التطرف والإسلام في الكتب (2-2)

نشر في 07-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 07-08-2013 | 00:02
No Image Caption
بيتٌ بمنازل كثيرة

في كتابه {الإرهاب المقدس} يتقصى الناقد الإنكليزي المعروف تيري إيغلتون جذور الإرهاب ويبيّن شجرة نسبه في التاريخ والأساطير والأديان والثقافات، ففي العالم الوثني تمثَّل الإرهاب المقدس بالإله ديونيسيوس، بطبيعته الماجنة الصاخبة، الذي يطلق الحسي والغريزي في فضاء بلا حدود. وفي العصور الوسطى تمت إزاحة المكانة التي احتلها ديونيسيوس وصار الربّ كما يراه الفكر اليهودي- المسيحي هو نموذج الإرهاب المقدس، بناره التي تقتات على أجساد الخاطئين الخارجين على قانونه. من خلال هذا الاختصار لكتاب إيغتلون ندرك مدى المعمعة في التطرق إلى الإرهاب والعنف والتطرف، سواء كان ذلك سياسياً أو دينيا أو وثنياً أو ثورياً غيفارياً.
لا شك في أن للتطرف ثقافاته المتناقضة وموجاته الأيديولوجية المختلفة خلال القرن العشرين، وتختلف تسمياته، تارة يسمى «العنف الديني» وطوراً يأخذ مسمى «العنف الثوري» بحسب الماركسيين الغيفاريين، وأحياناً يسمى «الإرهاب» بحسب التسمية الغربية الأميركية، وصولاً إلى تسميات، أبرزها الإيرانية كـ{المقاومة» أو الـ «بن لادنية» وحتى الإسلامية كـ{الجهاد»... تعددت التسميات والنتيجة واحدة: مزيد من الفوضى والخراب ومزيد من القتل. أما في الثقافة والدين فمزيد من المعمعة كما قلنا.

 ثمة كتّاب يسحرهم العنف الثوري الغيفاري وثمة جمهور يبلفه التطرف الديني، وبعض الكتَّاب يبارك عنف المقاومة أو العنف الجهادي. كل فريق يبرر أفعال إيديولوجيته وإرهابه، تارة باسم المظلومية وطوراً باسم الكفر وأحياناً باسم الحرب على الاستعمار أو الإمبريالية، على أن عناصر التطرف والإرهاب والعنف بقيت في إطارها الروتيني والنمطي حتى أحداث 11 سبتمبر، إذ كانت صورة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كافية لقلب الأمور رأساً على عقب، وحصل ما يمكن تسميته الطوفان في البحث عن جذور التطرف الإسلامي ومعانيه وناسه ومريديه.

 كان تفجير 11 سبتمبر كافياً ليكون مثل صاعقة في تفكير كثير من الباحثين العرب والأجانب، وقد ازدحمت الفترة التي تلت أحداث سبتمبر بفيض من البحوث والدراسات والتحليلات الغربية والعربية التي اتخذت من الإسلام والجهاد موضوعاً لها.

كل كاتب يغني على ليلاه، فكثير من المعالجات الجادة في الغرب للفكر والتاريخ الإسلاميين، لم تخلُ من روح العداء والتربص وسيطرة  الأيديولوجيا، استغلالاً لمناخ العداء والمواجهة بين الإسلام والغرب، وأحياناً يأخذ بعض الدراسات منحى العداء للغرب أو منحى «الاستلشاق» بما حصل وتحميل الولايات المتحدة نتائج كل ما يحصل في العالم بسبب سياستها الخارجية.

الإسلام والتطرف الديني

لتوضيح وجوه التطرف والإرهاب المختلفة في العالم، ربما علينا التطرق إلى بعض الكتب، كما فعلنا في الحلقة السابقة (أمس)، ففي القاهرة صدر كتاب {الإسلام والتطرف الديني} الذي يتكون من سبع دراسات كتبها نخبة من المفكرين والمثقفين حول ظاهرة التطرف الديني، على رأسهم: طارق البشري، محمد سليم العوا، عصام البشير، المهندس أبو العلا ماضي، مهدي رزق الله، وقد حرره الدكتور الطيب زين العابدين، وصدر عن {مكتبة الشروق الدولية} (2009) في 251 صفحة تمثل خلاصة التجربة الإسلامية مع التطرف الديني.

