حوار الطرشان: القمة والسفح (2)

نشر في 23-03-2013
آخر تحديث 23-03-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان كنت قد تحدثت عن أهل القمة في المقال السابق، واليوم أتحدث عن أهل السفح.

وهم أولئك الذين يعيش بعضهم في مدن من الصفيح، وينتشر الأغلب في المناطق العشوائية، وينام الأكثر بؤساً في بيوت من الكراتين في الشوارع، هم أولئك الذين يتمتعون بحقوق مبتسرة، تقابلها واجبات مرهقة، لأن كفة ميزان الحقوق مختلة اختلالاً بالغاً أمام كفة الواجبات.

ولن أبالغ إن قلت إنهم أولئك المحكوم عليهم "بالموت المدني" الذي كان معمولاً به في أوروبا إبان العصور الوسطى، حيث تسلب الحقوق وتُحمل الالتزامات.

هم أولئك الذين تحيط بهم جبال شاهقة من البؤس، وتجري تحت أقدامهم أنهار ممتدة من الحرمان، وإذا ما اجتمع البؤس والحرمان فمن المحتم أن ينتج عنهما أنواع عديدة من القهر الاجتماعي، الذي سيجدونه مستيقظاً حين يصبحون، ولا ينام حين يمسون، فيظل ملازماً إياهم ملازمة تامة، وكأنه ظلال جذوع نخل شمسها لا تغيب.

تكثر في أوساطهم الجريمة -مثل- السرقة، النهب، والاستيلاء، وكذلك القتل في بعض الأحيان، وتفيض شوارعهم بالأوساخ والقاذورات، لكثرة الإهمال، لأنهم في نظر النخبة لا يستحقون الاهتمام، وبالتالي فإن صرف الأموال عليهم محرم لأنه يدخل في باب الإسراف، والرفع من معاناتهم محرم أيضاً لأنه يدخل في باب التشجيع على الكسل والحث عليه، وإعلاء قيمتهم محرم كذلك لأنه يدخل في باب مزج الطبقات والتقريب بينها، وهذا الأمر يجب عدم فعله فضلاً عن التفكير فيه.

فسدّ باب الذرائع مطلوب في مثل هذه الظروف ومطلوب جداً.

باختصار هم "الإنسانية المعذبة" التي تضمد جراحها بالوعود، وتطفئ لهيب حرمانها بالأماني، وتقتات على القليل من الفتات الذي ترميه النخب عليها من الأعلى.

ومن حيث إن أهل السفح يشكلون الأغلبية العظمى في المجتمع، ومن حيث إن الأهمال قد ضرب أطنابه حولهم، ومن حيث إن الفوضى غايتهم، لأنهم خاسرون بها وخاسرون بمعزل عنها، ومن حيث إن الدولة التي تسيطر عليها النخب تنظر إليهم شزراً ينم عن تعال وغطرسة.

لذا ستجد أهل السفح نزاعين نحو تدمير كل شيء حتى أنفسهم، لأن الألوان في عيونهم انطفأت، والخيوط تشابكت وتعقدت، واليأس تغلغل في نفوسهم واستقر.

وبناء عليه ستكون الدولة معرضة للهدم طال الزمان أم قصر، وسبب سقوطها يكمن في شرارة الفوضى إن قدحت، لأنها ستستحيل بعد القدح إلى نار عظيمة وقودها الحقد، وأكسجينها القهر الاجتماعي، والنار هذه ستحرق أهل القمة وأهل السفح من دون استثناء.

لذلك نجد الدول الحديثة والمتطورة، تسعى جاهدة إلى رفع قيمة أهل السفح، والاعتناء بشؤونهم، وتحسين مستوى التعليم لديهم، ونشر الخدمات الصحية في أوساطهم، لكي يأتوا منتجين تستفيد من جهودهم الدولة، لأنهم يدركون- أي القائمين على إدارة الدولة الحديثة- أن دولتهم لن ترتقي ويستمر لها الارتقاء، ما لم يساهم  الجميع دون استثناء في عملية البناء... والسلام.

back to top