الأمراض النفسية - الجسمية... وهمية أم حقيقية؟

نشر في 06-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 06-08-2013 | 00:01
تضم الأمراض النفسية –الجسمية، أو الأمراض النفسجسمية أو الأمراض السيكوسوماتية كلّ ما يخطر في بالك من أمراض. إلا أن البعض ينكر حقيقة وجودها أساساً، أو يبتسم لمجرد التفكير بأنها أحد اختراعات الطبّ المعاصر الذي يقف عاجزاً أمام هذه الأمراض التي تلامس حدود الخيال، لكن الحقيقة مغايرة لهذه الأفكار السائدة. تجد هذه الأمراض أصلها في التوتر والإرهاق وفي الأعراض التي تسببها الحياة العصرية، إلا أن أشخاصاً كثراً لا يأخذونها على محمل الجدّ، ويعتبرون أنها ضرب خيال تافه.
أعراض الأمراض النفسية –الجسمية واضحة والألم موجود، ولا يجدي إنكارها. اليوم باتت العلاقة بين الجسم والروح واضحة، مع ذلك ما زالت  أجوبةً أو تعليقات على غرار: «الأمر تافه، أنت تتخيل» شائعة، ولكن من قال إن الأمور الخيالية غير موجودة؟

عند الحديث عن الأمراض النفسية -الجسمية، يميل البعض إلى إبعاد الشبهة عن الرجال باعتبار أن هذا النوع يصيب النساء،  ليس الأمر حقيقياً دائماً.  

لا شكّ في أن هذه الأمراض تتجلى في أعراض حقيقية ما يجعل منها مجموعةً قائمةً بحدّ ذاتها، تعرّف بأنها نوع من يأس عاطفي، صدمة، قلق، ضعف في مناعة الجسم وتراجع الدفاعات الطبيعية، نتيجة الضغط الشديد (لا أهمية لدرجة الضغط، فلكلّ فرد قدرته الخاصة على التحمل) الطويل المدى أو المتكرر، فيُصاب المرء على أثره بمرض يطاول أحد أعضاء الجسم الحساسة (ألم في البطن أو وجع منتظم في الظهر، أو تعب في القلب...).

قد يكون للحالة النفسية أثرها على الناحية الجسدية، إلا أنها لا تشكّل العامل الأساسي الذي يسبب الأمراض كافةً، كما هي الحالة بالنسبة إلى الأمراض النفسية -الجسمية.

عوامل محفزة

وفاة عزيز، مشاكل مهنية وعائلية، شقاء ناتج عن علاقة حبّ فاشلة، انتقال من مكانٍ إلى آخر بشكل سيئ، تغيير معين طرأ على المنصب المهني... كلها ظروف تطاول الناحية العاطفية وتؤدي إلى أمراض وحالات ضيق يصعب تحملها.

يخشى الأطباء الظروف الضاغطة المتجددة بانتظام، لذا قد يبدو بعض الإزعاج في العمل أخطر من عملٍ مرهق، وبالتالي قد تجد صعوبةً في إدارة الضغط الذي يسببه الاهتمام بمريض يعاني الألزهايمر، إلا أن حالات الاكتئاب وأحياناً الانتحار تنتج من ظروف متكررة لا حلّ واضحاً أو متوقعاً لها. يبدو المريض أساساً بحال جيدة، إلا أنه قد يعاني فجأةً ضيقاً معيناً.  

القلق الرئيس الذي يساور الأطباء، حين يراجعهم مريض يعاني هذا النوع من الأعراض، هو الوقوع في الروتين. من الأفضل أن يتأكد الطبيب من أن الضيق لا يُعزى إلى سببٍ آخر. بالتالي، قد تراجع مريضة طبيبها بانتظام بسبب التهاب في القولون اعتادت أن تتناول Spasfon كعلاج، وفي كلّ زيارة، تسأل عن سبب الألم.

تخضع هذه الفئة من المرضى لفحوصات دورية لا تُظهر في العادة أي مشاكل عضوية ما يكسب أفرادها تسمية مريض الوهم، لا يعني ذلك أن مرضاً حقيقياً قد يظهر مقابل مرضٍ آخر يُفترض أنه وهم، الأمران موجودان إلا أنهما مختلفان تاماً.

