الدلافين أقل ذكاءً ممّا نظن

نشر في 06-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 06-10-2013 | 00:01
من المتعارف عليه منذ عقود أن الدلفين أحد الكائنات الأذكى حول العالم. لكن يشير بعض الباحثين، فضلاً عن كتّاب، إلى أن هذا العبقري المائي ليس مميزاً إلى هذا الحدّ. فيليب بيثج جاء بالتالي في {شبيغل».
حياتها الاجتماعية معقدة وتتجمع بأعداد كبيرة. يتزايد نبض قلبها عندما ترى أحد أعضاء عائلتها يتعذب. تنذر الآخرين عندما ترى أمامها طعاماً أو خطراً وشيكاً. وقد أظهر بعض التجارب أنها تستطيع توقع أحداث في المستقبل أيضاً.

 يتحدث عالم الأحياء جاستن كريغ عن الدجاج، فيقول إن الدجاج «ليس بالغباء الذي يظنه الناس». ويضيف: «لاحظ العلماء بعض أنواع السلوك المعقد هذا بين الدلافين».

هل هذا صحيح؟ هل يتمتع الدجاج بمقدار الذكاء ذاته كما الدلافين؟ أو بعبارة أخرى، {هل الدلافين ذكية حقّاً؟}. هذا هو السؤال الذي يطرحه كريغ، عالم حيوان في مشروع التواصل بين الدلافين في الولايات المتحدة، في كتابه الجديد. يشكل هذا السؤال عنوان الكتاب، ولا يُعتبر كريغ الباحث الوحيد الذي يلاحظ إخفاق قدرات الدلفين الذهنية.

طوال أكثر من 50 سنة، اعتُبر الدلفين كائناً ذكيّاً مميزاً أُدرج غالباً في الخانة ذاتها مع البشر والقردة العليا، لكن نشأ اليوم خلاف بشأن هذا الموضوع بين العلماء. وقد يتبيّن في نهاية المطاف أن حيوان البحار الذكي هذا مجرد ثديي عادي. يذكر البروفسور بول مانجر ، المتخصص في علم السلوكيات العصبية في جامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا: {نضع الدلافين في مرتبة أعلى من دون أي مبرر. ونرى فيها الكثير من أمانينا ورغباتنا}. ثم يوضح أن الادعاءات حول أن الدلافين تتمتع بدماغ معقّد، تستخدم لغة متطورة، مدركة لذاتها وتستطيع استخدام الأدوات، مجرد تفاهات.

يؤكد مانجر أن الأسماك الذهبية تفوق الدلافين التي تُعتبر حيتاناً صغيرة ذكاء. عندما نضع السمكة الذهبية في وعاء، وفق مانجر، تحاول الهرب على الأقل بالقفز بجرأة خارجه، في حين أن الدلافين التي تعلق في الشباك لا تحاول حتى القفز إلى الحرية. لذلك يستخلص: {تشكّل فكرة الدلافين الفائقة الذكاء خرافة ليس إلا}.

أصل الخرافة

في خمسينيات القرن الماضي، أدى عالم الفيزياء والأعصاب جون ليلي دوراً بارزاً في رفع الدلافين من مجرد كائنات غبية تشبه السمك وتتمتع بمهارات سباحة عالية إلى خبيرة في عالم ما تحت البحار. ففي تجارب غريبة، وصل ليلي أقطاباً إلى أدمغة دلافين حية ليحاكي الخلايا العصبية. وذات يوم، بدأ دلفين موصول بهذه الآلات يصدر أصواتاً عالية فيما شارف على الموت. عندما أبطأ ليلي التسجيلات الصوتية وأعاد الاستماع إليها، استخلص أن الدلفين كان يحاول التواصل مع معذبيه.

بعد مزيد من التجارب، ازداد ليلي اقتناعاً بأن الدلافين تملك قدرة كلام شبيهة بما يتمتع به البشر، وحاول أن يتواصل مع هذه الثدييات البحرية. وكانت رغبته هذه قوية إلى حدّ أنه أعطى الدلافين مادة ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) المهلوسة وتناولها هو أيضاً في محاولة لتحفيز الحوار.

انتقل ليلي بعد ذلك إلى الساحل الغربي الأميركي، حيث أصبح القائد الروحي لجيل من الهيبي ووضع كتباً مزج فيها عقيدة العصر الجديد مع أبحاث عن الدلافين غير متقنة، فذكر ليلي أن هذه الحيوانات {أكثر ذكاء من أي رجل أو امرأة}. حتى إنه نسب إليها شيئاً من الفلسفة والأخلاق، فضلاً عن {تاريخ صوتي طويل}.

