هل نحن سعداء؟

نشر في 29-03-2013
آخر تحديث 29-03-2013 | 00:01
 لمى فريد العثمان مر في الأسبوع الفائت اليوم العالمي للسعادة، الذي أقرّته الأمم المتحدة في العام الماضي بعد اقتراح دولة بوتان، التي اعتادت قياس الرفاهية باستخدامها لمؤشرات تحقيق ما أسمته "الناتج القومي من السعادة". وقد أوضحت بعض الدراسات أن الدول الغنية أكثر سعادةً من الفقيرة، لكن زيادة الثروة لا ينتج زيادة السعادة، ورفع مستوى الدخل لا يرفع بالضرورة مستوى السعادة.

وفي الكويت تم إطلاق مبادرة "النوير" غير الربحية بالتزامن مع اليوم العالمي للسعادة، وهي مبادرة رائعة تهدف إلى نشر التفكير الإيجابي من خلال تقديمها للبرامج المتنوعة وورش العمل والتدريب، كما تعمل على نشر أبحاث علمية عالمية تنطلق منها رؤية "مبادرة النوير"، من ضمنها بحث أجرته جامعة هارفارد أُثبت من خلاله أن التفكير الإيجابي هو مسألة اختيار وقرار.

هناك الكثير من الأفكار الخاطئة عن السعادة، فالشراء والاستهلاك والمنح والترقية كلها أمور قد توفر قدراً من السعادة، لكنها لن توفر سعادة طويلة الأمد، فاستدامة السعادة، عوضاً عن كثافتها في وقت معين، مؤشر أفضل لقياس السعادة، وهي التي تنتج عن القدرة على التفكير الإيجابي وجعله أسلوب حياة.

يؤكد المتخصصون في علم البرمجة اللغوية أن هناك سلطتين تتحكمان في جعل الإنسان سعيداً أو تعيساً، وهما سلطة الألم وسلطة المتعة، فهما القوتان اللتان تتحكمان في كل ما نقوله أو نفعله أو نشعر به، وهما دافع الحاجة إلى تجنب الألم ودافع الرغبة في الحصول على المتعة. ووعي الإنسان بقدرته على التحكم في هاتين القوتين لتغيير سلوك معين أو تطويره بدلاً من تركهما يتحكمان فيه، هو السبيل إلى التفكير بطريقة إيجابية وفك الارتباطات السلبية. وهي الارتباطات الذهنية التي تجعل إنساناً ما يقرن شعور المتعة بمساعدة الناس أو التعلم مثلاً، والذي ينتج عنه سلوك إيجابي، أو تلك التي تجعل آخر يربط شعور المتعة بتعاطي المخدرات، بينما يقرنها آخرون بأقصى درجات الألم والخوف من المعاناة والموت فيتجنبونها خوفاً من الألم، وهذا ما يسمى بالبرمجة العقلية التي يجب أن نستثمرها بشكل إيجابي لربط المتعة بأمور تطور حياتنا، وربط الألم بسلوك سلبي نرغب في تغييره. فالمعنى الذي نعطيه للألم والمتعة يتشكل بطريقة تفسيرنا وربط تفكيرنا بهما، وبالتالي يصبحان دافعين لسلوكنا.

وهاتان السلطتان مرتبطتان بمنظومة القيم والقناعات والمعتقدات، والأسئلة التي تجيب عنها تلك المنظومة، والتنشئة المجتمعية التي تشكل كيفية نظر المرء لنفسه من خلال نظرة الآخرين له، فيُنبذ مثلاً مَن يفكر بشكل نقدي ويُنظر له كمتمرد، بينما يُحترم مَن يكرر ويقلد ويذعن ويُنظر له كمطيع، لتتشكل قيمة الطاعة كشيء إيجابي... فيعمل الفرد في هذا المجتمع على تجنب ألم النبذ ويسعى إلى الحصول على متعة الاحترام والتقدير. وذلك مثال على تشكيل حياة الإنسان وتحديد طريقة تفكيره حسب ما يشكله مفهوما الألم والمتعة في منظومة القناعات التي يكتسبها الفرد من المجتمع ومؤسساته، في البيت والمدرسة والمسجد وأماكن العمل ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني.

فالأطفال الذين يتربون في بيئة تشجع على التفكير المستقل والتفكير الإيجابي والإبداعي يكبرون على تقدير الذات والثقة بقدرتها على تحديد المصير، أما الأطفال الذين يحاطون بقيود الأوامر والنواهي والطاعة فيوضعون وسط قوالب جامدة تهدر طاقاتهم وتمنعهم من النمو، فلا يمكن لعقلية طيّعة لا تستخدم العقل إلا للنسخ والتكرار والاسترجاع أن تفكر بشكل إيجابي مستقل، لاسيما تلك التي استهلكها التخويف والترويع والترويض.

كتب التطوير الذاتي والتفكير الإيجابي وكيفية تحقيق السعادة تكتسح السوق ويتكالب عليها الناس، والكثير منها يصب في فكرة واحدة تقريباً، وهي أن قراراتنا وحياتنا ومصائرنا لا تحددها الأحداث الخارجية بل رؤيتنا الداخلية للأحداث والأشياء والقيم واختيارنا لطريقة تفكيرنا، وبالتالي شعورنا تجاهها وربطنا للسلوكيات التي تجنبنا الألم أو تمنحنا المتعة حسب حكمنا وفهمنا الخاص لهما. باختصار، التفكير الإيجابي والسعادة لا يمكن شراؤهما، بل هما عملية قرار واختيار لعقلية تملك أن تقرر وتختار.

back to top