قوة الروح

بات مفهوم الجسدنة اليوم مثبتاً، إنه تأثير تتركه الحالة النفسية على الجسم وعلى وظائفه. يدرك الأطباء أن الضيق النفسي قد يحفز بعض المشاكل، في المضمار عينه، يُعتبر الوسواس المرضي الشديد أحد الأمراض النفسية-الجسدية. لا بدّ من الإشارة إلى أن الرجال يُصابون أكثر من غيرهم بهذه الأمراض ويمكن وصفهم بمرضى الوهم الذين يسيطر عليهم القلق والعذاب. لا يعاني هؤلاء المرضى غالباً أي مشكلة جسدية باستثناء تلك المرتبطة بالقلق، كتسارع ضربات القلب أو التعرق الشديد، ولا يُصنّفون ضمن فئة الأشخاص الذين يعانون أمراضاً نفسية -جسمية، إنما تشكل هذه العناصر إحدى ميزات شخصياتهم.

 رأي الطبّ المعاصر

 

منذ فترةٍ ليست بعيدة، كانت أمراض كثيرة تُصنف ضمن فئة الأمراض النفسية-الجسمية قبل أن يكتشف الأطباء فعلاً أنها أمراض قائمة بحدّ ذاتها. في الحالات الطبيعية، يعاني الإنسان توترات معينة ناتجة عن مشاعر تسيطر على كيانه كوفاة عزيز أو انفصال عن حبيب أو زوج... إلا أن هذه المشاعر سرعان ما تختفي لتعود الأمور إلى استقرارها وتوازنها. لطالما ساد اعتقاد أن حرقة المعدة تنتج من ضغط شبه دائم، إلا أنه بات معروفاً أن المرض يُعزى أساساً إلى بكتيريا معينة ويحتاج إلى علاج مضاد للالتهابات ليختفي ويزول.

في حالات معينة قد يشتد القلق لدرجةٍ يعجز المرء معها من العودة إلى سابق عهده ما يؤدي إلى خلل نفسي. قد تسبب صدمة كبيرة أحياناً يأساً يقف حاجزاً أمام أي علاجٍ من شأنه إعادة التوازن إلى الحياة، لكن بدلاً من الناحية النفسية، تُعبر الحالة الجسدية عن ضيق الروح الذي يؤدي إلى الجسمنة، قلة من الأطباء  تفكّر بأن الطابع النفسي يكمن وحده وراء المرض.

الدماغ سيد الموقف

كثيرة هي الأمثلة التي تثبت قوة الدماغ والوهم الذي يسيطر على الإنسان ويأخذ من جسمه كلّ مأخذ.  

• العضو الشبح: عُرِفت هذه الظاهرة منذ فترةٍ طويلة وتتجلى في إحساس يراود شخصاً يشعر بأن العضو الذي فقده في جسمه ما زال موجوداً، فيراوده ألم في هذا العضو المفقود الذي لم يغب يوماً عن باله، نظراً إلى وجوده المستمر في دماغه. تصيب هذه الحالة الأشخاص الذين يعانون  شللا منذ فترةٍ طويلة، ويمكن الحديث هنا عن ألمٍ نفسي-جسمي حقيقي، لا سيما أن التحاليل الدماغية المعاصرة أتثبت أن الألم موجود فعلاً وليس نتيجة تحفيز معين.

 في البداية، أرجع الأطباء الأمر إلى ألم ناتج عن جراحة، إلا أنه ليس كذلك على الإطلاق. يملك الدماغ خارطةً عصبية تفصل الجسم بأكمله، ولا يعني قطع العضو ضرورةً أن العصب المتصل قد وافق على غيابه.

• أثر الدواء الوهم: في العادة لا يؤثر الدواء الوهم إيجاباً إن لم يتضمن أي مواد فاعلة، إلا أن آثارًا كلينكية أثبتت أن وصف دواءٍ وهمي يعطي نتيجة علاجية بسيطة إنما حقيقية. يشير الاختصاصيون إلى أن 35% من الأشخاص يقعون تحت تأثير الدواء الوهمي، أياً كانت أعمارهم، ويذهب بعضهم إلى أن هذا النوع من الأدوية يترك أثراً فاعلاً على حديثي الولادة، الأمر الذي يبدو منطقياً إن اعتبرنا أن الدواء الوهمي يؤثر حتى على بعض الحيوانات الأليفة.

الدواء الوهمي فاعل لمعالجة أمراض نفسية وعصبية كالأرق والقلق، الألم المرتبط بالدورة الشهرية، بعض أنواع الحساسية، مشاكل معوية... وذلك نتيجة تفاعل الحالة النفسية لا سيما حين يؤدي الطبيب دوره بشكلٍ مقنع.

شباب ومراهقون

في معظم الأحيان، يشعر المريض بأعراض متكررة في المراهقة ومرحلة الشباب قبل سنّ الثلاثين، فيبدو عليه القلق والاكتئاب من دون أن يتحوّل الأمر إلى ميزةٍ تطبع حياته.