حدد إرث ليلي المبهم صورة الدلافين في عصرنا هذا، فيرسم الفنانون لوحات بالألوان المائية لهذه الحيوانات وهي تسبح في الفضاء الخارجي. وفي التقاليد الشعبية، تحوّل الدلفين إلى سفير للسلام والمحبة غير المشروطة. حتى إن بعض غريبي الأطوار يعتقدون أن هذه الثدييات تتمتع بقدرات عجائبية على الشفاء وأنها تستطيع نقل مستوطني عصر الفضاء عن بعد إلى المريخ. لكن علماء السلوك وغيرهم من الأشخاص الأكثر تعقلاً، يظنون أن هذه مجرد تفاهات. رغم ذلك، يبقى مقدار ذكاء الدلفين مسار جدل.

ما قيمة الدماغ الكبير؟

تشمل المعايير التي يستخدمها العلماء لتحديد مقدار ذكاء كائن ما حجم دماغه، نظراً إلى النظرية القائلة إن الحيوان يزداد ذكاء كلما كبر وزن دماغه مقارنة بجسمه. يشكّل دماغ الإنسان، الذي يزن 1300 غرام تقريباً، نحو 2% من وزن الجسم. في المقابل، يمثل الدماغ 0.9% من وزن الشمبانزي، في حين أنه يشكّل 0.2% من وزن الفيل، مع العلم أن وزن دماغ هذا الحيوان يتخطى الأربعة كيلوغرامات ونصف الكيلوغرام. أما الدلافين، فتسجل نسبة جيدة بالمقارنة، على سبيل المثال، يزن دماغ الدلفين قاروري الأنف أكثر من 1800 غرام، أي نحو 0.9% من وزن جسمه الإجمالي.

يبدو منطقيّاً التفكير في أن الدلافين تستحق أن تُدرج في {جمعية منسا للحيوانات}. ولكن هل للدماغ الكبير في الثدييات البحرية المدلول ذاته كما في الكائنات البرية؟ في عام 2006، أشار بول مانجر إلى أن الحيتان تطوّر دماغاً كبيراً كي تحول دون انخفاض حرارة هذا العضو وتلفه في الماء البارد.

يتحدث مانجر عن عدد كبير غير مألوف مما يُدعى الخلايا الدبقية في مادة دماغ هذه الحيوانات. ويوضح أن هذه الخلايا تعمل كأفران صغيرة تدفئ الدماغ. علاوة على ذلك، يشير إلى أن للدلافين بنية دماغ بسيطة نسبيّاً. ويضيف: {لا نرى في دماغ الدلفين الخصائص الأساسية لعملية معالجة المعلومات العصبية المعقدة التي تتمتع بها أنواع أخرى من الثدييات، وإن وجدت فهي بدائية جدّاً}.

لا تتفوق على يرقات الخنافس

تعمّق مانجر أكثر في هذا الموضوع أخيراً مع إعداده تقريراً جديداً يذكر فيه أن الدراسات السلوكية التي تشمل الدلافين مليئة بالأخطاء، ما يجعل المعلومات التي تقدّمها غير دقيقة. على سبيل المثال، صحيح أن خبراء علم الحيوان لاحظوا أن الدلافين تستطيع التمييز بين مفهومَي {كثير} و{قليل}، لكن مانجر يوضح: {تبيّن أن هذا ينطبق أيضاً على يرقات الخنافس الصفراء}.

في المقابل، تعلمت دلافين قارورية الأنف على ساحل أستراليا الغربي حمل الإسفنج فوق خطمها، فيما تلتف وتتلوى في قاع المحيط. فهل تُصَنّف هذه الحالة قدرة على استخدام أداة، ما يشير إلى معدل عالٍ من الذكاء؟ يشك مانجر في ذلك، قائلاً: {ما زلنا نجهل الغاية وراء حمل الدلافين الإسفنج}. ويضيف أن الدليل الذي يؤكد أنها تستخدمه كأداة {واهٍ}.

تشمل الأمثلة الأخرى موهبة الدلافين المزعومة على استخدام اللغة. يقرّ مانجر بأن باحثين تمكنوا، في إحدى التجارب، من تعليم الدلافين قارورية الأنف 40 رمزاً. حتى إن هذه الحيوانات فهمت مجموعات من الرموز بشكل صحيح. لكن الببغاء الرمادية الأميركية وأسد البحر الكاليفورني يستطيعان أيضاً تعلّم هذا النوع من اللغات التي تستند إلى رموز.

