الأزهر مؤسسة خدمت الأمة

نشر في 21-02-2013
آخر تحديث 21-02-2013 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري عندما أسس جوهر الصقلي الأزهر مؤسسة لنشر الفكر الشيعي الفاطمي لم يدُر في خلده أن صلاح الدين الأيوبي سيعمل على تحويله إلى مركز لنشر فكر أهل السنّة والجماعة... ولكن الأيام دول، كما يقال.  ولا يروي التاريخ أن الأزهر، كمؤسسة للفكر الشيعي قد قاومت السياسة الجديدة لصلاح الدين. ويبدو أنها قيَّمت الوضع الجديد في مصر فوجدت أنه "من الأفضل القبول به لأن موازين القوة تستوجب ذلك"، وهكذا كان، وأصبح الأزهر- حسب سياسة صلاح الدين- منذ ذلك الوقت مركزاً لفكر أهل السنّة والجماعة. ولا يروي التاريخ رجوعاً عن ذلك.

وسواء بقي الأزهر شيعياً أم تحول إلى مذهب أهل السنّة والجماعة، فإنه سيخدم اللغة العربية، لأن العربية لا اختلاف عليها، وكذلك علوم الإسلام عدا التاريخ، الذي هو أساس الخلاف بين الطرفين، وكيفية روايته هي التي تؤسس للفارق بينهما.

وأياً كان الأمر، فقد ظل الأزهر بمصر مرجعاً لعلوم العربية والإسلام تعود إليه الأمة في أوقات احتياجها. وكان مركزاً للمقاومة الوطنية ضد الوجود الأجنبي. ومنذ انطلقت شرارة المقاومة ضد الغزو الفرنسي لمصر. وكانت وقفات الأزهر هذه كمركز لأهل السنّة والجماعة، المنطلقة ضد الغزو الأجنبي تؤسس للتلاقي بين هذا الفكر الجماعي وبين فكر "المقاومة" الشعبية أو الوطنية.

هكذا تم اللقاء الحميم بين الطرفين، وهذا ما يجعل "التدخل الإيراني" أمراً مستغرباً بالنسبة للأزهر في وقتنا، إن إيران ترى إمكان تحويل الأزهر إلى مركز للفكر الشيعي، وهذه قراءة خاطئة. فما حدث في عهد صلاح الدين هو أن الانقلاب السياسي حدث أولاً، وكان من العمق والاتساع بحيث لم تجد المؤسسة الأزهرية- كمركز للفكر الشيعي- مجالاً لأي "مقاومة"، والمطلوب حدوث شيء قريب من ذلك، إذا أُريد للأزهر التحول عن مواقفه "العروبية"، وربما كانت زيارة الرئيس الإيراني لمصر تندرج ضمن ذلك.

وقد تألق الأزهر عندما تولى مشيخته الأستاذ الإمام الشيخ: محمد عبده الذي عمل على "التوفيق" بين العقل الإسلامي ومفهومات الفكر الغربي. وكانت مؤلفاته ضمن هذا الاتجاه تُعد من أسس "التنوير" الجديد. ويرى دارسوه أنه خلّف في الفكر اتجاهين يبدوان متناقضين. الاتجاه الأول تمثل في فكر طه حسين، والاتجاه الثاني تمثل في فكر محمد رشيد رضا، بين متحررين و"محافظين"، ويؤخذ على محمد عبده أنه في "رسالة التوحيد"- عندما أعاد طبعها، قد أزال كل ما يرتبط بالعقل إلا النزر اليسير. كما أن كتابه في الرد على الوزير الفرنسي هنانو من المراجع في الدفاع عن حضارة الإسلام وعلومه.

وقد طبع هذا الفكر الأزهري بطابعه وأثر فيه وكانت "فتواه" بجواز لبس القبعة- رغم أن غير المسلمين يرتدونها، كانت تعد من مظاهر فكرة التحرر.

وهو ما يزال المرجع لأي تجديد في الفكر الإسلامي، ويعد العصر الذي تولى فيه الأستاذ الإمام الشيخ: محمد عبده (العصر الذهبي الأول). وفي منتصف الثلاثينيات شهد الأزهر "إحياء" لفكر الإمام "محمد عبده" وكتب مصطفى عبدالرازق "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية"- وهو من الكتب الإحيائية المهمة- وكانت الدعوة إلى "التوفيق" بين العقل والإيمان التي دعا إليها أيضاً الباحث في الفكر الإسلامي أحمد أمين في كتبه التأسيسية "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، و"عصر الإسلام". وكان الفارس المجلي لهذه الدعوة الإحيائية التوفيقية- بنفس تحرري- عباس محمود العقاد الذي كتب "عبقرية محمد" وتبعها بسلسلة العبقريات عن عمر- رضي الله عنه- وأبي بكر، والإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنهم أجمعين، وكتب أيضاً عن عبقرية معاوية وعبقرية المسيح، عليه السلام. وصولاً إلى "عبقرية الشيخ محمد عبده".

وانصرف الدكتور محمد حسنين هيكل- وزير المعارف المصري الأسبق عن الدعوة للمصريات وإحيائها، وكتب مقدمة لكتابه الشهير "حياة محمد" تعد اعترافاً وتسجيلاً لذلك التحول.

كانت الدعوة لذلك الإحياء التوفيقي قوية جداً، وهي دعوة أطلقها الأستاذ الإمام الشيخ: محمد عبده مؤداها التوفيق بين العقل والإيمان. وكان طه حسين، ويبدو أنه تحول عن دعوته في كتاب "في الشعر الجاهلي" وكتب على "هامش السيرة"، وكانت أوروبا نفسها تتخلى عن دعوة العقل الخالص وراجت فلسفة "برجسون" الجديدة في الدعوة إلى "الحيويات" والتوفيق بينها وبين متطلبات العقل الخالص.

وأثرت هذه الدعوة التوفيقية بين العقل والإيمان في أجيال جاءت من بعد. وكانت تمثل "فلسفتها" في الحياة إلى وقتنا.

وجاء العصر الذهبي الثاني في تاريخ الأزهر الشريف بتولي الشيخ: أحمد الطيب مشيخته، حيث أدخله في قلب الأحداث وما يزال.

وقد تأكد عنده أن الأزهر هو مرجع أهل السنّة والجماعة، وأن عليه مقاومة "التشيع" القادم من إيران.

وهو لا يدع مناسبة تمر، سواء زار الأزهر وزير الخارجية الإيراني أو الرئيس الإيراني نفسه، إلا حدثهم عن مكانة أهل السنّة والجماعة في كل مكان، ووجوب إفساح المجال لعباداتهم.

وقد ثبت عنده أن إيران تتدخل في شؤون البحرين والخليج فصار ينهى عن ذلك.

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top