هل لدينا أزمة سياسيين شرفاء؟

نشر في 24-04-2013
آخر تحديث 24-04-2013 | 00:01
كان معظم الحكام، الذين حكموا في أجزاء مختلفة من العالم العربي من العسكريين، الذين وصلوا الى السلطة السياسية بقوة السلاح، ومن حسن حظهم، وسوء حظ أوطانهم، أن وجد هؤلاء الحكام في الخمسينيات- السبعينيات من القرن العشرين قوة كبرى تدعمهم، كالاتحاد السوفياتي السابق، الذي دعم دكتاتورية العسكري بوميدين في الجزائر، ودكتاتورية العسكري عبدالناصر في مصر.
 د. شاكر النابلسي -1-

يعاني العالم العربي منذ زمن طويل من نقص كبير في السياسيين الشرفاء، الذين يمكن أن يحكموا بشفافية، ونزاهة، وقدرة سياسية وطنية مخلصة.

فلو أردنا البحث مثلاً، عن رئيس جمهورية شفاف، ونزيه، ونظيف، وقدير، أو رئيس وزراء من القماشة نفسها، لوجدنا صعوبة كبيرة في ذلك.

ومن المرجح، أننا لن نجد مثل هذه السياسي بهذه المواصفات في معظم البلدان العربية، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة منها:

1 -  أن الاستعمار البريطاني والفرنسي، بعد الحرب العالمية الأولى، وفي بداية القرن العشرين وحتى منتصف هذا القرن، لم يربِّ لنا نخباً سياسية صالحة وقادرة على إدارة البلاد إدارة عصرية جيدة، بعد رحيله.

ومن تولّى الحكم بعد رحيل الاستعمار، إما أنه كان ابن عائلة كبيرة ومشهورة، وإما كان ابن قبيلة قوية، وإما كان عسكريا جاء بانقلاب... إلخ. ولم يتوافر لدينا في ذلك الوقت، في النصف الثاني من القرن العشرين زعماء سياسيون، يصلحون كحكام لنا.

 

2 - كان معظم الحكام، الذين حكموا في أجزاء مختلفة من العالم العربي من العسكريين، الذين وصلوا الى السلطة السياسية بقوة السلاح، ومن حسن حظهم، وسوء حظ أوطانهم، أن وجد هؤلاء الحكام في الخمسينيات- السبعينيات من القرن العشرين قوة كبرى تدعمهم، كالاتحاد السوفياتي السابق، الذي دعم دكتاتورية العسكري بوميدين في الجزائر، ودكتاتورية العسكري عبدالناصر في مصر، ودكتاتورية العسكري القذافي في ليبيا، ودكتاتورية العسكري حافظ الأسد في سورية، ودكتاتورية العسكري صدام حسين في العراق، وغيرهم.

وهؤلاء الحكام العسكريون لم يكونوا على علم بالسياسة وأنظمة الحكم، وحكموا الأوطان بالطريقة نفسها التي يشنون بها الحروب الفاشلة السابقة، ويقودون الجيوش المهزومة.

وكانت المأساة، التي نتجرع كؤوسها حتى الآن، هائلة، ومروّعة.

3 -  قصر عهد نخبنا بالحكم والسياسة، أدى إلى عدم وجود نخب سياسية قادرة على إدارة البلاد والأوطان إدارة وطنية سليمة، ومردُ ذلك إلى حكم الأمة العربية من قِبل الخلفاء والولاة، الذين كانوا يتوارثون الحكم منذ العصر الأموي، والعباسي، فالمماليك، ثم العثمانيون، إلى أن وصلنا إلى أيامنا هذه، ولا تزال هذه السُنَّة قائمة، في كافة أنظمة الحكم العربية القائمة، مما يحول دون تربية أجيال سياسية قادرة على قيادة البلاد، قيادة وطنية شفافة، ونزيهة، ونظيفة.

