انكفاء أوباما إلى الداخل يهدد المصالح الأميركية في الخارج

نشر في 24-05-2013
آخر تحديث 24-05-2013 | 00:01
لا شك أننا بادعائنا أن الحرب في أفغانستان ستنتهي لأن الجنود الأميركيين سيعودون إلى بلادهم نشبه طفلاً يظن ألا أحد يستطيع رؤيته عندما يغمض عينيه، إلا أنه يتلاءم مع السياسة الخارجية لقائد قد يرأس عملية انكفاء حاد نحو الداخل.
 واشنطن بوست "وستنتهي الحرب بحلول أواخر السنة المقبلة".

خلال بحثي العقيم عن عقيدة أوباما، لفتت نظري هذه الجملة، فقد بدت لي معبّرة عندما سمعت الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي يجيب مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن مجموعة أسئلة طرحها عليهما عدد من المراسلين.

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث عن انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان بحلول نهاية عام 2014. فقد أعلن: "سيواصل جنودنا العودة إلى الوطن، وستنتهي الحرب".

تُظهر الوقائع أن الحرب لن تنتهي على الأرجح، بل ستتسارع فيما تستغل حركة "طالبان" الفرصة لتهاجم من دون أن تُضطر إلى مواجهة الجنود الأميركيين. لا شك أننا بادعائنا أن الحرب ستنتهي لأن الجنود الأميركيين سيعودون إلى بلادهم نشبه طفلاً يظن ألا أحد يستطيع رؤيته عندما يغمض عينيه. إلا أنه يتلاءم مع السياسة الخارجية لقائد قد يرأس عملية انكفاء حاد نحو الداخل.

وهذا مذهل في رأيي لأن أوباما، عندما ترشح للرئاسة عام 2008، قدّم نفسه كرجل سيسير بالولايات المتحدة نحو عهد جديد من الالتزام الدولي، والمثالية، والتعاون.

أخبر أوباما حشداً متحمساً في مدينة برلين في شهر يوليو عام 2008: "ورثنا نضالاً من أجل الحرية، فنحن شعب يصبو للآمال البعيدة... لهذا دعونا نبقِ المستقبل نصب أعيننا، ولتملأ العزيمة قلوبنا، كي نتذكر هذا التاريخ ونستجيب لقدرنا ونعيد صياغة العالم مرة أخرى".

لكن الرئيس أخبر مجلة New Republic خلال إحدى المقابلات معه في بداية ولايته الثانية: "ربما أُدرك أكثر من غيري حدودنا، لا قوتنا الكبيرة وقدراتنا الضخمة فحسب".

يتفاوض الرئيس الأميركي بشأن اتفاقات تجارة حرة مع دول آسيا وأوروبا. كذلك حافظ على الدعم الأميركي للمبادرات الصحية العالمية، مثل مكافحة الأيدز، كذلك قام بأسفار عدة، تفاوض مع روسيا بشأن خفض عدد الأسلحة النووية، زاد الهجمات التي تنفذها الطائرات بدون طيار، وأعلن "استدارة" الولايات المتحدة نحو منطقة المحيط الهادئ.

ولكن يسود بين المسؤولين الأجانب انطباع أن هذه سياسة انعزال، فيلاحظون تواصل عملية خفض حجم القوات المسلحة الأميركية، ما يعني تراجع قدرتها على التدخل والتأثير. كذلك راقبوا أوباما وهو يسحب كل القوات من العراق ويخفق في التوصل إلى اتفاق كان سيحفظ للولايات المتحدة دوراً ما في ذلك البلد الناشئ، كذلك يرونه اليوم وهو يسحب معظم الجنود من أفغانستان (أو ربما كلها، حسبما ذكر المتحدث باسمه. فلم يُعلَن بعد عن حجم القوة التي قد تبقى في أفغانستان).

تفاخر الرئيس بتدخله لإنقاذ شعب بنغازي من الاعتداء عام 2011 والإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي، ولكن تبين أن العملية الليبية كانت مجرد اختبار لسياسة الحدود التي يتبعها، فلم يتخذ أوباما أي خطوات إلا عندما ضغط عليه حلفاؤه الفرنسيون والبريطانيون. ومن ثم أصرّ على الانسحاب بدل الالتزام بمساعدة حكومة جديدة على ترسيخ أسس حكمها؛ لذلك كانت النتيجة، كما هو متوقع، دولة غير مستقرة تكثر فيها الميليشيات وتشكل خطراً متزايداً على جيرانها بسبب انتشار الأسلحة فيها.

تمثل سورية المختبر الأبرز لرفض الولايات المتحدة التدخل، ولا شك أن هذه التجربة لا تبدو ناجحة، فقد تحوّل الصراع من انتفاضة ديمقراطية سلمية قبل سنتين إلى حرب أهلية كان باستطاعة المساهمة الأميركية أن تحسمها السنة الماضية، لكن هذه الحرب اتخذت اليوم طابعاً وحشياً، وما عاد واضحاً ما إذا كان من الممكن المساهمة في إنهاء.

يفترض البيت الأبيض، على ما يبدو، أن مقاربة أوباما الرئيسة تستند إلى ما يريده الأميركيون وما تستطيع الولايات المتحدة تحمل كلفته، بغض النظر عن طموحات برلين الكبيرة. صحيح أن أوباما أقر بالمصالح الإنسانية "الحقيقية والمشروعة" في سورية (قُتل نحو 80 ألفًا وخسر الملايين منازلهم)، غير أنه أعلن أخيراً أن "الأساس" يبقى "ما هو الأفضل لمصالح الولايات المتحدة الأمنية". وخلال التحاور مع أعضاء فريقه، نلاحظ أيضاً افتراضهم أن طريقة التقييم هذه كانت جلية خلال الحرب الباردة، بيد أنها باتت اليوم أكثر تعقيداً بأشواط.

لكن هذه الأحكام لم تكن يوماً سهلة، فخلال الحرب الباردة أيضاً، دارت جدالات حامية بين الأميركيين حول حجم ميزانية الدفاع، وحكمة التدخل، والجانب الأخلاقي من دعم حكام مستبدين قساة لكنهم متعاونون معنا. وخلال العقود الماضية، ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء فادحة في الخارج، لكن التزام هذه الدولة ونفوذها ساهما في حمل العالم على الانفتاح على المزيد من الديمقراطية والازدهار.

قد يبدو الحدّ من هذا الالتزام (أو التركيز على "بناء الأمة في الداخل"، على حدّ تعبير الرئيس أوباما) خياراً عملياً منطقياً، ولكن كما تعلّم الأميركيون مراراً، من الصعب احتواء المخاطر التي تهدد الأمة مع خروج دول مثل سورية وليبيا عن السيطرة باستمرار.

يشير تقرير منظمة "بيت الحرية" إلى أن الحرية والديمقراطية ازدادتا في ثلاث دولة عام 2013، في حين أنهما تراجعتا في 27 أخرى. وهذه السنة السابعة على التوالي التي يفوق فيها التراجع النمو، وتُعتبر هذه ذروة غير مسبوقة في الاتجاه الخطأ، ذروة لا تتلاءم مع المصالح الأميركية المنطقية الطويلة الأمد.

* فريد هيات | Fred Hiatt

back to top