حين يكون الحديث عن التطرف في سياق مأزوم لا يحتمل حضوراً ذهنياً منفصلا للمسلم عن الإرهاب، يلزمنا الوقوف عند العلاقة العضوية بين الإسلام من ناحية، والممارسات المغالية المتطرفة من ناحية أخرى، خصوصاً إذا جاءت هذه الممارسات بحجة حماية الإسلام والذود عن حياضه.

يقرر الكتاب في بدايته أن {الإسلام من الناحية المبدئية لا يجعل الخلق قضاة على سلوك البشر، وفي ذلك الأنبياء}، فالخطاب القرآني للرسول ينفي عنه أي شكل من أشكال السيطرة على البشر، وأي وظيفة عقابية له تتجاوز مهامه الأساسية كنبي مبلغ لرسالة ربه، قال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ}.

أما الغلو في الدين كمنهج للتلقي، أو كآلية يتوسل بها المتديّن إلى ربه، فهو مرفوض أيضاً، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ}. ولعل أبرز ما قيل حول التطرف في الكتاب لمحمد سليم العواء، إذ يرتدّ في بحثه حول {الاجتهاد وشروط ممارسته} إلى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، حيث نشأ القول بـ {قفل باب الاجتهاد} ووجوب التقليد مطلقاً، من دون تحديد من الذي يجب تقليده من العلماء.

ويعزو العوا أسباب القول بـ{قفل باب الاجتهاد} إلى الضعف السياسي الذي أصاب هيكلية الدولة الإسلامية فتفتت إلى دويلات متنافسة، وإلى تولية القضاء لأتباع المذاهب، الأمر الذي أدى إلى شيوع تقليدها طمعاً بالولايات الدنيوية. ويعود العوا إلى واقع الحركات الإسلامية التي مارست العنف السياسي بهدف تغيير الواقع القائم في مصر وفي بلاد أخرى من أقطار الإسلام، مشيراً إلى أفكار سيد قطب التي مثلت نقطة البداية في اجتهادات جماعات العنف، إذ لا يرى قطب في كتابه {معالم في الطريق} إلا نوعين من المجتمعات: المجتمع الإسلامي، والمجتمع الجاهلي.

 

الخطر الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟

في كتابه {الخطر الإسلامي خرافة أم حقيقة}، يدخل الباحث جون إسبوزيتو منطقة شائكة للغاية، في سعيه إلى تقديم دراسة متوازنة للقارئ الغربي عن {الجهاد}، المفردة التي اقتحمت العقلين الأميركي والأوروبي عبر فعل عنيف للغاية، وأصبح حداً فاصلاً بين {ما قبله} و{ما بعده}.

جون إسبوزيتو، أحد الخبراء الأميركيين في الشؤون الإسلامية، أستاذ الأديان والعلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، مؤسس مركز التفاهم الإسلامي- المسيحي فيها، وقد أصدر أكثر من 25 كتاباً يتناول في معظمها الفكر الإسلامي والعلاقة بين الإسلام والغرب، ويدعو إلى مد جسور التفاهم والتواصل بين الجانبين.

لا ينظر المحافظون الجدد في الولايات المتحدة إلى إسبوزيتو بكثير من الرضا، ويعتبرون هجمات 11 سبتمبر رداً عملياً على كتابه {التهديد الإسلامي... حقيقة أم خرافة؟} الذي اعتبر فيه التهديد الإسلامي للغرب والولايات المتحدة وهماً لا أساس له من الصحة.

