سورية والعراق متشابهان... والنهايات السعيدة مستبعدة

نشر في 16-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-09-2013 | 00:01
No Image Caption
من الممكن ألا تغرق إدارة أوباما في مستنقع سورية، وأن يؤدي تدخلها، إن حدث، إلى تأثيرات إيجابية بالغة الأهمية في الوضع بتمهيده الطريق أمام تفاوض الأطراف المعنية وتوصلها إلى وقف إطلاق النار، إضافة إلى أن التهديد بالقوة قد يتحول إلى عامل ضغط يكشف حدود روسيا وإيران في القضية.
 Robert Kaplan دعمتُ الحرب في العراق، وكان هذا خطأ فادح، إذ وقعتُ في هذا الخطأ لأنني ارتكبتُ هفوة يجب ألا يقترفها محلل في مجال السياسة الخارجية: سمحتُ لمشاعري بالتأثير في حكمي، وتحركت مشاعري بسبب زيارات عدة قمت بها إلى العراق حين كنت أعمل مراسلاً في ثمانينيات القرن الماضي، فكان صدام حسين يحكم العراق آنذاك بالقسوة والاستبداد نفسيهما اللذين اعتمدهما جوزيف ستالين في الاتحاد السوفياتي ونيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا. فبدا هذا البلد في ظل حكم صدام أشبه بباحة سجن كبيرة مضاءة بأضواء قوية، بحيث تُراقَب فيها تحركات الجميع باستمرار، ما جعل الشعب يعيش في حالة خوف دائم. حتى إن جهاز استخبارات صدام صادر جواز سفري الأميركي طوال عشرة أيام في عام 1986، حين كنت أُغطي أخبار الأكراد في شمال البلاد، وهكذا ذقت هذا الخوف الذي عاشه العراقيون باستمرار.

نتيجة لذلك، افترضتُ طوال سنوات أن حكم صدام هو الأسوأ، وفي أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لم أشأ نشر الديمقراطية بالقوة في العالم العربي، كما أراد البعض، ولم أرغب في الإطاحة بالحكام المستبدين بهذه الطريقة. تمنيت القضاء على حاكم دكتاتوري واحد، صدام، لأنه كان أسوأ من أن يُعتبر مجرد دكتاتور، كان طاغية خارجاً من عصور بلاد ما بين النهرين القديمة.

لكنني كنت مخطئاً، وذلك للأسباب التالية:

- لم أفكر ملياً في أن الأوضاع قد تزداد سوءاً حتى في العراق. صحيح أنني استفضتُ عام 1994 في الكتابة عن مخاطر الفوضى في العالم الثالث، إلا أنني لم ألاحظ أن العراق كان قد اقترب على نحو خطير من حالة الفوضى تلك، وأن صدام حسين كان الوحش الذي يبقيها في حدها الأدنى. لقد تخطت قسوة صدام كل حدود لأن الاختلافات الإثنية والطائفية في المجتمع العراقي كانت بحد ذاتها عنيفة ودموية على نحو يفوق الخيال.

- كنت قاسياً في تحليلي، فلم آخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت الإطاحة بهذا الحاكم المستبد تخدم المصالح الأميركية، فاعتبر الرئيس رونالد ريغان صدام فاعلاً واستغله لاحتواء دولة إيران المجاورة، ولربما كان بإمكاننا استخدام صدام لاحتواء تنظيم "القاعدة". كان علي أن أفكر بهذه الطريقة.

- لم أفكر إلا في خطوتين نحو الأمام، لا في خمس أو ست خطوات، مع أن هذا ضروري في التحليل الجاد، خصوصاً إن كانت المسألة المطروحة تشمل السير إلى الحرب. أردتُ الإطاحة بصدام (الخطوة الأولى) واستبداله بجنرال آخر (الخطوة الثانية). وكما ذكرت، توافرت لدي آنذاك معلومات مغلوطة كثيرة عن الديمقراطية في العالم العربي، ولكن كان علي أن أتأمل بعمق عواقب عدم تمتع الجنرال الحاكم الجديد بأي سلطة في مناطق الأكراد شمالاً ومناطق الشيعة جنوباً، كذلك كان علي التفكير جيداً في تدخل إيران وأجهزتها الاستخباراتية على الأرض، وكان علي أيضا أن أدرك أن إعادة التوازن إلى العراق بعد الإطاحة بصدام ستكون مهمة شاقة. كان علي أن أخاف تعقيدات العراق في مرحلة ما بعد صدام، إلا أنني لم أفكر فيها كفاية.