4 -  أن العرب بعد الاستقلال، جاؤوا بالسلطة قبل قانون السلطة، في حين أن الدول الغربية المتقدمة جاءت بقانون السلطة قبل رجال السلطة، وكان قبل رجال السلطة مجموعات ضخمة من الفلاسفة، والمفكرين، والعلماء، والقانونيين، الذين وضعوا أُسس السلطة وضوابطها، وأحكموا عليها القوانين، فتمَّ التخفيف من عمليات الفساد السياسي والمالي، وسرقات المال العام، أو خلط المال العام بالمال الخاص، كما جرى ويجري في العالم العربي، خصوصاً العراق، الذي جرت أموره بع د عام 2003 كما كانت عليه قبل عام 2003، لعدم وجود كفاءات بشرية سياسية كافية لحكم البلاد حكماً نزيهاً، نتيجة للقمع، والتشريد، والطرد، من الحلبة السياسية التي مارسها صدام حسين على النخب العراقية التي قتل منها الكثير، وشرد الكثير، وطرد الكثير، بحيث لم يبق منها في العراق الآن إلا أفضل الأسوأ على رأي صديقنا الدكتور العراقي عبدالخالق حسين، الذي قال متحدياً ليس في العراق أفضل من الأسوأ الحالي، ولو ذهب هذا الأسوأ، فلن نجد حاكماً عراقياً بدرجة سوئه "المعقولة"، وسنجد من هو أسوأ منه بكثير، وأخيراً، عصفور بجناح واحد في اليد، خير من عشرة، لا ندري حالها على الشجرة.

5 -  إن نظام التعليم في العالم العربي- بما هو نظام ظلامي تلقيني وتحفيظي، لم يكن الجهة التي من المفترض أن تُنتج الحكام السياسيين، كما هي الحال في الغرب الأوروبي، والأميركي، والشرق الآسيوي، بل على العكس من ذلك، فقد كانت السلطات الوطنية التي حكمت بعد رحيل الاستعمار، تدمر معاهد الدراسات السياسية وكليات العلوم السياسية المتواضعة والفقيرة في الجامعات العربية، وإن لم تفعل ذلك تُلبس دراسات هذه المعاهد لباس إيديولوجيا الدولة. كما حصل في عهد عبدالناصر عندما ألبس الدراسات السياسية في الجامعات والمعاهد المصرية المتخصصة، لباس الاشتراكية الناصرية، وكما حصل في بعض دول الخليج العربي، عندما ألبست معاهد الدراسات السياسية لباس الإيديولوجية الدينية التي تؤمن بها، وتحميها.

وبذا، ساهم التعليم العربي الذي كان، وما زال مملوكاً للدولة، وتحت إشرافها، ويتلوّن بألوان طيفها السياسي في القيام والمعاناة من أزمة النخب السياسية العربية. ولم يشفع لبعض السياسيين العرب القلائل، غير دراستهم في الغرب، التي جاءت- أحياناً- بسيئات أخرى، واتهامهم أخيراً بالعمالة للغرب، ودوائره السياسية.

6 -  تشجيع الكثير من الأنظمة السياسية العربية الحاكمة على تشكيل الأحزاب الدينية، ورعايتها، وتقديم الدعم المالي لها، لعلمها أن هذه الأحزاب- وهي أحزاب سُنيّة في معظمها تابعة لأنظمة سياسية سُنيّة كذلك- ستقف إلى جانبها في أي أزمة سياسية (وهو ما فعله "الإخوان المسلمون" مع النظام الأردني، وجزئياً مع نظام السادات، وما فعله "حزب الله" مع سورية وإيران). وكانت النتيجة أن تكاثر رجال الدين وقلًّ السياسيون المتخصصون، مما دفع بعض رجال الدين إلى السياسة، فخسر الدين، وخسر السياسة كذلك. وأصبحت السياسة العربية دينية أكثر منها سياسية، ويتحكم بها رجال دين، وإن لم يكونوا معممين، وهو ما جرى واضحاً في الانتخابات التشريعية الرئاسية المصرية الأخيرة.

-2-

ولكن، أين العراق الجديد، من كل هذا؟ لعل مشكلة الحكم وأزمته المستعصية الآن في العراق، هي هذه المشكلة التي توافرت لها كل الأسباب، التي أدت إلى وجودها.

فمنذ عصر الحكم العباسي للعراق في القرن الثاني عشر للميلاد حتى الآن، تعاقب على حكم العراق جملة من الساسة، الذين حكموه حكما دينياً باطنياً وظاهرياً، وشجعوا رجال الدين- بطريقة مباشرة وغير مباشرة- على "اللغوصة" في السياسة، فظهر في العراق أخيراً أكثر من نسبة 70% من السياسيين الدينيين من مجموع الساسة في العراق، سواء منهم السُنَّة أم الشيعة، الذين قُمعوا في عهد صدام، ولكنهم لمعوا بعد عام 2003، وتصدروا المشهد السياسي العراقي.

*كاتب أردني

back to top