يرى إسبوزيتو أن رسالة الدين الجديد -الإسلام- رفضت الوضع الراهن، ودعت إلى العدالة الاجتماعية لصالح الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مثل المرأة والأطفال واليتامى. وحارب النبي محمد والقرآن الشرك بالله بين العرب، وسلطا الضوء على أوضاع المجتمع المكي الغارق في المادية والجشع والفساد وحالة الجهل وعدم الإيمان التي أطلقا عليها {الجاهلية}. وهذا الوصف بالغ الأهمية والثراء من جهة مضمونه، وقد أعيد تفسير الجاهلية من قبل الأصوليين اليوم لوصف المجتمع الغربي وإدانته.

يقول إسبوزيتو إن دعوة النبي حثت الناس على الكفاح والجهاد لإصلاح مجتمعاتهم والعيش حياة تقوم على العقيدة الدينية وليس الانتماءات القبلية والعشائرية. وكان لتأكيده مسؤولية كل شخص أمام قانون إلهي، وليس أمام الأعراف والعادات القبلية، أثر الصدمة في المجتمع العربي. لقد مثّل الوضع الجديد الناجم عن دعوة محمد إلى مواجهة الفساد الاجتماعي تهديداً لسلطة النخبة، فقدم برنامجاً إصلاحياً اجتماعياً ودينياً قوياً، ألقى بتأثيره على الممارسات والعقيدة الدينية القائمة، وعقود التعاملات المالية، والعلاقات بين الرجال والنساء، كذلك العلاقات الأسرية.

نبذ الإسلام كثيراً من ممارسات الفساد، واستغلال الأيتام، والافتئات على حقوقهم في الميراث، ووأد البنات، وساوى دينياً بين الرجل والمرأة، وضمن لها حقوقها في الإرث. وكان على محمد وصحابته خوض معارك صعبة وإعلان {الجهاد}، لتعزيز مواقفهم ومواجهة التحديات التي فرضت عليهم. ويؤكد إسبوزيتو أن من المشكلات الأساسية في تعامل الغرب مع الإسلام النقص الفادح في المعلومات، أو إساءة فهمها.

 قضية مسلم لأجل الحرية

ثمة كتب يحاول أصحابها تقديم صورة مثالية للإسلام خلافاً للصورة النمطية السائدة عن وجود تعارض بين الإسلام والحرية، ومنها {إسلام بدون متطرفين... قضية مسلم من أجل الحرية}، للكاتب التركي مصطفى أكيول الذي أكّد أن للإسلام تاريخاً طويلاً في دعم الحريات والتسامح، وسرد سجلاً عن التسامح الديني في ظل الحكم الإسلامي، ومبيناً أن تركيا دليل على أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في العالم الإسلامي.

وقال المؤلف التركي إن الديمقراطية كانت مرفوضة رفضاً تاماً من قبل كثير من المفكرين الإسلاميين لزمن طويل، إلا أن ذلك يتغير، وثمة مزيد من الفهم اليوم بأن الديمقراطية يمكن أن تتسق مع القيم الاسلامية أيضاً.

تجفيف منابع الإرهاب

ثمة آراء مشرقية مغايرة في النظرة إلى التطرف والجهاد، مثل رأي المفكر محمد شحرور الذي يقول في كتابه {تجفيف منابع الأرهاب}: {تسببت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 بهزة عنيفة في نظرة كثير من الناس إلى العالم الإسلامي كدين، مع أن الذي دفع إلى هذه الأحداث هو الإسلام كثقافة موروثة صنعها البشر ابتداء من عصر التدوين}.

