تقرير محلي : الكويتيون مارسوا قديماً مهنة الغوص سعياً إلى الرزق متحملين أخطارها ومشاقها

نشر في 25-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 25-08-2013 | 00:02
No Image Caption
ازدهرت المهنة في عهد مبارك الكبير الذي امتد حكمه من عام 1895 إلى 1915
اعتمد الكويتيون في رزقهم قديما على مهن عدة منها مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ التي تعد من اخطر واشق المهن التي مارسوها بغية استخراج اللؤلؤ من سواحل الخليج لبيعه والمتاجرة به، مواجهين بذلك اخطارا شديدة وضاربين امثلة خالدة على قوة عزيمتهم وصلابة بأسهم.
ازدهرت في عهد امير الكويت الاسبق الشيخ مبارك الكبير الذي امتد حكمه من عام 1895 الى 1915 واستمرت في ما بعد الى ان بلغت نهايتها مع قيام الحرب العالمية الثانية وعند ظهور اللؤلؤ الصناعي واكتشاف النفط. وقد امتهن الكويتيون الغوص بكل اطيافهم حضرا وبدوا ومن كل مناطق بلادهم وحظي الغواص في المجتمع الكويتي قديما بمكانة عالية بين الناس وكان ينظر اليه بإعجاب واحترام ولا يزال يشار بالبنان الى ابرزهم وتذكر اسماؤهم واعمالهم في الكتب والمحافل والمناسبات.

ويبدا موسم الغوص الرئيسي في شهر مايو من كل عام وينتهي في اخر سبتمبر حيث يمكن تحمل برودة قاع البحر الا ان هناك مواسم اخرى تكون قصيرة ومنها الخانجة او باكورة لانها تسبق الموسم الرئيسي وفي شهر ابريل واخر يسمى الردة ويكون في شهر اكتوبر والرديدة في نوفمبر.

وعرف الكويتيون منذ القدم بخبرتهم الواسعة في امور البحر من صيد وملاحة وابحار وأظهروا قوة عزيمة وشدة بأس وتحمل في مهنة الغوص على اللؤلؤ بما تحملوه من تعب ومشاق ومجاهدة ومخاطر مستخدمين بذلك ابسط الأدوات والمعدات.

ولم يكونوا يحملون معهم من ادوات الغوص شيئا فلا يرتدي الغواص آنذاك سوى سروال قصير اسود اللون يسمى (الشمشول) بدل الازار ليساعده على السباحة والحركة في قاع البحر ولحماية نفسه من الحيوانات البحرية الهلامية المسماة (الدول) وقد يرتدي لباسا آخر مصنوعا من قماش خفيف اسود ايضا يشبه البنطلون والقميص باكمام طويلة وقد اختير اسود لابعاد اسماك البحر الخطرة.

الفطام

ويضع الغواص على انفه اثناء الغوص ما يعرف بـ»الفطام» وهو قطعة صغيرة مصنوعة من عظام السلاحف طولها نحو اصبع وذلك لمنع تسرب الهواء او دخول الماء ويمسك اثناء نزوله للقاع بحبل يجره جرا خفيفا كإشارة الى الشخص الآخر الموجود على ظهر السفينة كي يسحبه الى السطح. واعتمد الغواصون على النجوم لمعرفة الطرق اضافة الى البوصلة وكانوا يقيسون عمق البحر ويتعرفون على نوع تربته باستخدام قطعة مستطيلة من الرصاص تسمى (البلد) تربط بحبل به علامات وتنزل في البحر قبل نزول الغاصة للاسكشاف.

الكي بالنار

وقد تنفجر طبلة اذن الغواص بسبب الضغط القوي في القاع ويخرج الدم منها مما يسبب له الما شديدا يمنعه من مواصلة عمله، خصوصا مع عدم توافر العلاجات اللازمة واعتماده على الكي بالنار او بعض الاعشاب للاستشفاء.

وقد تصيب الغواصين بسبب طول مكوثهم في البحر امراض جلدية كالتسلخات وكمرض (السمط) الذي يؤدي الى تعفن الجلد وظهور الطفح والقروح عليه، وقد يصاب بعضهم في قاع البحر بتشنجات لا يستخدمون لعلاجها سوى قراءة ايات من القرآن الكريم والدعاء.

ومن اخطار البحر الاخرى التي يتعرض لها الغواصون الاسماك الخطرة لاسيما سمك القرش الذي التهم الكثير منهم وتسبب في اصابة اخرين بجروح وعاهات اقعدتهم عن كسب العيش وتركت في نفوسهم اشد الذكريات حزنا والما.

وبعد انتهاء عمل الغواصين عند غروب الشمس يتناولون عشاءهم المكون عادة من الارز والسمك بعد يوم طويل مضن، لا يتناولون خلاله سوى القليل من التمر والشاي والقهوة وبعد صلاة العشاء يغطون في نوم عميق من شدة التعب غير مكترثين لعدم توفر فرش واغطية ولا الى صغر مساحة المكان.

وتتوزع مهام العمل على ظهر السفينة ما بين (المجدمي) وهو رئيس البحارة والمسؤول عن العمل والغواص والسيب اللذين تم ذكرهما سابقا و(النهام) وهو الذي ينشد اهازيج واغاني تسليهم وتهون عليهم المشاق والطباخ واخرين من صغار السن يقومون باعمال خفيفة ويراسهم جميعا (النوخذة) وهو الربان وصاحب اكبر نسبة من المحصول ونائبه المسمى (الجعدي).

الطواش

اما الطواش فهو التاجر الذي يجوب البحر بسفينته يشتري اللؤلؤ من الغواصين وقد يبيعهم مؤنا مثل الارز والسكر والشاي والتمر، وامتلك بعض هؤلاء التجار خبرة عظيمة في معرفة اللالئ واشكالها وانواعها وسافروا الى دول عدة لبيعها مثل البحرين وسورية وتركيا حتى ان بعضهم وصل الى باريس ولندن.

وعلى عكس الحياة في سفينة الغوص وبفضل الثروات التي يكونها الطواش تتميز الحياة على سفينته بالراحة التامة حيث العمل غير مضن وماء الشرب نظيف والاكل فاخر والخدم والمساعدون متوفرون.

ويعتبر انتهاء موسم الغوص او ما يعرف بـ(القفال) بمثابة العيد في الكويت وفي دول الخليج اذ تعود الحركة والنشاط في الاسواق ولدى الناس الذين طال انتظارهم لاهلهم واحبابهم المسافرين للغوص الا انه يكون حزنا وتعاسة لدى البعض ممن يتلقون نبأ موت او اصابة احد اقربائهم بجروح.

وكان هناك تقليد شعبي قبل القفال يخرج فيه النسوة مع الاطفال وهم غالبية من بقي في البلاد الى شاطئ البحر ليلا، وهن يغنين اغاني لا تزال ذكراها تتردد وتدعو كلماتها الى عودة ابنائهن وازواجهن واقاربهن المسافرين في رحلة الغوص.

back to top