عتبة الإبداع

نشر في 23-01-2013
آخر تحديث 23-01-2013 | 00:01
 زاهر الغافري في عمل لهنري ميللر، وهو قصة قصيرة "ابتسامة عند قدم السلم" يتحدث ميللر عن مهرج حقق شهرة كبيرة ليعيد اكتشاف نفسه. يقول أوغست المهرج: "إن المهرج لا يكون سعيداً إلا إذا كان شخصا آخر، أنا لا أريد أن أكون سوى نفسي"، لكن الآخر لا يريد أن يفهم هذا هكذا بكل بساطة، وكانت هذه القصة المتفردة قد خرجت من لاوعي هنري ميللر بعد أن رأى وأعجب بعدد من أعمال الفنانين الكبار، أحدهم هو خوان ميرو ولوحته "كلب ينبح في وجه القمر".

إن أي عمل فني أو أدبي قد يرحل إلى المستقبل، ولكن كيف وعبر من؟ الأيقونة السينمائية الروسية اندريه تارتوفسكي في كتابه المهم "النحت في الزمن" يقول كالتالي: كيف يجعل الزمن نفسه محسوساً في اللقطة، أنه يصبح ملموساً وحقيقياً عندما تشعر بشيء ما، مهم، صادق، ذي معنى ويستمر إلى ما بعد الأحداث على الشاشة، من هنا أرى أن كل تعاون عابر للزمن يحتل من قبل الأوصياء إن لم ننتبه، لقد علمنا هيروقليط أنه لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين، أن التعاونيين المستقبليين هم رسل الجمال الذين لا نجدهم إلا نادراً في غابة العولمة هذه، كان نيتشه قد تعاون عبر الزمن في محاورة الفلاسفة الأصليين، ما قبل السقراطيين، لقد اكتشف نيتشه جوهر الفلسفة والتراجيديا في الذهاب مباشرة إلى بئره الخاصة المتمثلة في نظرة تواطؤ خلاق مع أشباهه على أن تعاوناً عابراً للزمن مع شخصيات كآلان روب غرييه أو بردجانوف على سبيل المثال يمثل إشارة جوهرية على هذا التعاون.

لقد شاهدت أفلام هذا الأخير في نيويورك قبل وفاته وهي أفلام تنطوي على شاعرية وحشية عالية تشبه الأدغال، وفي الوقت نفسه تضيء حيز التاريخ والجغرافيا وتمد المتلقي النوعي بقوة عنصر الحدس، لهذا من الطبيعي في رأيي ألا يكتب الفلاسفة والكتاب عن الروايات التسلسلية الرديئة والمملة كما يذكر الناقد والسينمائي جلال توفيق، لأن هذا من شأنه أن يحطم جماليات الوعي بكينونتهم، غير أننا نعرف أن بودلير كتب منذ القرن التاسع عشر، عن أسلوب الرسام في الحياة الحديثة بذائقة سبقت زمنها، ولنأخذ مثلاً المقاربة التي اجترحها ميلان كونديرا عن الرسام الانكليزي فرانسيس بيكون في دراسته التي تتمحور حول الحركة العنيفة للرسام ذلك أن كونديرا كان يرى في القرن العشرين مخاوف الإنسان المستقبلية التي رآها ديكون نفسه في الحربين الكونيتين: التمزق الداخلي الهائل الذي عصف بالإنسان وجعل منه مسخاً مشوهاً ويتجلى هذا في لوحاته، وفي اعتقادي أن أعمال فرانسس بيكون لم تكن تحتاج بالضرورة إلى جماليات برناسية أو نظرية الفن للفن، بل تحتاج إلى واقع قاس، الألم عصبه الأول، إن التعاون العابر للزمن هو أشبه بالتنافذ أو التلاقي الخفي بين أعمال أدبية، فنية، مسرحية، سينمائية لأنها تلتقي أو يلتقي كتاب ومخرجو هذه الأعمال فوق عتبة الإبداع.

back to top