفتات الذي يرميه عليَّ أسيادي بين الحين والآخر، فلا أموت جوعاً من ناحية، ولا تهدد سلامتي من ناحية أخرى.

فهذه هي حياتي التي اعتدت عليها وأسلافي من قبلي، نؤثر العافية ونتحمل الظلم من أجل السلامة ولاشيء غير السلامة.

... أما أنت أيها المتحدث عما "يسمى بالحرية" أين هي وفي أي مكان تكون؟ حيث بحث عنها أسلافي قبل الانفصال، فلم يجدوا سوى خوف دائم، واستقرار مضطرب، وهروب إلى الأمام، ليس لديكم من الأسلحة غير حوافركم التي لم تسعفكم من مخالب الأسود وأنيابها، لم تتقدموا خطوة في ساحات الصراع المفروضة عليكم فرضاً، فهزائمكم متكررة ومآسيكم متجددة، أضف إلى ذلك أن الوحوش كلما أتاها نذير الجوع هبت عليكم لتقتل أحدكم، ليكون وجبة لها ولأشبالها، وباقي العظام تأكلها الضباع المتطفلة.

إن حريتك مزيفةٌ، وادعاءك كاذبٌ، ونضالك والتضحية مجرد حديث سمار أرادوا به تمضية وقت فراغهم الطويل.

تفرق أبناء العم؛ الأول إلى حريته المزعومة. والآخر، إلى عبوديته المرغوب فيها... والسلام.

back to top