السلوك الانتحاري... مرض قابل للعلاج؟

نشر في 08-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-06-2013 | 00:01
No Image Caption
تشير الأدلة المستخلصة من دراسات دماغية وجينية إلى ضرورة أن نعتبر السلوك الانتحاري مرضاً بحد ذاته. قد تساهم هذه الخطوة في تجنب حالات الانتحار.
هل يمكن أن يكون السلوك الانتحاري مرضاً فعلاً وليس مجرد سلوك ينجم عن اضطراب مزاجي؟

تزداد الأدلة التي تشير إلى وجود نقاط شبه مدهشة في أدمغة الأشخاص الذين يميلون إلى الانتحار. لكن تختلف تلك الخصائص عما نشاهده في أدمغة الأشخاص المصابين باضطرابات مزاجية وماتوا لأسباب طبيعية.

أدت تلك الدراسات إلى إدراج {اضطراب السلوك الانتحاري} للمرة الأولى ضمن أحدث نسخة عن أهم مرجع في مجال طب النفس (ولو في الملحق): إنه {الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية} الصادر أخيراً. يشمل الملحق مواضيع لها ثقلها وتتطلب أبحاثاً إضافية ليتم إدراجها بالكامل في النسخ المستقبلية.

حتى حقبة الثمانينيات، كان الأشخاص الذين يحاولون الانتحار يُعتبرون محبطين. لكن لم يفسر ذلك التعريف عدم وجود أي تاريخ من الأمراض العقلية في 10% من حالات الانتحار. بدأ هذا الرأي يتغير حين كشفت عمليات التشريح خصائص لافتة في أدمغة الأشخاص الذين انتحروا، مثل تغييرات بنيوية في المناطق المرتبطة بصنع القرار (بغض النظر عن الاضطراب الذي أصابهم، وحتى لو كانوا غير مصابين بأي اضطراب عقلي على الإطلاق).

تبقى الأبحاث معقدة بسبب قلة العينات الدماغية أو غياب أي نموذج حيواني للانتحار، لكن بدأت الفكرة القائلة إن السلوك الانتحاري يترافق مع معطيات بيولوجية خاصة تكسب زخماً متزايداً. تزداد الدراسات التي تركز على بعض التغييرات الكامنة وراء سلوكيات مماثلة.

على سبيل المثال، حين يبدأ أشخاص أُصيبوا باضطراب ثنائي القطب وحاولوا الانتحار بأخذ الليثيوم، يميلون إلى وقف تلك المحاولات حتى لو لم يؤثر الدواء على عوارضهم الأخرى. يشير ذلك إلى أن الدواء قد يؤثر على الممرات العصبية المرتبطة بالميول الانتحارية.

يتحدث غوستافو توريكي من جامعة ماكجيل في مونتريال، كندا، عن وجود عوامل بيئية عدة تسبب تلك التغييرات في أدمغة الأشخاص الذين يميلون وراثياً للانتحار، ما يرفع احتمال تبني هذا السلوك في نهاية المطاف.

مؤشرات جينية

في دراسة عن الأدمغة الانتحارية هذا الشهر، وجد فريقه 366 جينة تتسم بمجموعة مختلفة من مؤشرات مرتبطة بالتخلق المتوالي (تحولات كيماوية تنجم عن ضغوطات بيئية وتشغّل الجينات أو تعطّلها) وتكون مغايرة عن تلك الموجودة في أدمغة الأشخاص الذين يموتون لأسباب طبيعية. تبقى النتائج معقدة لأن عدداً كبيراً ممن ينتحرون يعانون اضطراباً عقلياً. لكن يعتبر توريكي أن الانتحار، وليس المرض النفسي، كان المؤشر الأبرز على التغييرات المرتبطة بالتخلق المتوالي.

تدعم دراسات أخرى الاقتراح القائل إن الجينات تؤثر على خطر الانتحار. على سبيل المثال، وجدت دراسة عن أشخاص متبنّين حاولوا الانتحار أن أقاربهم البيولوجيين كانوا أكثر ميلاً بست مرات إلى الانتحار من أفراد عائلتهم بالتبني.

في نهاية المطاف، قد تسمح المؤشرات البيولوجية لأطباء النفس بتوقع المرضى الأكثر عرضة لمحاولة الانتحار. قد ينعكس ذلك على طريقة اختيار العلاج المناسب لكل مريض بحسب قول جان فاوسيت من جامعة نيو مكسيكو في ألباكركي. قد لا يصف الأطباء مثلاً مضادات الاكتئاب لأن بعضها يزيد خطر الانتحار وفق الأدلة المتوافرة.

يعتبر ديفيد شافر من جامعة كولومبيا في نيويورك أن اضطراب السلوك الانتحاري هو محور نظام معايير نطاق البحث الذي اقترحه المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية كمعيار تشخيصي بديل عن {الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية}. بدل تشخيص حالة الأفراد المصابين باضطراب معين مثل الاكتئاب، يريد المعهد تشخيص المرض النفسي ومعالجته استناداً إلى عوارض كل فرد ومعطياته الوراثية الكامنة والعوامل البيولوجية والعصبية.

في نهاية المطاف، يقول نادر بيرو من جامعة جنيف في سويسرا: {إذا اعتبرنا السلوك الانتحاري مرضاً، سنتمكن من القيام بأبحاث مستهدَفة. قد نتمكن بذلك من إيجاد العلاج المناسب للسلوك الانتحاري}.

back to top