يعتقد شحرور أن الثقافة الإسلامية الموروثة ربطت بين القتال والقتل والغزو والشهادة والشهيد، كذلك قللت من قيمة الحياة والحرص عليها، فضلاً عن أنها ربطت الشهادة بالموت في أرض المعركة. يضاف إلى ذلك، بحسب شحرور، أن الفقه الإسلامي الموروث لم ينبس بكلمة عن حرية الناس في اختيار عقائدهم وشعائرهم وحرية الكلمة وحرية الضمير. فقد بدأ هذا الفقه في عصر الاستبداد ابتداء من نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي. في هذا المناخ قُتِل المرتد وصار هذا القتل من ثوابت الدين الإسلامي، وكذلك طاعة السلطان، وإن كان ظالماً، هو من طاعة الله ورسوله! وكانت الحروب على أساس أممي (أمة إسلامية/أمة الكفر ودار الإسلام/ دار الكفر) مع أن الهدف الأساسي، ابتداء من العصر الأموي، هو الفتوحات لكسب الجزية وإبعاد المُعارضة.

يعتقد شحرور أن مفهوم الوسطية في الإسلام والمناداة بها كشعار إسلامي ما هو إلا تخريجة للخروج من مأزق أحداث 11 سبتمبر وما تلاها، شأنها شأن كثير من التخريجات خلال تاريخنا الطويل، كتخريجات فقه الأقليات وفقه الأولويات التي لم يتقنها أحد كما أتقنها المشايخ التقليديون، فاخترعوا لها الناسخ والمنسوخ لتلافي التضاد الظاهري بين بعض آيات القتال، خصوصاً في سورة التوبة وبقية آيات {لا إكراه في الدين} و{قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} و{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وبهذا أصبحت الثقافة الإسلامية انتقائية، فمن يريد القتال يورد آيات القتال، ومن يريد السلم يورد آيات السلم.

 حروب ضد أوروبا

في كثير من الكتب حول الإسلام والتطرف يبتعد المؤلفون عن التفسيرات الفقهية والدينية للحديث عن الجوانب الأيديولوجية والسياسية وحتى المؤامراتية. يضع كتاب {حروب ضد أوروبا} ‏لالكسندر دي فال، خبير في الدراسات الدولية والاستراتيجية في باريس،‏ يده على محور خطير في العلاقات الأطلسية ‏(‏الأوروبية ـ الأميركية‏)‏ هو استخدام الولايات المتحدة، بذكاء ودهاء شديدين، سلاح التطرف الاسلامي لإضعاف أوروبا‏! ويؤكد أن عوامل التنافر بينهما أكبر من عوامل التجاذب، وأن الصراع بين ‏{القوتين‏}‏ قائم ومستمر‏، وإن بدا مستتراً أو مقنعاً‏.‏

ويذكر دي فال أن أميركا تبرع في استخدام سلاح التطرف الإسلامي، ودليله على ذلك أن أكثر الجماعات الإسلامية تطرفاً في العالم نشأت وترعرعت في أحضان أجهزة المخابرات الأميركية‏، والمثال الصارخ هو أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ونظام طالبان الذي استخدمته أميركا لوقف الزحف السوفياتي ‏(‏الشيوعي‏)‏ تجاه أفغانستان وبقية دول آسيا‏.‏

ويرتكز الكتاب في جوانب كثيرة من أفكاره ورؤاه إلى نظرية صموئيل هينتنغتون الخاصة بصراع الحضارات، فيذكر أن  الأيديولوجيات الكبرى في القرن العشرين أصبحت متعبة، ووجدت الأنظمة والرموز طريقها نحو الأفول، ويحصي الكتاب الحضارات المعاصرة التي سيدور حولها الصدام‏ وهي‏:‏ الغربية، اليابانية، الإسلامية، الهندوسية، السلافية واللاتينية ثم الإفريقية‏.‏

وفي دراسة {القاعدة والسلفية الجهادية: الروافد الفكرية وحدود المراجعات}، يرى الباحث هاني نسيرة أنّ في أعماق الفكر الجهادي القاعدي، يتبدّى أنّه لا يسعى إلى ممارسة التبرير الأيديولوجي لإزاحة فعل العقل ذاته فحسب، بل يسعى إلى إزاحة أي تصورات وتفسيرات دينية سلمية أو تاريخية تتعارض مع تأويلاته للدنيا والدين. كذلك يذهب إلى أنّ المقولات والمصطلحات التي تم صكّها وتدشينها كأدوات استراتيجية في حرب الأفكار ضدّ القاعدة ورؤيتها للعالم، من قبيل تجديد الخطاب الدينيّ وإصلاح مناهج التعليم الدينيّ، لم تفِ بعدُ بالغرض منها، بل لا تزال مطلباً يفتقد إلى الإنجاز الفاعل.

