نحو أمن قومي كردي في المنطقة

نشر في 01-06-2013
آخر تحديث 01-06-2013 | 00:01
إن للكرد أوراقاً كثيرة يمكن لهم المناورة عليها في مراحل أخرى متقدمة منها ملف المياه مثلاً حيث إن مصادر النهرين (دجلة والفرات) اللذين يعتمد عليهما الدول الثلاث (تركيا وسورية والعراق) ينبعان من أراضٍ كردستانية مما يفسح المجال للكثير من المناورات مع الدول المستفيدة منها. فضلاً عن موضوع الاستثمارات التركية في كردستان العراق.
 أنس محمود الشيخ مظهر ليس من الضروري أن يكون لك دولة كي تعير للأمن القومي أهمية، فالدولة ليست غاية بل هي وسيلة للعيش الكريم فيما إذا هدد وجودك دونها، فهناك الكثير من الدول لها مؤسسات ووزارات وبنية سياسية ورسمية كاملة لكنها لا تمتلك القرار السياسي ولا الاقتصادي ولا تستطيع حماية أمنها الوطني، والأمثلة على ذلك كثيرة في الشرق الأوسط.

في هذه الأثناء والمفاوضات مستمرة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني في تركيا يحدونا الأمل أن تسفر عن اتفاق ينهي سنوات الاقتتال الدموي الذي خسر فيه الطرفان الكثير من الموارد البشرية والاقتصادية بسبب عنجهية الحكومات التركية السابقة، وعدم تجرؤها اجتياز حاجز المؤسسة العسكرية التركية والتفاوض على إنهاء هذا الصراع مع حزب "وصف" بأنه إرهابي لا يمكن التفاوض معه حول قضية الشعب الكردي في تركيا. ويبدو هذه المرة أن الطرفين مصران على إنهاء هذه المشكلة رغم العوائق التي تعتري طريقهما.

إن سياسة تصفير المشاكل التي تبنتها الحكومة التركية كي تنطلق بعدها للعب دور إقليمي في المنطقة جعلها تتوجه إلى حل المشكلة الكردية التي كانت تعتبر من المشاكل المزمنة للدولة التركية، ولا ضير على كرد تركيا من التجاوب مع هذا التوجه مادام أن الطموح التركي في تحقيق أحلامها العثمانية لا يتعارض مع التوجهات القومية الكردية بل العكس تماماً، فإن الطموح التركي هذا يحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة في سبيل تحقيقه مما يدفع بحزب أردوغان للعمل على البقاء في السلطة لتحقيق هذا الهدف، ولهذا فإنها تحتاج إلى تحالف طويل الأمد مع جهة سياسية تمتلك أصواتاً انتخابية كثيرة، وفي نفس الوقت تكون هذه الجهة من خارج المعلب الشعبي لحزب التنمية والعدالة (خارج الشارع التركي)، ولن يجد أردوغان أفضل من حزب العمال الكردستاني الذي يحوز شعبية كبيرة في الشارع الكردي ليتحالف معه ضد الأحزاب القومية التركية التي تتقاسم الشعبية مع حزب أردوغان في الشارع التركي... وعلى حزب العمال الكردستاني فهم هذا الاحتياج والعمل عليه منذ الآن، ليس هذا فحسب بل إنها قد تؤدي حتى ببعض الأحزاب القومية في تركيا إلى تخفيف لهجتها المتطرفة بغية الالتقاء في بعض النقاط مع توجهات الكرد والاستفادة منهم انتخابياً.

يمكن أن يتعدى تأثير التطورات الحالية في تركيا إلى ما هو خارج حدود تركيا لتلتقي مع الوضع الكردي العراقي، فإن استطاعت الأحزاب الكردية في طرفي الحدود التركية العراقية السمو عن المصالح الحزبية الضيقة فيمكن لهم لعب دور مهم جداً في المنطقة حتى لو بقوا ضمن نسيج دولهم دون انفصال. فوجود الكرد في دولتين يتبنيان أفكاراً عقائدية متناقضة وفي ظروف كالتي تمر بها المنطقة من حشد طائفي يمكن أن تساعد على أن يكونا حلقة وصل ليس بين الدولتين فحسب، بل بين المعسكرين في المنطقة كذلك مما يكسبهما نقاطاً جديدة ويعطيهما مكانة متميزة يمكن العمل وفقها لما هو في مصلحة الأجندة القومية للكرد.

من جهة أخرى، فإن الابقاء على عدد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل تحت اسم "جناح بيجاك" العسكري ضد الحكومة الإيرانية قد تساعد على المساومة السياسية فيها مع إيران مقابل تدخلها في الملف العلوي في تركيا كي تزايد على حكومة التنمية والعدالة في هذا الشأن  وكسب نقاط سياسية جيدة قد يجعل من الكرد بيضة القبان في الصراع الموجود، ومع أهمية هذه النقطة فإن التحرك من خلالها يستدعي الكثير من الحذر لمنع وصول الموقف إلى حد الصدام المباشر عسكرياً.

إن للكرد أوراقاً كثيرة يمكن لهم المناورة عليها في مراحل أخرى متقدمة منها ملف المياه مثلاً حيث إن مصادر النهرين (دجلة والفرات) اللذين يعتمد عليهما الدول الثلاث (تركيا وسورية والعراق) ينبعان من أراضٍ كردستانية مما يفسح المجال للكثير من المناورات مع الدول المستفيدة منها. فضلاً عن موضوع الاستثمارات التركية في كردستان العراق وسيل اللعاب التركي للنفط والغاز الموجود فيها، إضافة إلى أن الاستقرار في كردستان تركيا سيجعل من هذه المناطق الخام صناعياً مناطق جذب صناعي باعتبارها قريبة من الحدود التركية مع الدول العربية، مما يعتبر ورقة رابحة بيد اللاعب الكردي في تركيا، ولا يفوتنا ذكر الأنبوب العراقي التركي للنفط الخام الذي ينقل أكثر من ربع إنتاج العراق للنفط الخام، وهو يمر إلى ميناء جيهان عبر أراض كردستانية في الدولتين.

حاولنا فيما سبق المرور بسرعة على الآفاق المفتوحة أمام المناطق الكردستانية في تركيا والعراق لتطوير أمنها القومي من خلال تحصين وضعهم السياسي والاقتصادي، وكما قلنا فإن هذا سيتحقق فقط عندما تستطيع الأحزاب الكردية خلق تنسيق عالي المستوى بينها بحيث تهمل وبشكل كامل الأجندات الحزبية الضيقة، وتجعل من الأمن القومي الكردي أولوية في نهجها... وبعكس ذلك التنسيق فيمكن لحكومة أردوغان وحكومة المالكي وإيران استغلال التناقضات الكردية لتفتيت النسيج الكردي في الجانبين، لهذا السبب فالأحزاب الكردية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بالتحلي بروح المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم.

* كردستان العراق - دهوك

back to top