هل توقف العمليات الفرنسية تقدم الإسلاميين؟
بعد تجاهل أزمة مالي خلال معظم فترات السنة الماضية، يبدو أن العالم أدرك حدة تلك الأزمة فجأةً ويمكن اختصار رد فعله بكلمة واحدة: «الهلع»، يقول ألكس يري في مجلة «تايم» الأميركية.
في 9 يناير الجاري، استأنفت القوات الإسلامية التي سيطرت على شمال مالي في السنة الماضية تقدّمها جنوباً، ثم استولت في اليوم التالي على بلدة صغيرة تقع على بُعد 700 كلم تقريباً من العاصمة باماكو. لا أحد يعلم بعد ما إذا كان الإسلاميون يحاولون بلوغ باماكو مباشرةً والاستيلاء على البلد كله. حتى الآن يبدو أنهم يكتفون بالسيطرة على الشمال، علماً أن غالبية العناصر المجنّدة في صفوفهم تأتي من تلك المنطقة. لكن كان رد الفعل تجاه الزحف الإسلامي المحدود دراماتيكياً. توسلت حكومة مالي فرنسا كي تتدخل، وطالب رئيس الاتحاد الإفريقي بتحرك حلف الأطلسي. حتى رئيس الوزراء الكندي حث على تنفيذ تحرك دولي. رداً على ذلك، عقد مجلس الأمن جلسة عاجلة في 10 يناير لتمرير قرار يدعو إلى «انتشار سريع» لقوة تدخل دولية.ثم في 11 يناير، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على صحة التقارير الميدانية القائلة إن فرنسا نفذت ضربة جوية واحدة على الأقل ضد الإسلاميين، لكنه لم يقدم أي تفاصيل أخرى. في وقت سابق من ذلك اليوم، تحدث شهود عيان عن وصول عدد محدود من الجنود الأوروبيين، لا يتجاوزون الخمسين رجلاً على الأرجح، إلى المنطقة. أكد الدبلوماسيون في مجالسهم الخاصة على أن الحملة شملت أيضاً قوات من السنغال ونيجيريا. ذكر هولاند أن التدخل الفرنسي سيدوم «بقدر ما يتطلب الوضع»: «يجب أن يعلم الإرهابيون أن فرنسا ستكون دوماً حاضرة للدفاع عن حق الشعب (في مالي) بالعيش بحرية وديمقراطية».
لكن بعد موافقة الجميع على ضرورة التحرك، لم يشأ أحد أن يكون المسؤول عن ذلك التحرك. حصل الإسلاميون على مئات ملايين الدولارات من أموال الفدية لتحرير الرهائن الغربيين ومن عمليات تهريب الكوكايين وأنفقوا الكثير للاستيلاء على أجزاء كبيرة من ترسانة معمر القذافي التي أحضرتها قوات «الطوارق» إلى مالي بعدما حاربت لصالح الدكتاتور الليبي. يبدو أن هذه الوقائع المزعجة جعلت من الخطة المشتركة بين الأمم المتحدة وفرنسا «فاشلة» بحسب ما تسرّب عن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس (تنصّ تلك الخطة على أن تحارب قوة من غرب إفريقيا تتألف من 3 آلاف عنصر الإسلاميين بينما يقدم المدربون الأميركيون والفرنسيون المساعدة لجيش مالي للقيام بالمثل). بما أن مفهوم نشر قوة تدخل إفريقية بقي مجرد فكرة نظرية، مُرّر قرار أولي في الأمم المتحدة يدعم التحرك العسكري في مالي، في 20 ديسمبر، لكن أوضح القرار أن أي قوة لن تنتشر على الأرجح حتى شهر سبتمبر. اعتبر هولاند أن ذلك القرار السابق سيبدّل قواعد اللعبة، لكن سرعان ما بدا كلامه فارغاً بما أن الإسلاميين يحتجزون سبع رهائن فرنسيين على الأقل، ذلك للاحتماء من أي تحرك فرنسي محتمل بحسب قول قائد إسلامي. إذا كانت الحرب احتمالاً ضعيفاً، فيبدو أن محادثات السلام ليست خياراً أفضل بكثير. لم تشمل الجولة الأخيرة الإسلاميين ثم انهارت في شهر ديسمبر من دون صدور أي قرار، وقد استضافتها أصلاً بوركينا فاسو حيث يشتبه كثر بأن الأجهزة الأمنية تستفيد تجارياً من عمليات الخطف التي يقوم بها الإسلاميون.التدخل الفرنسي اعتراف ضمني بأن رايس كانت محقة: لا بد من إعداد خطة جديدة ومفهوم جديد حول التحرك الفاعل. عملياً، كان ذلك التحرك اعترافاً بأن جيش مالي لن ينجح في جهود المقاومة إذا تقدم الإسلاميون جنوباً نحو باماكو. لم يتضح بعد حجم التحرك الفرنسي، لكن يتم التدقيق الآن بالبروتوكولات المطلوبة لحصد الإجماع حول التدخل الغربي. منذ حرب العراق، ينتظر حلف الأطلسي والغرب أن يُطلَب منهما التدخل بدل تنفيذ تحرك أحادي الجانب. أخيراً، تحقق هذا الأمر (بشكل غير رسمي على الأقل) حين دعت مالي والاتحاد الإفريقي الغرب إلى التحرك. حرص هولاند على التذكير أيضاً بأن نشر القوات الفرنسية حصل «في إطار القانون الدولي».لكن حتى لو كانت مالي والاتحاد الإفريقي يفضلان الاتكال على الغرب، لا يزال الغرب متردداً في تحمّل مسؤوليات كبرى في مالي (لم ينسَ نتيجة عمليات التدخل السابقة في أفغانستان والعراق ويحرص على أن تجد إفريقيا الحلول لمشاكلها الخاصة، حتى لو كان الغرب سيدفع الثمن في نهاية المطاف). يجب ألا يُخفي الحديث عن الحرب في الأمم المتحدة وفي باريس واقع أن العالم لم يقرر بعد ما إذا كان مستعداً لتحمّل أعباء الوضع في مالي. إذا استمر الفراغ القائم، سينجح الإسلاميون بكل بساطة في إحكام قبضتهم على البلد.