يشتكي بعض المرضى من آلام منتشرة في أنحاء الجسم يصعب علاجها لأنها لا تصبّ ضمن خانة تشخيص معروفة. يميل الأطباء في حالات مماثلة إلى الحديث عن أمراض جسمانية. يبقى الأمر في المطلق غامضاً لا سيما أن المرضى يشفون من تلقاء أنفسهم من دون أن يدركوا الأسباب الكامنة وراء شفائهم.

 أمراض نفسية - جسمية

• مشاكل مرتبطة بالنوم: تكثر مشاكل النوم وتتنوع وغالباً ما تنتج من مخاوف متنوعة. لا توّفر مشاكل النوم أحداً بل تطال الفئات العمرية كافة بشكلٍ متفاوت. يؤدي الأرق إلى ضعفٍ وعصبية ويرمي المرء في حلقةٍ مفرغة، لذا لا يجب الاستهانة به. يترك هذا النوع من ردات الفعل إزاء الضغط تداعيات على مستوى الانتباه والتركيز في الحياة العملية أو في المدرسة، وقد تصل الأمور إلى حدّ التأخر في النمو.

• أمراض جلدية: ترتبط الأمراض الجلدية في غالبيتها ببكتيريا، فيروس أو طفيليات. يحدث أحياناً أن تؤدي الحالة النفسية دوراً مهماً، فلا عجب أن يلاحظ البعض ظهور قرحة أو جربٍ أو ثعلبةٍ أو قوباء أو صدفية بعد حادثٍ أو انفصال أو صدمة ما. لا بدّ من الإشارة إلى أن الحالة النفسية غالباً ما تكون كامنةً وراء إصابة الأطفال والمراهقين والبالغين بالإكزيما.

• داء الشقيقة: يُعتقد أن بعض أنواع داء الشقيقة، على غرار ألم في الظهر غير ناتج عن حركة خاطئة، ينتمي إلى الأمراض النفسية –الجسمية في ظلّ غياب أسباب أخرى.  

• مشاكل الدمّ والأوعية الدموية: يعزى ارتفاع ضغط الدم، في حالات كثيرة، إلى الانفعالية وعدم انتظام دقات القلب التي قد تبدو مقلقة بعض الشيء. يعاني البعض ضيقاً يصل إلى حدّ الإغماء، وغالباً ما يكون مبهماً، فيما الضيق الحقيقي يؤدي إلى خللٍ في القلب أو الشرايين لدى مرضى القلب والشرايين.

لتقديم فكرةٍ عن الروابط المعقدة بين الدماغ والجسم، نذكر الجلطات التي غالباً ما تُعزى إلى أسباب عضوية، إلا أنها قد تطرأ أحياناً نتيجة صدمة عاطفية. في المضمار عينه لاحظ الأطباء أن الأشخاص الذين يستعيدون حياتهم الطبيعية، بعد نوبة قلبية، يحظون بفرصة العيش لفترةٍ أطول من تلك التي قد يحظى بها آخرون يعانون اكتئاباً بعد النوبة القلبية.

• فقدان الشهية و/أو الشره المرضي: يُعزى الخلل الغذائي، عموماً، إلى أسباب عاطفية حتى وإن بدت الأسباب أحياناً مجهولة. وقد يؤدي فقدان الشهية أو الشره المرضي إلى أمراض أخرى وإلى ضعفٍ في القلب والأوعية الدموية.

• مشاكل معوية: الأمعاء والقولون والكبد أو ما يُعرف أساساً بالمرارة أعضاء حساسة لدى الأشخاص الذين يؤثر الانفعال والحساسية سريعاً على صحتهم. علاوةً على ذلك، يمكن أن يصاب المرء بأنواع أخرى من الضيق، إلا أنه يتحاشى زيارة الطبيب باعتبار أن الأسباب النفسية لا تؤدي إلى أمراض عضوية خطيرةً قد تتطور حتى بعد اختفاء العامل النفسي. في أغلب الأحيان، يدرك المرضى أعراضهم فيلجأون إلى المعالجة الذاتية.

العلاج

لا بد من أن يحدد العلاج، أمام حالة معينة، الجزء المرتبط بحالة عاطفية والجزء المرتبط بحالة عضوية، ويأخذهما في الاعتبار.لا يمكن تشخيص المرض النفسي- الجسمي إلا بعد التخلّص من الأسباب الأخرى.

صحيح أن حالات داء الشقيقة أو التهاب القولون قد تتطلب علاجاً كلاسيكياً، إلا أن حالات أخرى كالإكزيما والضيق المبهم تتطلب التركيز على الأسباب النفسية الكامنة وراء الألم.