- لم آخذ في الاعتبار رغبة الشعب الأميركي في شن حرب (أو بالأحرى غيب هذه الرغبة)، فتفجرت مشاعر الشعب الأميركي الوطنية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن كان علي أن أدرك أن فيض المشاعر هذا ما كان ليدوم، وكان علي أن أعي أن الحفاظ على الدعم العام لإنزال عدد كبير من الجنود الأميركيين إلى ساحات القتال في الشرق الأوسط سيبقى محدوداً ولن يستمر طويلاً. فلم تدم الحرب العالمية الأولى بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر من 20 شهراً. أما الحرب العالمية الثانية، فاستمرت بالنسبة إلى الأميركيين نحو ثلاث سنوات ونصف السنة فقط، كذلك سئم الأميركيون الحرب الكورية خلال فترة زمنية مماثلة، وثاروا ضد حرب فيتنام حين طالت. علاوة على ذلك، لا يعني تأثري العاطفي ورغبتي في الإطاحة بصدام أن الشعب يعيش حالة مماثلة.

- أخيراً، لم أفكر في تأثير التزامنا الطويل الأمد بالعراق (وأفغانستان) في المسارح الأخرى في المنطقة. لا يستطيع كبار المسؤولين في أي إدارة (الرئيس ووزير الخارجية وغيرهما) زيادة عدد ساعات اليوم، حتى لو كانوا يعملون 70 ساعة في الأسبوع. وإذا أمضوا معظم هذه الساعات في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، فسيعاني نفوذ الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، أميركا اللاتينية، وغيرهما من المناطق تراجعاً كبيراً. لذلك يجب أن تكون الضربات الأميركية خاطفة وقاتلة من دون أن تورط الولايات المتحدة في أي مستنقع. هذا ما كتبتُه ونشرتُه بالتحديد، ولكن بعيد بدء غزو العراق نحو منتصف عام 2003، لم أتوقع أن تعلق القوات الأميركية في هذا البلد كما حدث لاحقاً، ولا شك أن هذه هفوة تحليلية أساسية. لا يدخل أحد بالتأكيد المستنقع طوعاً، بل نجد أنفسنا غارقين فيه عندما لا نفكر مسبقاً وملياً في كل المخاطر التي قد نواجهها.

تشبه سورية في الظاهر العراق في كل ما ذكرته أعلاه، فلا يُعتبر الدعم الذي يحظى به التدخل العسكري الكبير كافياً في ضوء النقاط التالية: كيف أن الأوضاع قد تزداد سوءاً بعد انهيار نظام الحاكم المستبد بشار الأسد، خصوصاً أن الفوضى المستشرية بدأت تلوح في الأفق؛ وكيف يمكننا مواصلة استغلال بشار الأسد لتحقيق هدف بارد باحتواء تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام؛ وكيف أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها، بعد أربع أو خمس خطوات، ملزمة جزئياً أو كلياً بالوضع على الأرض في دولة سورية تسودها الفوضى؛ وكيف ستكون عليه شهية الشعب الأميركي للتدخل العسكري في سورية التي قد تكون أقل مما نظن؛ وكيف أن التزاماً طويل الأمد في سورية قد يعرقل نفوذ الولايات المتحدة في مسارح إقليمية أخرى. تؤكد إدارة أوباما أنها لا تريد دخول هذا المستنقع وستتفاداه، لكن هذه كانت نية إدارة بوش الأولى أيضاً.

لا شك أن أوجه الاختلاف كبيرة ومتعددة بين الحرب اليوم وسابقاتها، صحيح أنني عددتُ بعض أوجه الشبه بين طريقة تفكيري الخاطئة السابقة والطريقة التي يجب أن نفكر فيها في هذه الحروب، لكن الحرب السورية ستتخذ منحى خاصاً بها. على سبيل المثال، من الممكن ألا تغرق إدارة أوباما في هذا المستنقع، وأن يؤدي تدخلها، إن حدث، إلى تأثيرات إيجابية بالغة الأهمية في الوضع بتمهيده الطريق أمام تفاوض الأطراف المعنية وتوصلها إلى نوع ما من وقف إطلاق النار. بالإضافة إلى ذلك، قد يتحول التهديد باللجوء إلى القوة بحد ذاته إلى عامل ضغط يكشف، كما رأينا أخيراً، حدود روسيا وإيران التي ما كانت واضحة طوال الفترة التي لم تتخذ فيها الولايات المتحدة خطوات تُذكر للتأثير في الوضع السوري.

لكن المشكلة تكمن في أن هذه النهاية السعيدة في سورية تتطلب استراتيجية مدروسة بدقة من البداية. لم تتبع إدارة بوش استراتيجية مماثلة في العراق، والدليل على ذلك غياب أي تخطيط لمرحلة ما بعد الغزو، وتظهر الوقائع حتى اليوم أن إدارة أوباما أيضا تفتقر إلى استراتيجية مماثلة، فقد بدت أخيراً مرغمة على تنفيذ عمل عسكري لا تؤمن به هي نفسها، وهذا يدفعني إلى التروي والتفكير مليا أكثر من كل العوامل التي ذكرتها أعلاه.

back to top