مصير السلطوية

نشر في 08-03-2013
آخر تحديث 08-03-2013 | 00:01
 لمى فريد العثمان "لماذا تفشل الأمم؟"... سؤال توصل الكاتبان دارون أسيموجلو وجيمس روبنسون إلى جواب عنه بعد خمسة عشر عاماً من البحث، الذي اعتمد على البراهين التاريخية لتطور الأمم. أكد الكاتبان من خلال النتائج التي توصلا إليها أن عوامل الجغرافيا أو نقص الموارد أو الجهل في السياسات ليست العوامل الرئيسية وراء فشل الأمم، كما يعتقد البعض، فالكثير من الدول تتشابه وتتقارب جغرافياً وعرقياً، وبتوافر مواردها أو نقصها، لكنها تختلف في ما يتعلق بالرفاهية والاستقرار.

 وقد استند الكاتبان في الفصل الذي أسمياه "قريب جداً ومختلف جداً" إلى تجارب عديدة لتفسير سبب اختلاف دولتين رغم تشابههما وقربهما الجغرافي. أحد تلك الأمثلة مثال الكوريتين، فرغم التشابه والتماثل والتجانس الاجتماعي بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فإن الأولى دولة فقيرة وغير مستقرة، بينما الثانية دولة غنية ومستقرة. فما سبب فشل الأولى ونجاح الثانية؟

توصل الكاتبان إلى مفتاح نجاح الدول، وهي النظرية المؤسسية، أي إدارة البلد عبر مؤسسات سياسية اقتصادية اجتماعية راسخة شاملة تعددية تكافؤية تداولية مستقلة مفتوحة لكل أفراد المجتمع، بينما تفشل دول أخرى بسبب غياب هذه المؤسسية، واحتكار السلطة أو الفئة أو الطائفة للمؤسسات المنغلقة عليهم، والتي تعتمد توزيع المناصب القيادية لتشتري بها الولاءات الطائفية والفئوية والعشائرية، فتحل تلك البنى البدائية محل المؤسسات (فهي الوسيلة الوحيدة لكسب التأييد في غياب المؤسسات)، وتصبح تلك البنى البدائية أداة لحماية السلطة ومواليها، بدلاً من بناء مؤسسات لحماية الدولة ومواطنيها، الأمر الذي يفضي، لا محالة، إلى الصراع السياسي والاقتصادي، من أجل التوزيع العادل للثروات. وهي النظرية التي تفسر سبب الثورات والانتفاضات في الدول العربية التي أحكمت أنظمتها السلطوية إغلاق مؤسساتها، وتحكمت في مجتمعها المدني، وهيمنت على بيروقراطيتها، ووظفت تورمها، وتوغلت وتسيدت وتمددت على مؤسساتها السياسية والاقتصادية والقضائية والأمنية والإعلامية والدينية والثقافية والتربوية، ليتآكل المجتمع، وينخر من الداخل ويفقد استقلاليته وحريته.

فصناعة الرفاهية لا يمكن أن تتحقق دون المحفزات الإبداعية والابتكارية التي ترسخها المؤسسات الحرة العادلة، لتجد طريقها ممهداً نحو التقدم متحرراً من عوائق وقيود السلطة أو النخبة أو الحزب التي تقف حائلاً دون تحقيق نموها في الدول الفاشلة، أما غيابها فيؤدي إلى الحالة التي وصفت في الكتاب بالدوران في "الحلقة المفرغة".

فالطريق إلى النجاح، وتحديد مصير المستقبل، يأتي عبر بناء مؤسسات يحكمها القانون، الذي يقيد التسلط الحكومي أو الجماعي أو الفردي، ويمنع استبداد أحدهم، ويوقف تعديه واحتكاره لها. وهو شرط مسبق للتنمية الاقتصادية، فلا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ذات أسس قوية دون أرضية المؤسسات الصلبة.

أما تجربة الصين، التي يستخدمها البعض كنموذج للنجاح رغم هيمنة الحزب الشيوعي على المؤسسات السياسية والاقتصادية وباقي مؤسساتها الاستبدادية، فيرى الكاتبان أنه نموذج قد يمكن من تقليل نسبة الفقر، لكنه لا يضمن الرفاهية المطلوبة، كما توقعا أن يكون مصير هذا النموذج الفشل.

ترسيخ مفهوم المؤسسات هو "نقطة التحول" و"الحد الفاصل" بين الأمم الفاشلة والأمم الناجحة، أما غيابه فيؤدي إلى التوتر المحتوم، وهو التوتر التاريخي المستمر في الدول العربية التي كثيراً ما استبدلت ثياب أنظمتها السلطوية بثياب سلطوية أخرى مفصلة بديمقراطية شكلية من قبل ترزية القوانين الذين يعيدون إنتاج الاستبداد الذي يلتهم المجتمع، بدلاً من التحول البنيوي إلى خلق مجتمع المؤسسات المستقلة الذي يوفر الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص.

back to top