حين يمرّ المريض بفترة حداد، لا بدّ من الانتظار بعض الوقت إلى أن يشفي الزمن ألمه، إلا أن الخضوع لعلاج يعتمد على مضادات القلق أو الاكتئاب لفترة بسيطة يبدو فاعلاً، ما يمنح الأعصاب فترةً للراحة والنوم واستعادة القوى والتوازن. يزيد الإرهاق من حدة المرض لأنه يمنع المريض من نيل قسطٍ من الراحة أو الذهاب في عطلةٍ.

ينصح الاختصاصيون بأنواع مختلفة من العلاجات وفقاً لأسباب المرض. أما بالنسبة إلى المرضى الذين يرفضون الخضوع لعلاج نفسي، فيمكنهم اللجوء إلى علاجات بديلة تتيح لهم الاسترخاء، أو تعلّم تقنيات بسيطة لاستعمالها في الظروف المختلفة.  

في مطلق الأحوال، يعتبر الأطباء أن المشكلة النفسية تُترجم عموماً بمرضٍ معين أو بأعراض معينة، ويعتقدون أن الدماغ يكون في حالة فيض وأن الجسمنة هي ردّ وحيد على المشاعر التي يصعب السيطرة عليها بشكلٍ واعٍ أو لاواعٍ.

قد يكون الجسم والروح عاملين واضحين طبياً إلا أن الدماغ ما زال غامضاً، إلا أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغدد الصماء والنظام المناعي. بالتالي، أي خلل عصبي يمكن أن يترك تداعيات على الجسم، حتى وإن كانت الآليات بمجملها غائبة. لا ينبغي إهمال الأمراض النفسية - الجسمية وإن بدا أن بعض الأمراض يُصنف ضمن هذه الفئة نتيجة جهل طبي.

 

قدرة على التحمّل

لكلّ فردٍ حالته النفسية الخاصة وعتبةً تحمّل معينة. يُستحسن أن يسعى إلى العمل ليرفع من قدرة تحمّله لبعض الظروف ومهارته في التخلّص منها، بمعنى آخر أن يستفيد من الأساليب العلاجية النفسية التي ترمي إلى هذا الهدف، من خلال التركيز على عنصرين:

• يتجلى العنصر الأول في نمط الحياة الذي يعتمده المرء والقدرة على تطورها ليتخلص من الضغط.

• يتجلى العنصر الثاني في رأسماله الجيني. حتى وإن لم يتمكن الأطباء من جمع معلومات وافية عن الجينات، إلا أنه من المحتمل أنها تؤدي دوراً مهماً.

حالات السرطان

كثرٌ هم الأشخاص الذين يتساءلون إن كانت الأمراض السرطانية رد فعلٍ لنقصٍ مناعي عابر ناتج من مشكلة نفسية. يؤمن بعض الأطباء بدور الدماغ في المرض، حتى في ظلّ وجود عادات سيئة كالتدخين أو الإدمان.

في الحقيقة، ثمة عجز في تقييم تأثير الجانب النفسي على ظهور المرض وشرح وقوع البعض فريسة له وبقاء البعض الآخر بمنأى عنه، علماً أن المجموعتين تعتمدان أسلوب حياة مشابهاً. ينحصر سرطان الرئة بالمدخنين، وإن استثنينا العامل الجيني الذي يبقى محط أنظار الدراسات، يبقى الحلّ الوحيد في الاستفادة من الفرص المختلفة للحصول على حياة سليمة قدر المستطاع.

أهمية التنويم المغناطيسي

بعدما فقد ألقه في السنوات الأخيرة، بدأ التنويم المغناطيسي يستعيد مكانته ويعطي نتائج فاعلة في معالجة الأمراض النفسية - الجسمية. تُستعمل هذه التقنية للتخدير، إلا أنها تبدو فاعلة في المساعدة على التخلص من الإدمان والقلق والضغط الذي يلي مرحلة عذاب ومعاناة، كذلك حالات الرهاب.

هل يتوقف الأمر على تحفيز معين؟

حين يقرر الطبيب تشخيص حالة مريض معين، لا بدّ من أن يتأكد ألا علاقة للأمر بمحفز معين أو بمسألة أخطر من ذلك. فقد يكون المرض على صلة بمحفز يسبب آلاماً ضمن استراتيجية تقوم على التهرب من أمر ما، على غرار الطفل الذي يدّعي أنه مصاب بالحمى للتهرب من فحصٍ في المدرسة، أو بمحفزات لاوعية ترمي إلى جذب الانتباه إلى ضيق نفسي معين. 

back to top