أشرف العشماوي: أكتب بالفطرة والقارئ العربي عاطفي

نشر في 31-12-2012 | 00:02
آخر تحديث 31-12-2012 | 00:02
No Image Caption
دخل المستشار أشرف العشماوي المجال الأدبي من باب القضاء حيث تميز بأسلوبه الأدبي في كتابة المرافعات الجنائية، وكان يحتفظ لنفسه بخواطر أدبية يستقيها من واقع عمله المعاش، حتى جمعته المصادفة مع الكاتب الراحل أنيس منصور وعرض عليه بعض كتاباته وخواطره، فنصحه قائلا: «سيبك من شغلانة القاضي بتاعتك دي أنت بتضيع وقتك، جواك أديب رائع سيبه يخرج ويكتمل». ثم اتجه العشماوي إلى الأدب وصدرت له روايات عدة من بينها «تويا» المرشحة لجائزة البوكر العربية.
حول روايته والترشح للجائزة وأعماله ومسيرته كان هذا الحوار.
متى كانت البداية الأدبية؟

كانت بدايتي مع الكتابة في منتصف التسعينيات عندما لاحظ زملائي بالنيابة أنني أجيد كتابة المرافعات في القضايا الجنائية بأسلوب أدبي. ومنذ سبع سنوات تقريباً، بدأت أكتب خواطر يومية وملاحظات أشبه بمشاهد عما أصادفه في حياتي من مواقف وأسجلها بأسماء شخوصها الحقيقيين. لكن وجدت أن ذلك يسبب لي نوعاً من الحرج وكأنني اتتبع عورات الآخرين، ثم هداني تفكيري إلى الرمز وبدأت أكتب عن غابة افتراضية تعيش فيها حيوانات مختلفة الطباع، فكانت المساحة أرحب في الكتابة وعرضت أفكاري كافة ودونت ملاحظاتي ومشاهداتي بحرية تامة. كنت آنذاك رئيساً للنيابة وأحقق في قضايا تعرف إعلامياً بقضايا الرأي العام، فشعرت بحرج أن أذهب إلى ناشر وأطلب منه نشر كتاباتي خشية المجاملة بسبب منصبي وشهرتي، وربما لقيود وظيفتي الصارمة، خصوصاً أنني كنت انتقد الأوضاع السياسية في مصر من خلال الرواية الأولى. لكن منذ أن انتقلت إلى العمل كقاض وتركت النيابة بأضوائها وصخبها وروتينها اليومي، بدأت أعيد كتابة بعض مشاهد الرواية لتظهر كعمل متكامل. لم أدرس فن الرواية وأنما كتبت بالفطرة، من خلال مخزون كبير من القراءة انفجر حبراً على ورق فجأة، ثم جاءت الفرصة مع كاتبنا الكبير أنيس منصور وعرضت عليه كتاباتي فشجعني وطلب مني نشرها فوراً.

للأدب عالمه الخاص به وللقضاء عالمه وقدسيته الخاصة أيضاً، كيف استطعت الجمع بينهما؟

لا يمنع القانون في مصر الجمع بينهما، وإلا لكنت اتجهت إلى الأدب. ولكن بحكم عالم القضاء الخاص كان ابتعادي عن الأضواء الأدبية الإعلامية، فأنا لا أحضر ندوات ولا أشارك في نقد كتب أو إلقاء محاضرات ولا أظهر في فضائيات للحديث عن كتبي. أما الأدب فهو له عالم خاص جداً، لذا عندما أقرأ أو أكتب أنعزل تماماً عن العالم الخارجي والكتابة تحديداً تجعلني أشعر بمتعة طائر يحلق بعيداً عن الأرض، فأشعر أكثر بمتعة الرفرفة. أبتكر شخصيات الرواية وأبث فيها الحياة لتنطق وتتحرك وتتحاور وتتعارك وتختلف وتحب وتكره... إلخ، أما الغوص في أعماق بعضها فهو متعة لا تضاهيها متعة أخرى في حياتي .

بعد روايتك «زمن الضباع» جاءت «تويا»، ما الجديد الذي تقدمه فيها؟

حاولت في «تويا» أن أتحدث عن ثنائية العقل والقلب التي تحيرنا كثيراً، فنتساءل أيهما أسبق في اتخاذ القرار وماذا لو أختلفا وصارا على النقيض؟ كذلك تتحدث الرواية عن جذورنا الإفريقية كمصريين وكيف أهملناها لسنوات طويلة، ربما من نهاية عهد جمال عبد الناصر حسبما بدأت أحداث الرواية. حاولت من خلال الأحداث أن أقول إن الانجراف إلى الغرب بلا حساب يجعلنا مسخاً فلا بد من أن نأخذ من الغرب ما ينقصنا فعلاً وما نحتاج إليه لنتقدم ونرتقي. أما التقليد فحسب فلن يفيد بل سيضر. أخيراً، وضعت في القصة خيطاً رومانسياً رقيقاً من البداية إلى النهاية. لكن بعيداً عن ذلك كله، سأقول لك سراً فأنا قبل الكتابة وأثناء رسم الشخصيات ومراحل تطورها، وهي مرحلة تستغرق عدة أسابيع، في تلك المرحلة لم أكن أعرف أن الرواية ستخرج على صورتها النهائية، فأثناء الكتابة يحدث نوع من الانفعال مع الشخصيات، وقد تستغرقك شخصية عن أخرى أو تظهر واحدة جديدة تماماً لأن الكتابة مثل الميلاد، جنين يتكون ثم يمكث لأشهر حتى يخرج إلى الدنيا وقبلها لا يعرف أحد ملامحه بدقة.

