إسلاميك نميمة شو

نشر في 28-05-2013
آخر تحديث 28-05-2013 | 12:57
 باسم يوسف حين تشاهد الآن ما يسمى بالقنوات الإسلامية تجد نفسك أمام نوع جديد من الإعلام، هو -كما يقولون- إعلام إسلامي؟ هو -كما يقولون- إعلام محافظ، إعلام ديني، إعلام من المفترض أن يهدي الناس، يظهر ذلك من أول ثانية من البرنامج، بل من المقدمة التي تخلو من الموسيقى التي يحرمونها، لكن بدلاً من الموسيقى يستخدمون أصواتاً آدمية موزعة توزيعاً إلكترونياً، فلا تعرف أيضحكون علينا أم على أنفسهم أم على الشريعة (راجع مقال الأسبوع السابق)، ثم يبدأ الشيخ ذو الوجه السمح والصوت الرخيم بتلاوة آيات القرآن والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ثم يا سيدي كلها كام دقيقة وعينك ما تشوف إلا النور.

فبعد هذه المقدمة الوقورة المتدينة ينطلق المذيع وضيوفه في سباق قد يستمر حتى صلاة الفجر من لمز وغمز ونميمة وخوض في أعراض الناس، وقد يتطرقون إلى ما هو أبعد من ذلك، فينشرون الإشاعات والأقاويل عن أعدائهم السياسيين، لا يهم هنا آية "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، فهم في حرب على أعداء الدين، فكل شيء مباح، لا يهم هنا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام في مسند صحيح مسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"، لا يهم ذلك إطلاقاً، فتنتشر على ألسنتهم عبارات مثل "قيل لي" و"واحد قاللي" و"واحد اقسملي": أن فلاناً ماسوني، أن علاناً شاذ، أن ترتاناً مراته وبنته وأمه كذا وكذا وكذا، فيبدو أن الحديث عن أعراض الناس مادة مفضلة ودسمة في حواراتهم، ليه تتكلم عن أفعال وأقوال شخص لما ممكن تتكلم عن مراته وأمه وبنته؟

تأملت كثيرا في أمر هذه البرامج، وقلت لنفسي: "طيب يا أخي هناك برامج أخرى ساخرة، ربما يقال عليها مثل ذلك، وتوجه لها نفس الانتقادات، من أنت لتحكم على البرامج الدينية يا واطي يا صعلوك؟"، لكن الإجابة فجأة خبطتني في راسي، الحقيقة أنه لا أنا ولا غيري نقدم برامج دينية ولا نحن نبدأ البرنامج بأغان معدلة بعيدة عن المعازف، ولا نقوم بإلقاء مقدمة عريضة مكونة من آيات قرآنية ومطعمة بالصلاة على النبي، ربما يقول قائل: "يا أخي مش ده أسلوبكم؟ اشربوا بقى"، وهذه حجة مقبولة إذا كان طرفا الصراع قبلا أن ينزلا الساحة شتيمة بشتيمة، سباً بسب، إشاعة بإشاعة، تجريحاً بتجريح، لكن لدينا طرفاً هنا يدعي أن لديه التفوق الأخلاقي والديني والروحاني، فإذا فسدت البوصلة الأخلاقية عند من يدعون الفضيلة والكلام بكتاب الله فكيف تدعي أنك أتيت لتهدي الناس إلى الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة، وأنت تنزل بأسلوب الحوار إلى مستوى أكثر انحطاطاً من معارضيك؟ أهذا هو الإعلام الإسلامي الذي تبشر به؟ أهذا هو المجتمع الإسلامي الذي أتيت مبلغاً عنه؟ نميمة عن هذا واغتياب هذا والسخرية من هذا؟ طيب فرقت إيه عن البرامج السافلة التي تهاجمها؟

تعمقت في هذا الموضوع أكثر لأعرف كيف اختلت البوصلة الأخلاقية لهؤلاء، فاكتشفت أنهم كانوا في غاية الذكاء، لماذا يرهقون أنفسهم ويحاولون تغيير أخلاق شعب يعيش معظمه في العشوائيات، ويقضي وقته على المقاهي، ويتشاجر بأقذع الألفاظ في زحمة المرور؟ هم قدموا للناس الوجبة الدسمة من النميمة والسخرية والبذاءة وبذلك كسبوا الجمهور، ولم يحدث ذلك على مستوى البرامج بل حدث قبل ذلك في المساجد والدروس الدينية، فأصبح الدرس الديني يعوضك عما تراه في الإعلام الفاسد لكنه يعطيه لك بصبغة دينية، فترى الشيخ يلعن ويسب، ويستخدم الألفاظ على أنها جاءت في القرآن فلا بأس، وليحل هذا الخطاب الفاسد لابد أن يبيع لك فكرة أن هناك عدواً متربصاً بالإسلام والدين فيمكنك أن "تفش" غلك فيه، ولا تقلق فهناك الآية التي تحل لك ذلك "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"، مش خلاص أصبح الآخرون كفاراً ومنافقين؟ يبقى حلال يا أخي... استحل عرضهم وسيرتهم واضحك وقهقه على كلام الشيخ، كله حلال يا عم.

إذن نحن أمام منتج إعلامي متكامل، عايز شتيمة وخوض في الأعراض، موجود، عايز إشاعات وجلسات نميمة موجود، عايز شتايم بل وتشبيهات جنسية برضو موجود، وكله في إطار ديني محافظ حتى لا تشعر بالذنب أو تأنيب الضمير.

إذن فهؤلاء الناس بما حباهم الله من علم وشريعة اختاروا الطريق الأقصر للوصول إلى الناس، لا نحتاج إلى تغيير أخلاق الناس فهذا عمل صعب، لكن يمكن أن نخاطبهم بنفس اللغة، ونعمق هذا الانحطاط الأخلاقي، وأهي كلها تسلية، ولو سمحت ما تقوليش حرام، فنحن نذكر الله والرسول بين الجملة والأخرى.

وبذلك تتحول الشاشة، التي تدعي أنها تعطيك حسنات بلا حدود، إلى شاشة تجمع لك سيئات بلا حساب، وتأتي الشاشة، التي تدعي أنها تأخذك إلى الجنة، إلى شاشة ترمي بك في قاع النار.

 

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top