وينتقد ما وصفه بالأساطير التي تروّج عن الإرهاب الإسلامويّ، إذ يرفض تصوير مجموعاته بأنهم مجرد جماعة من اللاعقلانيين يتسمون بالعشوائية ومعاداة الحداثة، أي أنهم يقدمون فكرًا عدميًّا فوضويًّا فحسب، ويرى أنّ هذا ينفي الرابط بين هذا الفكر الجهاديّ القاعديّ وبين أيّ أنظمة فكرية أو دينية انطلق منها وساهمت في تأسيسه، ما يعني إلغاء السياقات الفكرية والاجتماعية المنتجة لخطابه.

 

التحدث إلى الأعداء

فضلاً عن الجوانب السياسية والدينية في تعريف التطرف ثمة جوانب اجتماعية وأدبية. في كتابه {التحدث إلى الأعداء} يعرض الباحث سكوت آتران نظرية في فهم نفسية الإرهابي وواقعه، تقول إن الإرهابيين هم كائنات اجتماعية ويتأثرون بصلات وقيم اجتماعية تبدو مألوفة لنا جميعاً. إنهم أعضاء في نواد مدرسية، أو فرق رياضة أو منظمات اجتماعية؛ وقد يكونون آباء متباهين أو مراهقين صعبي المراس. وهم لا يموتون، كما يحاجج سكوت آتران، من أجل قضية لكنهم يموتون لأجل بعضهم البعض.

ويموضع آتران معرفته المرعبة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية ليحلل الآليات المختلفة التي ساعدت عبر آلاف السنين في تحويل الأفراد إلى مجموعات، عصابات حرب، فرق صيد، أو جيوش. وعلى رغم أن معرفته بالتاريخ مبهرة، فإن بحثه الميداني في أماكن تتدرج من فلسطين إلى إسبانيا وتطوان في شمال المغرب إلى الجزر الإندونيسية النائية أكثر إبهاراً.

ولعلَّ هذا البحث بالتحديد هو الذي يعزّز نظرته إلى العنف الإسلامي الراديكالي باعتباره حركة اجتماعية قابلة للتكيف. وفي ذلك يقول آتران مثلا إن تفجيرات بالي (إندونيسيا) عام 2002 {خُطِّط لها ونُفِّذت بواسطة شبكة من الأصدقاء، من أفراد العشيرة، من الجيران ورفاق المدرسة الذين ساعد واحدهم الآخر على التحول الراديكالي إلى أن غدا الجميع يتوقون إلى قتل أناس غرباء عنهم تماماً من أجل قضية مجردة}.

ويضيف آتران أن شبكات الإرهاب {لا تختلف في عمومها عن الشبكات الاجتماعية العادية الأخرى التي تقود الناس في بحثهم عن وظائفهم المستقبلية. إن مهنة الإرهاب بحد ذاتها يجدر اعتبارها استثنائية، إذ لا يصبح الأفراد العاديون إرهابيين}.

عبد الصمد الديالمي

يقدم عالم الاجتماع المغربي عبد الصمد الديالمي تحليلا معرفياً للدور الذي يؤديه المتغير الجنسي في تشكيل الشخصية الإسلاموية في كتابه {المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب} الذي يستمد أهميته من كونه يتناول ظاهرة الإرهاب الإسلاموي من منظور ابستمولجي، مؤكداً أنه في الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل دور المتغيرات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية في تشكيل تلك الشخصية المتطرفة، فإن رفد المقاربات الفكرية التي تهتم بدراسة ظاهرة الإرهاب الإسلاموي {أو الأصولية}، وفق تعبيره، بالفرضيات التي تعزز وجود علاقة ارتباطية وثيقة بين الإرهاب والحرمان الجنسي، بات أمراً مهماً في ظل تنامي العلاقة الوطيدة التي تجمع الفقر بالتطرف الديني في العالمين العربي والإسلامي.