على نحو مماثل، يبدو المجتمع العلمي منقسماً حول ما يدعو كريغ المتخصص في علم الحيوان {لغة الدلافين}. من المعروف أن كل دلفين يستطيع التعريف عن نفسه {بصفارة خاصة به}. ويوضح أن هذه الثدييات البحرية تستخدم إشارات صوتية أخرى. ولكن هل هذا مميز حقّاً؟ يذكر كريغ أن رقص النحل الذي يهز ذيله بالغ التعقيد أيضاً. ويتابع هذا الخبير في التواصل الحيواني، موضحاً: {لا يشير هذا إلى أن الدلافين تملك لغتها الخاصة التي تضاهي لغة الإنسان تعقيداً}.

كفوا عن اعتبارها مميزة

اعتاد مانجر تعرض نظرياته للانتقاد. فعندما شكك في خصائص دماغ الحوت المميزة عام 2006، دعا محبو الدلافين الجامعة التي يعمل فيها مانجر إلى طرده. لكن جل ما يريده الحؤول دون تأنيس الثدييات البحرية. فتفسيرات السلوك التي تستند إلى {تحيز شخصي} لا تفيد، وفق مانجر. {يجب ألا تستند استراتيجيات الحفاظ على هذه الحيوانات على توقعات غير منطقية}.

أما كريغ، فيسعى في المقام الأول إلى دحض هذه الخرافة. يقول: {يجب أن نكفّ عن اعتبارها مميزة}.

يبدو أن قدرات هذه الثدييات البحرية الفكرية ليست فريدة بالتأكيد في مملكة الحيوان. يكتب كريغ: {تعيش أنواع كثيرة من الحيوانات، من سمك القرش إلى حشرات أبي مقص والجرذان، حياة مذهلة تستحق التوقف عندها}.

مدافعون عن الدلافين

هل يُعتبر الدلفين من الحيوانات الغبية في البحار؟ يرفض معظم الباحثين المتخصصين في الدلافين هذه الكلمات رفضاً قاطعاً. يذكر كارستن برنسينغ، عالم أحياء بيولوجية من منظمة الحفاظ على الحيتان والدلافين: {بصريح العبارة، يُعتبر معظم هذا الكلام سخافة}. ويضيف أن مانجر وكريغ لا يريان {الصورة بأكملها} عندما يُقارنان قدرات هذه الثدييات البحرية الفردية بقدرات يرقات أو الخنافس. {يمكنك أن تستعمل الحجج ذاتها لتبرهن أن الإنسان بحد ذاته ليس ذكيّاً}.

تعترض لوري مارينو، خبيرة متخصص في علم الأعصاب في جامعة إيموري في الولايات المتحدة الأميركية، أشد اعتراض على خلاصات مانجر وكريغ. وتقول: {يجب ألا نتجاهل عقوداً من العلم العلمي الذي راجعه علماء بارزون}. وتتابع متحدثة عن الإشارات الكثيرة التي تًظهر أن الدلافين تتمتع بدرجة ذكاء عالية. على سبيل المثال، لاحظ العلماء كيف تتعاون هذه الحيوانات معاً لتطوّق مجموعة من الأسماك. وكي تبني العلاقات، تلاعب هذه الحيوانات أحدها الآخر، معتمدةً شكلها الخاص من سلوك {التدليل}. أما في الصراع على السيطرة، فيتحد الذكور معاً ليؤلفوا شبكات.

تعتقد مارينو أيضاً أن الدلافين تستطيع معرفة نفسها. ففي تجربة مذهلة، رسمت هي وعالمة النفس ديانا رايس علامات على جسم دلفينين. ثم وضعتا أمامهما مرايا. فذهلتا حين رأتا هذين الحيوانين يستديران ويلتفان أمام المرايا، محاولين تفحص زينة جسمهما الجديدة.

تعتبر مارينو هذا دليلاً على معرفة الذات وشبيهاً بما لاحظه العلماء لدى القردة العليا. وتريد مارينو وبعض العلماء الآخرين منح هذه الثدييات وضعاً قانونياً كشخص وإعطاءها {بعض الحقوق الأساسية}.

لكن كل هذا لا يقنع مانجر الذي لا يبدو منبهراً بتجربة مارينو مع المرايا. يذكر: {لا تتمتع الدلافين ببصر حاد كفاية لتتمكن حتى من رؤية تلك العلامات}. وينتقد أيضاً ما يدعوه {عيوباً خطيرة} في تصميم التجربة.

back to top