جاءت «زمن الضباع» في إطار سياسي اجتماعي أما «تويا» فهي رواية اجتماعية رومانسية، كيف حدث التنوع والانتقال؟

الحقيقة أن هذا التنوع مرجعه إلى ظروف كتابة «تويا»، فقد بدأت القراءة عن إفريقيا بتعمق قبل الثورة بأسابيع قليلة، ثم توقفت 18 يوماً وفي منتصف فبراير 2011 بدأت الكتابة وكانت وجهة نظري أننا مشبعون بأحداث سياسية ساخنة للغاية، توقعت أنها لن تبرد قبل سنوات وصدق توقعي. لذلك رأيت ضرورة أن أخرج بالقارئ من هذا المناخ السياسي إلى خيال حالم في غابات إفريقيا الطبيعية وإلى مدينة ليفربوول العريقة في إنكلترا. أعتقد أن فكرتي كانت صائبة بدليل أن الرواية نفدت طبعتها الأولى في شهرين ونصف الشهر، والثانية بعد ثلاثة أشهر، فالقارئ يحتاج أحياناً إلى الابتعاد عما يثير أعصابه سياسياً ويحتاج في ذات الوقت إلى ما يثير شجونه ويوقظ مشاعره من خلال عمل أدبي.

في روايتك «تويا» أردت البحث في الجذور، كيف؟

قصدت بذلك جذورنا الإفريقية كمصريين والتي أهملناها كثيراً ولم نهتم بها رغم الكثير من العوامل المشتركة بيننا، ويكفي أن شريان الحياة ممثلاً في النيل هو الذي يجمعنا فنحن بحكم موقعنا الجغرافي وتاريخنا الطويل وحضارتنا لنا جذور إفريقية وعربية، لكن لا أحد من مصر يكتب عن أدغال إفريقيا رغم أنها منطقة مثيرة للخيال الأدبي. فعلت ما أحسست به وأخرجته على ورق، فكانت الكلمات ثم السطور حتى صارت صفحات بين يدي القارئ الآن.

هل حظيت أعمالك بالنقد الموضوعي وما تأثير ذلك النقد عليك؟

ربما روايتي الأولى «زمن الضباع» وكتابي الوثائقي «سرقات مشروعة» الصادر العام الماضي عن سرقات الآثار المصرية وتهريبها حظيا بكثير من النقد الموضوعي البناء، الذي استفدت منه كثيراً. ولكن «تويا» لم تحظ بالقدر نفسه رغم أن ناقداً من العيار الثقيل هو الدكتور صلاح فضل كتب عنها مقالاً طويلاً في جريدة «الأهرام» الأوسع انتشاراً في مصر، كذلك «أخبار الأدب» و{أخبار اليوم» و{اليوم السابع»، ولكن ليس بالقدر نفسه الذي كتب عن باقي أعمالي. وربما تكون الظروف الحالية هي السبب، فرواية «تويا» ظهرت في المكتبات في اليوم نفسه الذي كان فيه رئيس الجمهورية الحالي يؤدي اليمين الدستورية من سبعة أشهر.

هل ترى أن بعد الثورات العربية أصبح مزاج القارئ العربي سياسياً؟

مزاج القارئ العربي السياسي عصبي متقلب نعم، وهو محق وله العذر كله. ولكن القارئ العربي عاطفي ويحب الخيال والفنون ولن يتغير، لذا فلا يزال يقرأ الرواية الاجتماعية والتاريخية بشغف ولكن الأحداث تطغى كل فترة فيتوقف ليلتقط أنفاسه ويعاود القراءة. هكذا أرى المشهد الثقافي وحركة القراءة من خلال ترددي على كبرى المكتبات في القاهرة.

كيف يتابع أشرف العشماوي ردود الأفعال على كتاباته، هل من حفلات التوقيع فحسب أم من خلال ما يكتب عنها أم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؟

أزعم أنني متابع جيد وأتواصل مع القارئ من خلال شبكة التواصل الاجتماعي وبريدي الإلكتروني، وأتردد يومين أو ثلاثة كل أسبوع على المكتبات الكبرى في القاهرة. كذلك أتواصل مع قراء بالمئات من خلال موقع «غودريدز» عن طريق صفحتي الخاصة التي تحمل أعمالي الثلاثة، وأحرص على سؤال الأصدقاء والصحافيين عن أعمالي وتقييمهم لها. في اختصار، أرى أن القارئ أهم عنصر في المنظومة كلها وأنا مهما استمتعت بالكتابة فلا بد من أن تعجب كتاباتي القارئ، هذا هو مقياس النجاح الحقيقي.

كيف يمكن لنا أن ننهض ثقافياً وأدبياً في ظل الظروف الحالية؟

للأسف، في ظل هذه الظروف لدى أي حكومة في أي دولة تمر بظروفنا لن تكون الثقافة والفنون على رأس أولوياتها، فالمواطن يحتاج إلى ملء بطنه ولو بقليل من الطعام والشعور بأمنه وأمانه واطمئنانه لمستقبل أفضل له ولأطفاله، ثم بعدها سيعود إلى الأدب والثقافة والفنون بمختلف أنواعها. ولكن لا بد للفنون وللأدب من التواجد ولو حتى من بعيد فغذاء الروح لن يقل عن غذاء الجسد قيمة.

back to top