يقدم الديالمي دراسة علمية على موضوع الجنس والمدينة، مركزاً على البعد اللساني والبعد الرمزي له، فالبعد اللساني يجعلنا نميز بين ما يطلق عليه الديالمي مواضيع معمارية مذكرة ومواضيع معمارية مؤنثة، أما البعد اللساني فيمكننا من معرفة ما وراء تسمية أماكن سكنية معينة بأعضاء جسدية منها على سبيل الذكر لا الحصر تسميات {رأس البيت/ فم البيت/ صدر البيت... الخ}.

يربط الدياليمي استخدام «العنف الرمزي» الذي تحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي بورديو، بالجماعات الأصولية التي توظفه لإحكام سيطرتها، عبر «تكفير المواطن» تبريراً لممارسة العنف المادي ضد الآخر ومحاربة حرية المعتقد. كمثال على العنف الرمزي، يتناول الباحث الكتب التي تدعمها أموال النفط لتعميم الفكر الوهابي وأسلمة الدول تبعاً لهذا الفكر، لا بل صبغ الإسلام نفسه وفقاً لهذا النموذج. كل ذلك للوقوف في وجه الثورة الشيعية الإيرانية حسب الديالمي الذي يتساءل عن حق السعودية التي تستغل مكانتها الدينية، لتروج لوهابيتها على حساب التنوّع الإسلامي.

يضم الكتاب، وجهات نظر مختلفة قادت صاحبها للوصول إلى «إسلام علماني»، داعياً إلى إعادة النظر في أسس تدبير النصوص والاجتهاد في قراءتها.

الحديث عن الإرهاب والتطرف، نبع لا ينضب، والكتب الكثيرة عن هذا الموضوع تعكس الأزمة الحقيقية التي تعانيها البشرية، وهي أنها تطورت كثيراً ولكنها لم تقدر على وقف العنف في ما بينها، الذي يؤشر إلى أنها ما زالت متوحشة.

 في هذا الإطار يرصد الفيلسوف جان بودريار في كتابه «روح الإرهاب» علاقة غريبة بين الأنظمة والإرهاب، وهي علاقة الفعل وردة الفعل بين طبيعة النظام العالمي الساعي إلى الكمال ومشاعر الإرهاب.

في البداية يخبرنا بودريار أننا جميعاً أبرياء وإرهابيون في الوقت ذاته، ويلقي بالمسؤولية على النظام العالمي نفسه، يقول: «المخيلة الإرهابية تسكننا جميعاً من دون أن نعرف»، بل ويذهب إلى أننا جميعاً من دون استثناء، ربما نكون قد حلمنا بما حدث من تفجير 11 سبتمبر، «لا يمكن لأحد ألا يحلم بتدمير أية قوة صارت على هذه الدرجة من الهيمنة»، ويزيد أن الإرهابيين الذين فجروا البرجين هم من فعلوا، لكننا نحن الذين أردنا ذلك.

لا يصورنا المؤلف على أننا أشرار بالفطرة بل يوضح الأسباب التي تدفعنا، من دون أن ندري، لنكون أشراراً ولتتولد لدينا رغبة طبيعية في تدمير الولايات المتحدة الأميركية، فيقول: «لا حاجة لغريزة موت أو تدمير، إذ بصورة منطقية ، يستثير تضخم القوة الإرادة لتدميرها». وما حدث في 11 سبتمبر ليس صدمة حضارات ولا صدمة أديان، بل ويتجاوز الإسلام وأميركا، ويصدمنا أكثر حينما يقول: «الحرب تلازم كل نظام عالمي وكل سيطرة مهيمنة، ولو كان الإسلام يسيطر علي العالم لوقف الإرهاب ضد الإسلام».

back to top